موريس عايق

من الصعب على المرء ان يقرأ مقالة تحتوي على هذا الكم من الهذر كما في مقالة(هل مآل الحلم القومي العربي اليقظة على كابوس طهران آيات الله؟) لعبد الرزاق عيد(1).حيث انه من الصائب تقريبا ان نقول انه في كل جملة فضيحة. هذه المقالة التي تمتاز بكثافة الهذر الاكاديمي, وهو معلم خاص بعيد, تثبت في النهاية الحرفة السورية الابدية, اي البلف. فنحن السوريون امهر واقدر الناس على البلف ومقالة عيد تعتبر بشكل ما درة التاج.
سنراجع هذه المقالة تقريبا جملة جملة ولهذا فمن الافضل ان تقرأ المقالتين معا.
منذ الجملة الاولى يتحدث عيد عن شغب عرابي ورؤوساء العسكر وخروجهم عن " الشرعية الدستورية". القارئ لهذه الجملة سيفترض, كما تذهب اليه الجملة, انه كان في مصر في تلك الآونة حكومة منتخبة وديمقراطية واحزاب تتنافس بنزاهة والملك يملك ولا يحكم ولا يتدخل نهائيا بعمل المجلس النيابي والانكليز يقفون بعيدا (على الارجح في انكلترا). عرابي المشاغب يرغب كجنرال بالقفز على كل هذا. هل هذه هي الصورة الحقيقية ام بلفا للقارئ عبر عبارة "الشرعية الدستورية"؟

مصر لم يكن فيها الا القليل من هذا, لكن عيد لا يحاول ان يقدم الخلفية التاريخية لبطله الوهمي" عرابي" حتى لا يفسد عملية البلف.
بل انه بنتيجة "المغامرة" العرابية سيحتل الانكليز مصر, اي رد فعل.

عادة ما يهاجم هؤلاء العقل العربي على انه يتصرف عبر ردود الفعل وحسب ولا يملك استراتيجية للمبادرة, ولكن أليس هذا ما يصورون به ايضا العقل الغربي "العقلاني". الاحتلال البريطاني لمصر كنتيجة ل"المغامرة" العرابية وليس كسياسة استراتيجية.
عرابي عند عيد يمثل النزعة الانقلابية "الشعبوية" .والشعبوية كمفهوم غير محددة بوضوح. حيث انه يمكننا, كما يفعل عيد, ان نجمع كما هائلا ومتنافر ايديولوجيا تحت يافطتها. بل اذا قمنا لوحدنا- بالاستناد على عيد-بالمتابعة فسنضيف نهرو وسوهارتو وبيرون وهتلر ولومومبا وحتى ماركس, الذي يصف ابطال الكومونة- التي حذر من مغبتها في البدء- بمقتحمي السماء, وهو وصف مفرط في شعبويته.وطبعا يضاف كامل تراثه الثور"و"ي الشعبوي. فالشعبوية, بحسب عيد, هي اللعب على أهواء العامة واستثارتهم وعندها فان كل من يتحدث باسم الشعب او يدعوهم الى النزول الى الشارع واحتلاله(2) هو شعبوي وكذا من يقول ان الشعوب تملك القوة للتحرير. لكن هل هذا المفهوم مفيد ان كان بالامكان وصف جميع القادة السياسيين- باستثناء الغربيين الحاليين وعبد الله وملك الشمس- به؟

الشعبوية كما تعرفنا عليها في سالف الايام هي امثلة الشعب, اي ليست سوى القول ان الشعب طيب وجيد وعقلاني ولكن هناك اللصوص والخونة هم السبب في الوضع السيء. لكن اليوم اصبح من الصعب ان نفهم ما الذي يعنونه بالشعبوية, استثارة العامة! لكن أتوجد سياسة بدون استثارة العامة, بمعزل عن سياسي البنك الدولي ومؤتمر دايفوس؟

المسألة على ما يبدو ابسط. فالسادة- كعيد- المنحدرون من تراث الدين العلماني اتحفونا بالستينات بقاموس خاص للشتائم المثقفة (تحريفية, تروتسكية, مرتد, انحراف يساري....). لا احد منهم يناقش انما يشتم. والشتيمة ليست سوى مفهوم غمس بالسلب. الشتيمة تستعيض عن النقاش ولهذا ليس من المطلوب فهمها.
اليوم اكتشف هؤلاء السادة الحداثة والديمقراطية والتمدن ونتيجة هذا الاكتشاف الارخميدسي كانت, وحسب, تغيير قاموس الشتائم ليصبح( ستاليني, دوغمائي, شعبوي, قوموي...) والفهم غائب في النهاية. ماذا تعني الشعبوية تحديدا؟

لا احد يعلم وليس من المفروض ان يعلم هي تكفي بحد ذاتها.
الشعبوية اليوم كلمة سلبية جدا وبالمقابل فقدت وضوحها الذي كان لها سابقا. عيد لا يستخدمها بالمعنى القديم فالذين يؤطرهم تحت يافطتها واسبابه -التي لا يعبر عنها بشكل واضح ومرتب لكن سياق المقال يعبر عنها- لا تحيل اليه بل الى اي دعوى راديكالية او دفع للعامة الى الشارع. الطريف انه بعد جمل قليلة سيقول عيد ان احلام المجتمعات تصنعها ارادة الشعوب. هذا الكلام جميل ,لكن كيف تعبر الشعوب عن ارادتها؟

أليس باستثارة مشاعرها؟ أليس بنزولها الى الشارع واحتلاله؟ أليس بالتظاهر والتعبئة؟ أليس هذا ما فعلته الشعوب في اللحظات الكبرى؟

عيد يكمل, شعبويا, بارادة المعرفة وارادة الحرية.
اعتقد انه يملك أزمة مع فكرة الشعوب بحد ذاتها. ما الذي تعنيه ارادة المعرفة لدة الشعوب؟

مثلا هتلر- ما غيرو- امتلك احد أقوى الانظمة العلمية في العالم ولكنه مقطوع الصلة بالحرية والشعوب. أيقصد عيد المعرفة النقدية؟ هذا جائز لكن ما صلة الشعوب؟

عادة ما يكون موضوعها هو نقد الشعوب, وهي ايضا ذات جذر شعبوي (بالمعنى العيدي) كالماركسية أو المدرسة النقدية او حاليا باعمال تشومسكي. واخيرا أليس الدرس الفوكوي (الاكاديمي كما يحبذ عيد) هو ربط ارادة المعرفة بارادة السلطة ونقيضا للحرية؟

الشق الثاني لارادة اشعوب هي الحرية واجمل تعبير عنه هو احتلال الشارع.أليس تجليها الاجمل والمثال الدائم هو ايار 68؟ لا ابدا. لا يمكن ان يكون هذا هو الذي يذهب اليه عيد فهذا شعبوي كتير.
عيد مع ارادة الشعوب وضد الشعبوية(اي استثارة الشعوب) أليس هذا بلفا سوريا؟

في جملة سابقة يقول عيد بعقلانيته المفرطة هاجيا العرب "الحلم العربي الرغبوي الحماسي العاطفي المشاعري...." حسنا ما الفرق الحقيقي بين هذه الصفات التي يكدسها عيد؟ ما معنى هذه الجملة وحدها؟

أليست هذه الصفات متوازية وهي بالتالي مجرد تأكيدات. أليس العقل العيدي هو عقل وصفي تأكيدوي-غير تفسيري- سلفه امرء القيس.
الأنكى أن هذه كلها وباستهجان صفات للحلم العربي, بربكم أليس كل حلم هو حالة عاطفية؟

هل يوجد حلم عقلاني؟ واذا سمع به احدكم ليدلنا عليه.
عيد يريد بالحلم العربي اليوتوبيا العربية. لكن كل يوتوبيا بجذرها الاساسي مسألة عاطفية, احساس بالظلم وحلم بمجتمع اكثر عدالة. حلم مسموح فيه لكل شيء جميل. الحلم هو دوما مسألة عاطفية.

عيد يقدم لنا مشروعين, الاول مشروع الامام العقلاني التنويري الحداثي الدستوري(كم هائل من الصفات) والمشروع (النقيض الشعبوي الانقلابي (من عرابي حتى الاسلام السياسي مرورا بالبعث وناصر). واليوم نحن نعيش الهزيمة- مجرد جسد مطروح على قارعة الجغرافيا- بسبب المشروع الثاني الذي هزم باحتلال الانكليز لمصر(عرابي) و67 (البعث وعبد الناصر) واخيرا مع الاحتلال الامريكي للعراق(صدام). كارثتنا الحضارية كانت في هزيمة المشروع الاول.

منطقيا عندما يكون لدينا حدثين متماثلين-لحد معين- يعني ان يكون لهما سبب واحد (مجرد منطق) لكن مع عيد المسألة مختلفة. لدينا مشروعين وهزما. هزيمة الثاني دليل على خطأ جوهري, انه سيء. هزيمة الثاني عبث قدري, أناس شريرون قفزا عليه.

أليس هناك من خلل ما في مكان ما من تفكير عيد؟ وخاصة أن المشروع الاول امتد لعدة دول عربية ودام أعواما وسقط. هذا يعني أن المسالة تتجاوز العبث القدري الذي قد يحصل هنا أوهناك في غفلة من الزمن. عيد لا يقدم لنا تاريخا انما يقدم لنا ما يريده هو, ما يراه هو تاريخا. الشعبويون سقطوا لأنهم سيئون والآخرون لأن الشعبويين سيئون( تفسير مفيد)الأطرف أن المشروع الحداثي لدى عيد مرتبط بالامام محمد عبده ولا اعلم ان كان عيد جادا أم هازلا؟(3)
الامام عبده حداثي وتنويري, أليس هناك من عبث ما؟ أليس هو نفسه الامام الذي رأى أن مشكلتنا في الابتعاد عن الاسلام الحقيقي- كما سيتهم عيد فيما بعد السيد- وان الغرب هو المسلم الحقيقي؟ أليس هو الامام رمز الاصلاحية (أو السلفية الأولى) التي ترغب بالعودة الى القرآن وبالتالي تضع سقفا بشكل مسبق للعقلانية والتي تحصرها في فهم مقولات الله؟ اليس هو الامام الذي جادل فرح أنطون المدافع عن "الرشدية"؟

طبعا بحكم كوني غير راديكالي حداثيا ساتفهم الامر, مع بعض الملاحظات, لكن من عيد الحداثي بافراط ستكون المسألة صعبة. هل مشروع الامام التنويري أم مشروعه السياسي هو العقدة في تقييم عيد له؟

أعتقد أن الارحج هو المشروع السياسي. التقييم السياسي المسبق هو الذي نراه لدى عيد في حديثه عن النماذج(باريس وموسكو). اللتان تحظيان بكراهيته ولكنهما تقدما بشكل حيادي(نموذج باريس)(نموذج موسكو) لكن فقط (كابوس نموذج طهران) يرفق بالكابوس. الكراهية تعمد الثلاثة ولكن وحسب طهران هي الكابوس,أليست هناك حتى رائحة للطائفية؟ (نموذج باريس) سقط بالهزيمة العسكرية وأعطت أوروبا محمد علي درسا بليغا بأن الحداثة هي حداثة العقل. لكن أليس هناك مسألة اشكالية وهي انتصارات علي العسكرية؟
هزيمته دليل على عقمه لكن انتصاره العسكري على بريطانيا ليس دليلا على حداثته ولا على عقم بريطانيا. فرنسا التي قضت قرنا نت الزمان تهزم من الانكليز والالمان, لم تؤخذ هزائمها على انها دليل على عقمها لكن عندنا يؤخذ بهكذا تحليل. اذا هزيمة محمد علي دليل على عقمه وانتصاره ليس دليل على حداثته( هل فهم أحدكم شيئا؟) وكذلك على ما يبدو سيكون الحال مع والي عكا أحمد باشا الجزار والذي هزم نابليون نفسه ( عقم الحداثة عند نابليون مثلا!)
انطفأ حلم (نموذج لندن)- لم يسقط-لأن الشرعية الدستورية الليبرالية لم تنجز الثورة الثقافية الليبرالية الديمقراطية. ربما تستحق هذه الجملة أن توضع في أحد المتاحف كدرة التاج الهذري.
أنطفأ الحلم. الجميع سقطوا وحتى هذا النموذج سقط لكن عيد يستعيض عن السقوط بالانطفاء, حتى لا يضطر الى أخذ دروس السقوط وهذا أحد أجمل تجليات البلف السوري(4).

الشرعية الدستورية الليبرالية: من يسمع بهذا سيظن أن الجنة كانت في سوريا ومصر ولبنان. عيد لا يحاول أن يقول لنا ما الذي كان هناك حقا, مثلا القلم السياسي أو المكتب الثاني. ولا أحد يفهم عندها لماذا كانت الشعوب أول المبتهجين بهذا السقوط ( على الرغم من الشرعية الدستورية الليبرالية) وأول المصفقين للشعبويين- الشعبويون يلعبون على استثارة العامة, وهي (أي الشعبوية) مفيدة لكل تفسير- على الرغم من أنهم سيعيشون على قمع شعوبهم, والتي بغرائبية ستظل تصفق لهم.

هذه الشرعية فشلت بتحقيق الثورة الثقافية. لكن كيف يمكن لها أن تحقق الثورة الثقافية؟

التجربة الاشهر في الصين الماوية الشعبوية بافراط وعيد لا يريدها, باريس 68 شعبوية كثير, الثورتان الفرنسية والبلشفية دمويتان. لا يوجد لدينا دليل على ما تعنيه هذه الثورة أو امكانياتها وكل ما نعرفه كثير شعبوي.

ثم انطلاقا من الدرس الماركسي أليس الواقع هو الذي يحدد( ولا يعكس بلا مادية مبتذلة) الايديولوجيا؟

أليست الشروط المادية هي التي تحدد امكانيات الوعي؟ ألا يعني هذا أن للثورة الثقافية شروطها المادية؟

عيد يريد ثورة ثقافية دون احتلال للشارع ودون تغيير في الشروط المادية للحياة. هل لدى أحدكم شيئا ليقوله؟

في تعليقه على كابوس طهران يرى عيد ان السيد حسن نصر الله ودون استشعار بالهذيان يطالب الشعوب والحكومات العربية بالالتحاق بكابوسه (المقاوم) وكأننا لم نشبع هزائم(5).

لا اعلم ان كتب عيد هذا دون أن يشعر بالهذيان. فالسيد لم يطالب الحكومات (في لقائه الاخير على الجزيرة طالبهم بالحياد)ولكن وعلى فرض هذه المطالبة أليس هنالك مشكلة مع عيد وهي تاريخ المقاومة. السيد يريدنا أن نلتحق به ولكن أين الهزائم الني رأها عيد؟
السيد, كما يؤكد الآخرون, وريث العمل المقاوم اللبناني والذي استقل به فيما بعد. وهذه المقاومة تملك تاريخا من الانتصارات. فقبل استفراد حزب الله بالمقاومة طردت اسرائيل من بيروت ومع حزب الله طردتها المقاومة من الجنوب وحققت أول انتصار عسكري للعرب. فأين هي الهزائم؟

أبقصد هزيمة 48,56,67,73 لكنما دخل السيد بها؟ هذه هزائم الانظمة وليست هزائم المقاومة,أي مشروع السيد الذي يريدنا أن نلتحق به. شو دخل الاتنين ببعض؟

أليس مشروع السيدهوالمقاومة الشعبية (أو الشعبوية) ومشروع الانظمة (كما يرى عيد محقا) قائم على تدمير الشعوب؟

البلف العيدي يتمثل في ان يقحم السيد في تاريخ ليس له ثم يعطينا النتيجة المبهرة,كابوس الهزائم. لكن عندها يحق لنا أن نتساءل من عليه أن يشعر بالهذيان والغثيان؟

سيد المقاومة المتنطع لقيادة الأمة....يقارنه عيد قومويا بعبد الناصر(الذي هزم) واسلامويا بصلاح الدين( الذي انتصر) وبالواو (المعنى السلبي). وشخصيا لم أفهم شيئا من هذه المقارنة فعلى وجهها الأول (عبد الناصر) تصب سلبا على السيد وعلى الوجه الثاني( صلاح الدين) تصب ايجابا وبالواو سلبا على البطلين(عيد الناصر وصلاح الدين) وفي النهاية المعنى في قلب عيد.
في التتمة تتم مقارنة السيد بابن لادن (كما وليم كريستوفل المحافظ جدا والمعادي للحداثة(6) ) وانا لم استوعب هذه المقارنة. ابن لادن قتل أناس لا علاقة لهم بالقصة وهذا لمجرد القتل فمتى قتل السيد أناس ابرياء؟

ابن لادن يكفر كل من ليس على هواه ويعطي الاذن لقتله, فهل فعل السيد هذا وهو الذي صافح الجنرال في كنيسة؟ ويدافع عن الدرزي وعميد الأسرى سمير القنطار(7)؟

أين وجه الشبه بين السيد وابن لادن في الممارسة؟ وجه الشبه الوحيد أن هناك من يريدهما متشابهين وعنوة.
عيد يعترف أن السيد اوهمه ولفترة طويلة, لكن المشكلة مع عيد هي في السؤال عمن لم يوهمه؟

اليافع المعجب بالناصرية ثم البكداشي فالغورباتشوفي والليبرالي أخيرا, وبحسب الوهم الخاص بالسيد فعيد لفترة مقاوم.يعني أن حالة الوهم عند عيد هي حالة مستديمة كما يبدو.

اما مسالة أن السيد فقد بريقه باعطائه البندقية لرستم غزالة فهي مبالغة, فالبريق الذي فقده كان بريقه لدى عيد وحسب اما لدي الشارع لم يحصل ولن يحصل مع رفضنا لهذا الفعل.
سيد المقاومة يريدنا أن نخوض في بحار دماء اللبنانيين خلفه. من يقرأ هذا يعتقد أن صواريخ الكاتيوشا تسقط على بيروت وصور وطرابلس وليس على حيفا.

في تعليقه على الخطبة الدينية يصل عيد الى مراحل متقدمة من الهذر. فهو اكتشف مفارقة زمنية بذكائه الباهر.خطبة السيد استمرت ساعات فكيف يسمح بها وقته الجهادي؟

لا يملك المرء الا ان يصفق لعيد, تحية دكتور.

في نهاية الفقرة يستعرض عيد ما تثيره هذه الخطبة من مشاعر لدى السامعين (أي وظيفتها المعنوية) وبالتالي الجواب للوظيفة الجهادية للخطبة يقدمه عيد نفسه في النهاية. لكنه على ما يبدو نسي ما كتبه في أول الفقرة. علينا فقط أن نذكر عيد- الماركسي اللينيني البلشفي البكداشي ...كما يحب هو أن يدرز الصفات-أن لينين وترتسكي وستالين كانوا يلقون الخطب بالساعات وخلال الثورة كانوا يلقونها بتواتر متزايد. ألم يتساءل وقتهاعن هذه المفارقة الزمنية؟

أم أن ديمقراطية سماحة السيد ورحابة صدره أكبر من ديمقراطية الأمين العام وقتها؟

عيد يرى في هذه الخطبة استعادة لعداوات الماضي النحلي الطائفي (استعادة كربلاء) لكن عيد يبدو انه يعيش خاج العقلانية التي يصدع بها رؤوسنا. ما هي الايديولوجيا أو وعي العالم؟
وكيف نظم المظلومون أنفسهم للنضال, وكيف رأوا نضالهم؟
عيد, ان اتعب نفسه قليلا, سيرى أن اليسار العالمي كان يستعيد دوما تراث الماضي وعادة ما يكون تراثا منمقا. هذه وظيفة الايديولوجيا ان تعطي حلما ومعنى لعالم بلا معنى. أليست استعادة اليسار العربي للقرامطة والخوارج هي استعادة ايديولوجية, استعادة حلم. أليس المخيال "وهي الكلمة الدقيقة التي يستعملها عيد"الثقافي هو صورة وهمية, متخيلة للمعنى وهو يستند على تاريخنا وتراثنا. أم أن هناك موقف مسبق لعيد تجعله لا يراها الا أزمة طائفية؟
أليس الحسين كان وما يزال رمزا تتم استعادته وخاصة في بعده الجهادي وعلى نطاق يتجاوز الشيعة؟
الايديولوجيا هي مفعمة بالرموز والخيالات (الاحلام العاطفية الشعورية الرغبوية) وهذا طبيعي وشرط لفعاليتها. لكن عيد يرى وحسب طائفيتها وفواتها التاريخي. هذه الايديولوجيا التي تكتسب اليوم مشروعيتها بعد هزيمة اليسار والقومية العربية تكتسب "الله" الى جانبها وهميا. ما هو المخيال الاجتماعي ؟ أليس وهما؟

أليست حقوق الانسان"الطبيعية" وهما؟ وكذلك الشرعية الدستورية الليبرالية "العقد الاجتماعي" اليست وهما؟ الله لا يختلف عن هذه الاوهام كثيرا, لكنه أشد منها فعالية في هذا الوضع.
نصر الله وريث الهزيمة, الخطاب المأزوم والمهزوم, لم افهم سبب حشر السيد في كل هزيمة وتوريث لهذا التاريخ. حسن نصر الله لم يكن عضوا عاملا في حزب البعث أو رفيقا في حزب عيد السابق أو ناصريا. الرجل ولد بعد 48 وعلى أيام 67 كان طفلا (ان لم يكن ولد بعدها) لكن عيد يصر على حشر اسمه في كل تاريخ الهزيمة. أليس هذا بلفا؟
عيد يتابع في مسيرة توريث نصر الله للهزيمة فيكتشف انه اضاف عقله القروسطي الذي يرى أن الهزيمة نتيجة للابتعاد عن الله في حرب بين الله والشيطان. عيد على ما يبدو بحاجة للتذكير ان هذه الرؤية لا تقتصر على السيد وانما تصل الى الولايات المتحدة حيث أكثر من 70 مليون اصولي انجيلي يرون ذات الشيء. النخبة الحاكمة تملك ذات الرؤية. أليس محور الشر والفيتة الجيدون والفتية السيئون والارهاب والشر المطلق هي الصورالنمطية لهذه العقلية؟
هم حداثيون ونحن متخلفون على الرغم من اننا نملك ذات الرؤية, لكن لماذا؟

لبنان الاستثناء الديمقراطي في الفضاء العربي الاستثناء الديكتاتوري عالميا. هل نسي عيد أكثر من مليار و300 مليون صيني وبضعة مئات الملايين هنا وهناك أم أن البشر عند عيد يوجدون فقط غرب خط الطول المار بموسكو.

الغرب لم يعد عدوا بوصفه استعمار انما عدوا حضاريا...حتى آخر الفقرة. يبدو أن عيد ليس بالمتابع الجيد لفلسفة الغربية أو للسياسة الغربية.
المحافظون الجدد أيراهم حماة للتنوير وورثة فولتير وروسو. ارفنغ كريستوفل(ان عاد للحياة) سينتحر اذا سمع عيد.أليسوا هم أعداء العقل مع الاسطورة الموحدة ضدالانسانوية. كذلك المابعد حداثية نسبوية مطلقة وتعليق للحكم الاخلاقي وتحطيما للعقل. المدافعون عن التنوير ادركوا ومنذ زمن أن للتنوير حدوده وجانبه المظلم. هذا درس هوركهايمر وأدرنو. المجددون للمشروع التنويري اليوم شعبويون بالتعبير العيدي. من هم الاعداء الحضاريون للتنوير؟ على عيد البحث في الغرب.

اما في السياسة فالكارثة البيئية والدعم التاريخي- والحالي- للديكتاتوريات التي تقتات على شعوبنا هو الجواب لعيد.
الموقف الحقيقي من الغرب لا يمثله عيد فهو صنو لآيات الله في طهران صورة نمطية وشديدة التبسيط.

عيد يرى توحد الخطابين الايراني والاسرائيلي لضرب لبنان الطري, المخملي, الفيروزي.(هو يحب الشعر) أليست هذه الجملة ارهاصا شعبويا لدى عيد, صورة مفرطة في ورديتها للبنان والذي يخرج من حرب اهلية ليدخل ازمة وطنية كل بضعة سنوات وهذه دورة الحياة له منذ التاسيس.

اسرائيل ترغب بتدمير لبنان لأنه دخل معها في معركة التحدي الحضاري وربما هذه هي الجملة الوحيدة الصحيحة في كل هذا الهذر لولا انه لم يفسدها بالهذر الذي ألحقه بها.

فالجملة التالية تربطبين التعددية والدستورية (لم يذكر الديمقراطية والحرية وهما التعبيران الأدق هنا)والقدرة على هزيمة اسرائيل واخراجها من لبنان وايضا السبب في الاستقلال النسبي للمجتمع المدني. لنتخيل الصورة التي يرسمها عيد. عام 82 كان البرلمان اللبناني المنتخب مجتمعا للتداول في خطة التنمية التي قدمت من منظمات المجتمع المدني المنبثقة عفويا من الشارع وخلال هذا الحوار الوطني دخلت الدبابات الاسرائيلية ووصلت الى بيروت فتداعى الشعب اللبناني بقيادة برلمانه للمقاومة وانتصروا.
اعيدوا قراءة فقرة عيد لمرات ولن تصلوا الا الى لهذه الصورة ان لم تعرفوا,لوحدكم, ان الحرب اللبنانية الاهلية كانت قي بدات عام 75 وبيروت كانت قبل الدخول الاسرائيلي شبه مدمرة وان الذين حاربوا اسرائيل وهزموها (المقاومة الوطنية) كانوا لوقت قريب يذبحون شركائهم في الوطن والذين بدورهم كانوا يذبحونهم حنى انهم وصلوا للتحالف مع اسرائيل. وهذا الاحتلال بيروت ترافق مع أشهر المذابح خلال الصراع اعلربي الاسرائيلي, صبرا وشاتيلا والتي ارتكبها لبنانيون بحق الفلسطينيين.

عيد لا يستعين بالتاريخ انما بالبلف التاريخي.
البلف,وهو آفة سورية وللأسف انه متغلغل في النخبة السورية(باختلاف تنويعاتها الايديولوجية) بشكل يجعل منه آفة عصية على العلاج(8), يقوم على تأليف تاريخ خاص أو ببساطة رمي التاريخ في سلة المهملات ووضع الاشخاص في أماكن ليست لهم ثم دفع النتائج الى نهايتها المنطقية ويكون لدينا صورة ختامية. هذه المهارة لا يبدو ان هناك أحد يوازي السوريين بها. الكارثة أن هذه المهارة تقتل اول ما تقتل القدرة على الفهم, على السياسة, على العقلانية.لأنها ليست الا أحد أشكال الكذب والغوغائية. النخبة السورية غير قادرة ان تكون صادقة تجاه نفسها أولا وتجاه شعبها ثانيا.

النخبة السورية المثقفة والتي تمتلك رأسمالها الرمزي المستند على تأسيسها للايديولوجيات الثورية (هي الوريثة وليس السيد) تشعر اليوم بالضياع. الهزيمة المهينة كبنية تأسيسية لوعيها. الدولة التي شاركت في صناعة شرعيتها تتركها تحت ثقل ايديولوجيا المال ورفض الحريات (أي مصادرة الرأسمال الرمزي) والخوف من الشعب الذي يتجه باتجاه ايديولوجيات جديدة لها أبطالها ومثقفيها المختلفين. ايديولوجيات راديكالية جديدة لا تجد هذه النخبة مكان لها فيها. على كل فهي تمتلك امكانات جيدة على الاندماج في النظام العالمي بحكم مؤهلاتها الثقافية.

هذه النخبة الوريثة للتقاليد الفرنسية عن المثقف العام تعيش كل انواع الخلل النفسي وتعطينا كل هذا الكم من التفاهة والسخف.
الدرس الذي علينا , نحن الاجيال الجديدة, هو ان حان الوقت للتوقف عن محاولة التجديد للمشاريع السياسية واعادة مواءمتها مع الزمن الحالي, بل على العكس واجبنا الآن هو أن ندفنها نقديا .مئة عام على تاريخ هذه الاحزاب والرموز تكفي وتزيد وهم في النهاية قد ماتوا وما علينا الآن سوى دفنهم, وفاء على الأقل لتاريخهم والروح لتي حركتهم فيما مضى من الزمن الغابر(9), وبقائهم لا يعني سوى ترك هذه الجثة للتحلل والتعفن.

وصلة المقال هي
http://www.thisissyria.net/2006/07/20/articles/02.html

1- لعبد الرزاق عيد كتاب جميل جدا ويستحق القراءة عن ياسين الحافظ وهو ربما من أهم ما كتب عن الحافظ لكن يبدو أن عيد ذاك هو غيره عيد هذا. وهذا من فعل الزمن الرديء
2- الموقف السياسي لعيد سيظهر مثلا في تقييمه للرابع عشر من آذار فهو لم يرى شعبوية على الرغم من التجييش الطائفي وحتى الشتائم لسوريا -البلد وليس النظام ولكن عيد يبدو انه هو الآخر يماثل بينهما- في كل ذاك لم يرى شعبوية. طبعا الموقف السياسي هو الذي يحدد له ما هي الشعبوية. الذين نزلوا الى الشارع نزلوا للظلم الواقع عليهم لكن الذيم دفعوهم للنزول كانوا الشركاء في صناعة هذا الظلم والانكى انهم استثاروا فيهم أسوا المشاعر الطائفية والعنصرية ولكن هذا ليس شعبوية لدى عيد.
3- يمثل كتاب مفهوم العقل للعروي مرجعا ممتازا لمناقشة مسألة العقل لدى الامام
4-عيد يعتقد أن الكلمات هي الواقع الفعلي فان لم نقل سقوط يعني انه لم يكن هناك سقوط. اللغة وتحديدا الشعرية هي الواقع. هذا يدل على السلف الفكري لعيد أي امرء القيس والشامانات.
5- من أجل مقاربة حداثية للمقاومة ومعادية للنظام الايراني وايديولوجيا حزب الله ولكنها بالمقابل ملتزمة الى أقصى حدود بحق البشر بالدفاع عن أنفسهم وملتزمة بالحداثة وتقوم بتعرية النفاق الغربي يرجى مراجعة الموقع الفرعي الخاص بصبحي حديدي على الحوار المتمدن وكذلك مقالات نزار نيوف ولكن يبدو انهما ينتميان الى زمن مضى
6- مقالة صبحي حديدي
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=70635

7-طبعا سمير القنطار لا يمكن وصفه بهذه الطريقة ولكن فقط من أجل أن نفهم أبعاد هذا الغمز زاللمز الدائم من ناحية المسالة الطائفية لدى السيد من قبل اناس طائفيين حتى النخاع

8- المسألة التي يدورها عليها الصراع بلفيا بين شقي النخبة السورية في الفترة الأخيرة هي سوريا الخمسينات والتي أصبحت فجأة الجنة المفقودة التي سرقها البعثيون أوسوريا الاقطاع والتخلف والهزيمة والعمالة التي حررها البعثيون. اما سوريا الخمسينيات الفعلية فلا تعني أحدهما ولا حتى بقشرة بصل.

9- ليس وحسب عبد الرزاق عيد انما ايضا رجل مثل الياس عطا الله والذي يملك تاريخا سيتشرف اي واحد حتى ولد ولده ان امتلك عشره ولكنه يفعل كل ما بوسعه اليوم وحسب لتشويه هذا التاريخ