لم يتوقف بعد الكلام فالقتل المستمر يوحي بمزيد من الحديث والتحليل المضاد، وربما استقبال "الموت" أو حتى التباحث معه، فالكلام باق لأنه لم يعد سمة إنسانية بل صورة جديدة لمخاض الشرق الأوسط كما أوحت به كوندليزا رايس ... وبعيدا عن التحليلات فإن التغطية الأخبارية ربما تدعو لمزيد من "الحديث"، فسواء هبطت كوندليزا رايس في بيروت، أو سقطت مع أول قذيفة داخل العاصمة فإنها رسمت من واشنطن "الصور" المضيئة لمولود وجد "معتوها" قبل أن تبشر به، أو تفعه إلينا مع صوت الطائرات.

نحن نقف اليوم دون الحرب أو الدبلوماسية، فالمفاوضات المرفوضة تفترض سلفا أننا خسرنا المعركة قبل أن نخوضها، و "إدارة الموت" في واشنطن تعرف تماما أن مسألة الخسران والهزيمة شأن نسبي، لكنها بأي حال تتلمس الصورة التي تريدها من بقايا الحرب في العراق. فليس هناك من نظرية في الحرب الدائرة لأنها أساسا لم تظهر على بناء استراتيجي واضح، وكل ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية خلق مساحات تحرك بعد أن تصاعدت رائحة الموت من كل أطراف "الشرق الأوسط الجديد".

ربما لم يكن مذهلا حالة شوق البعض لمعانقة "الحلم" الأمريكي ... أو لرؤيته منفردا وسط خراب بيروت ولبنان، لأن عشق الخراب يصبح أحيانا هوسا داخليا يسعى للانطلاق نحول كل العواصم .. فما الذي يفسر هيوط رايس في بيروت؟! أو حتى توزيع الابتسامات بعد دفن مئات القتلى؟! ليس علينا السؤال فنحن ننتظر القادم مع رياح الفناء التي حملتها رايس متذكرين أيضا ما حدث في العراق ...

في زمن الحرب نصارع التحليلات تماما كما نصارع الموت الذي يحولنا إلى قرابين للغد، لكننا ندرك أن الجرأة شرط لازم وغير كاف، وأن رايس تعرف بقية معادلة الجرأة وما تبقى من روح الحداثة التي نتعلق بها للخروج من الظلام ... والجرأة لن تحمل الانتصار إذا لم نجد باقي الحلم الذي رافقنا عندما قررنا الاستقلال .. أو أردنا الابتعاد عن "المساحات الرمادية" التي تحملها السياسة اليوم وكأنها قدر يرافقنا منذ الأيام الأولى لصدمة الحضارة ...

نحن في زمن الحرب حتى ولو بقيت كل الجبهات باردة ... ونحن في مساحة القلق من انهمار الموت حتى ولو أردنا استخدام برغماتية الاستقبال الحار لكوندلزا رايس ومن ثم الدم البارد لـ"حزمة" الحلول المقترحة. وما ستفعله السياسة اليوم لن ينهي الحرب في داخلنا لأن الدم الذي سال حار جدا ... حار خارج مفهوم الثأر التقليد ... حار يحرق حناجرنا ومع ذلك يبقى الكلام يخرج من أفواهنا.