حسن نصر الله خلال مداخلته في بيروت
22 سبتمبر 2006

طلال سلمان: قبل أن نباشر الحوار قال السيد حسن نصر الله، في لفتة خاصة: أولا من الواجب تأكيد الشكر والتقدير ل (السفير) وإدارتها وجميع الصحافيين والعاملين فيها على الدور الذي لعبته الجريدة بأسرتها جميعاً.. ونحن نرى وما زلنا نرى ان جريدة (السفير) تعبّر عن موقف المقاومة وفكرها وخطها وثقافتها وإرادتها واملها في مستقبل التحرير والعزة والكرامة. وأطلقنا سؤالنا الأول.

طلال سلمان: هل هناك خوف من تضييع الانتصار في الزواريب الداخلية اللبنانية؟ كيف تحتسبون النصر بالمقارنة مع الكلفة البشرية والاجتماعية والاقتصادية والاعمارية؟ نصر أم هزيمة؟

حسن نصرالله: بالنسبة الى الوضع اللبناني، المشكلة الرئيسية هي ماذا نعتبر ما جرى او ما آلت اليه الامور، هل نعتبره نصرا ام هزيمة. وإذا اعتبرناه نصرا، فما هي حدود هذا النصر وقيمته حتى تصح مقايسة النصر بما قدم من تضحيات. وبالتالي يمكن أن نقول ان هذا النصر أخذت التضحيات من وهجه أو لم تأخذ، هذا هو مفتاح النقاش لكل هذه المسألة. ما يدعو الى القلق هو الاختلاف في تقييم نتائج الحرب. وانا برأيي ان الاختلاف في تقييم نتائج الحرب ليست له اسباب موضوعية وانما ينطلق من الخلفيات السياسية او المذهبية او الطائفية، بالنسبة للكثير ممن يقدمون آراء مختلفة في هذه المسألة. لو ذهبنا بعيدا في العالم العربي والاسلامي عند الكثير من الخبراء الاستراتجيين الذين يقرأون نتائج الحرب ومجريات الحرب بشكل موضوعي، سنجد اجماعا على انتصار لبنان وانتصار المقاومة. وحتى لو ذهبنا الى الكيان الإسرائيلي نفسه وحسب متابعتي سنجد ان هناك إجماعا اسرائيليا على فشل إسرائيل في لبنان. هزيمة اسرائيل في لبنان. حتى دان حالوتس رئيس الأركان وفي إطار الدفاع عن نفسه هو تحدث عن قصور في المؤسسة العسكرية وتجنب الكلام عن التقصير. والحديث عن القصور هو حديث لتبرير الفشل. لكن مع ذلك في لبنان قد نجد قراءات مختلفة لما حصل. هذا يثير مشاعر القلق الذي اشار اليه السؤال بكل تأكيد. هنا قد تكون هناك نية مسبقة لتشويه صورة النصر تدريجيا ولدفع الآخرين احيانا الى الانفعال واحيانا الى الاستفزاز من اجل اضاعته نهائيا. هنا استطيع القول ان مسؤولية لبنان الذي اعتبره منتصرا واذا اردت ان اكون دقيقا اكثر، لبنان المنتصر. ومسؤولية اللبنانيين الذين يعتقدون ان لبنان انتصر ومسؤولية اللبنانيين الذين يعتقدون انفسهم شركاء في صنع هذا النصر من المسلمين والمسيحيين من كل الاتجاهات والطوائف والتيارات السياسية ان يعملوا على حفظ هذا النصر وعدم السماح بتضييعه في الازقة المذهبية والسياسية والطائفية. هذه مسؤولية كبيرة وكما كان يقال الحفاظ على النصر احيانا اصعب من صنعه. استطيع القول ان الحفاظ على النصر في اي مكان من العالم اصعب من صنعه لكنه في لبنان اصعب بكثير. اكتفي بهذا الجواب الآن.

طلال سلمان: الانتصار مسّ أسس الكيان والمشروع الإسرائيليين ? الآن في الجانب الإسرائيلي، كيف هي التداعيات على بنية اسرائيل الاستراتيجية في المنطقة. اسرائيل قبل 12 تموز، هل ستبقى اسرائيل بعده، هناك من كان يقول إن هذه المعركة هي معركة حياة او موت. ما هي التداعيات على الموضوع الفلسطيني باعتباره المدى المباشر للمقاومة في لبنان؟

حسن نصرالله: هذا يعود الى تقييمنا لما جرى، كيف نفهم ما جرى، يمكن ان نتوقع نتائجه وتداعياته. يمكن هنا ان اقدم خلاصة في الشق الاسرائيلي واعتقد ان هذا النصر في كلمة عامة استراتيجي وتاريخي وبرأيي ستكون له تداعيات كبيرة جدا على المستوى الاسرائيلي الفلسطيني وعلى مستوى العالم العربي وعلى مستوى المنطقة. اظن انه ما زال الوقت مبكرا لاستكشاف ولاستيعاب النتائج الاستراتيجية والتداعيات الكبيرة لهذا الانتصار. من فلسطين الى العراق الى ايران، بل حتى اذا تجاوزنا المنطقة العربية. في سياق الجواب سأركز على الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني. بالنسبة للمعركة مع اسرائيل هي مسّت اسس المشروع الاسرائيلي والكيان الاسرائيلي، هذا الكلام ذكره كثيرون. عندما يقال كل دولة لها جيش الا اسرائيل فهي جيش له دولة. الكيان الاسرائيلي هو جيش. هو معسكر. بالحقيقة هو ثكنة عسكرية كبيرة وضخمة. عنصر الامن والامان والاستقرار والطمأنينة والامل في الكيان الإسرائيلي هو الجيش. وثقة الشعب الإسرائيلي بالجيش الإسرائيلي وثقة الجيش الإسرائيلي بنفسه وهذه الثقة منشؤها قوة الجيش سواء القوة الواقعية الحقيقية او المصطنعة في عيون اعدائه. احيانا لا تكون قوة حقيقية بل اقتناع الطرف الآخر بانه ضعيف ومهزوم وانه يواجه جيشا لا يقهر. الحروب العربية الاسرائيلية عززت ثقة الجيش الاسرائيلي بنفسه وثقة شعبه به. مثلا نحن نعمل قياسا على عدد وشعب وجمهور المقاومة المباشر في مقابل اسرائيل وجيشها. هم كانوا يعملون من اجل قياس اسرائيل في مقابل الامة العربية والشعوب العربية وعملوا منها اسطورة. بين 2000 و2006 الأثر استراتيجي وتاريخي في العام 2000 اهتزت الاسطورة ولكن اسرائيل اعتبرت انها تحتاج الى فرصة لاعادة ترميم صورة الجيش، وبشكل أو بآخر تم التشكيك بالنصر عام2000 ,حصل تشكيك لبناني وعربي. وحتى بعض الزعماء العرب قال ان اسرائيل لم تخرج مهزومة من لبنان عام 2000 وانما اقتنعت بتطبيق القرار 425 وتحدث آخرون عن صفقة لبنانية إيرانية سورية اسرائيلية. وذهب بعضهم أبعد من ذلك.

ويمكن القول ايضا عن انتصار ال2000 ان المقاومة التي تخوض حربا طويلة على مدى 18 عاما ونتيجة استنزاف طويل الامد لجيش نظامي يمكن في نهاية المطاف ان تفرض على هذا الجيش النظامي ان يخرج. هذا نصر ولكن هذه هي حدوده. ليس له آثار استراتيجية كاملة. لكن ما حصل الآن في هذه المواجهة انه اثبت خطأ بعض ما كان يقال على طاولة الحوار في نقاش الاستراتيجيات الدفاعية وما قيل في الأيام الاولى. كان يقال ان المقاومة الشعبية تستطيع ان تحرر الأرض من خلال حرب استنزاف طويلة المدى لكنها لا تستطيع ان تصمد امام اجتياح. ولا تستطيع ان تمنع احتلال البلد وسقوط البلد في قبضة الجيش الاسرائيلي. جاءت هذه الحرب لتثبت قدرة المقاومة العالية على الصمود وتسقط اسطورة الجيش الاسرائيلي بلا نقاش. في العام 2000 كان هناك نقاش. الآن لا يوجد نقاش في هذه النتيجة. من الممكن ان المقاومة خلال 18 سنة حظيت باحترام كبير في العالم العربي ولكن لم تستطع ان تتحول الى اسطورة حقيقية. بعد حرب ال33 يوما تبدلت المواقع: الجيش الذي كان أسطورة أصبح مثالا للفشل والارتباك والضياع؛ والمقاومة التي توقع الكثيرون وراهنوا على سحقها خلال 48 ساعة اصبحت هي الاسطورة. هذا الامر الأساسي الذي يقوم عليه الكيان وهذا ما فهمه شيمون بيريز بخبرته وتجربته الطويلة عندما قال . وهو الآن ما يناقش في داخل الكيان وإذا لم تتم معالجته بما يعني إقناع الجمهور الإسرائيلي بما يطمئنه ويعيد الثقة، فأنا اعتقد ان المجتمع الاسرائيلي سيكون امام تداعيات خطيرة جدا على المستوى الامني والمعنوي والاقتصادي والسياسي وحتى المستوى الديموغرافي، هذا يعني إذا فقد شعب هذا الكيان الثقة بجيشه الحامي الذي هو الحصن الحصين لهذا الكيان، فان الكثير من الاستثمارات ستغادر وتهاجر والمزيد من الانشقاقات السياسية داخل الكيان ستحصل. اليوم مستقبل اولمرت على المحك. مستقبل بيريتس على المحك، ورؤساء احزاب. وهناك احزاب مستقبلها على المحك، وفي مقدمتها وهو حزب بكامله مستقبله على المحك. يكفي لو توقفت فقط عند هذه الآثار من دون ان اتناول جوانب اخرى حتى لا اطيل الكلام من اجل القول ان هذا نصر استراتيجي تاريخي. واليوم في اسرائيل يتكلمون عن الآثار الداخلية، حتى ان بعض الخبراء الاستراتيجيين تكلموا عنها وايضا بعض الحكام العرب. نعم اسرائيل التي كانت تخيف الانظمة العربية وكان يقال ان المقاومة تحرر ولكن لا تستطيع ان تقف امام جيش بهذه القوة. المقاومة ليست ميزتها انها صمدت، الاهمية انها الحقت خسائر كبيرة جدا وفادحة بالاسرائيلي وهذا لا يمكن اخفاؤه عن الشعب الاسرائيلي ولا يمكن اخفاؤه عن العالم رغم الحصار الإعلامي الذي حصل. الفشل الإسرائيلي هو سبب وقف الحرب وليس الدول. إذاً في الأساس إذا قلنا ان المعركة في العمق هي معركة إرادة، استطيع ان اقول ان إرادة المقاومة صمدت وان الإرادة الاسرائيلية اهتزت بدليل ان إسرائيل اضطرت لوقف الحرب. والذي يصدق ان الضغط الدولي اوقف الحرب الإسرائيلية هو واهم وليسمح لي هو لا يعرف حقيقة الوضع السياسي في العالم وكيف تدور الامور في العالم. العنصر الرئيسي الذي أوقف الحرب هو الفشل الذريع الذي اصاب العملية البرية في الأيام الاخيرة وحجم الخسائر، وخشية القيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية من الذهاب الى ما هو اسوأ واخطر وما هو كارثي اكثر على الجيش وعلى الكيان، إضافة الى صوت دولي تصاعد وادى الى وقف الحرب.. لكن بالدرجة الاولى لو كانت إدارتا بوش واولمرت على ثقة بأنهما لو استمرتا في الحرب لاسبوع او اسبوعين إضافيين يمكن ان تحدثا تغييرا نوعيا في مسار المعركة لاستمرت الحرب ولم تتوقف يوم الاثنين. هذا يعمق الاثر الاستراتيجي للمعركة ومن هنا ثقة الشعب الاسرائيلي بجيشه وكيانه ستتراجع. وثقة الشعوب العربية وثقة الشعب الفلسطيني ان خيار المقاومة يمكن ان يصنع انتصارا في هذا الحجم ستقوى، برأيي هذا امر ستكون له بالتأكيد تأثيراته على اصل وجود الكيان على المدى المتوسط او البعيد. طبعا لا ادعي ولا يدعي احد ان هذا ستكون له تداعيات وجودية قريبة وسريعة. طبعا نحكي عن وجود كيان ومستقبل كيان ومستقبلنا لكن يبقى في الشق الفلسطيني الهاجس الاساسي ان الفلسطيني هو يملك فكرة المقاومة ومشروعها وايمانها وإرادتها ويجب ان تمكنه من ان يمتلك بقية العناصر التي توفرت في تجربة الحرب الاخيرة كي يتمكن من صنع نصره ايضا. أما استمرار الحصار المفروض على الفلسطينيين وجزء من هذا الحصار المفروض للأسف عربي فقد يجعل إمكانية توظيف هذا النصر سريعا على الساحة الفلسطينية إمكانية محدودة.

طلال سلمان: انتهت أهدافهم بالحديث عن ملجأ حسن نصر الله! ? هل ترون ان اسرائيل ستعود الى شن الحرب بعد تنظيم وضعها الداخلي إما ضد لبنان مجددا او الذهاب نحو حرب اسهل مع سوريا؟

حسن نصرالله: مع التأكيد على الطبيعة العدوانية لاسرائيل وعندما اقول الامر ليس له علاقة بطبيعة اسرائيل ولا بنواياها وانما له علاقة بالظروف والامكانات المتاحة. لو اتينا الى هذه الحرب قليلا وهذا قد يساعد في التقييم. هذه الحرب كان هدفها القضاء على . هذا هو الهدف الرئيسي والمباشر وبالتالي إخضاع لبنان نهائيا للإرادة الاميركية التي هي في المنطقة إرادة إسرائيلية وهذا الهدف اعلنه الاميركيون والإسرائيليون منذ الأيام الاولى، انا لا احلل ولا اجتهد، هناك شيء يقولونه وهذه نصوصهم واضحة ولا تحتاج الى اجتهاد. ومع ذلك اسرائيل عجزت عن القضاء على . باعتبار ذلك هو الهدف الاعلى بل عجزت عن تحقيق كل الاهداف المعلنة للحرب من القضاء على نهائيا وبنيته العسكرية الى القضاء على البنية الصاروخية ل، الى إخراجه من جنوب لبنان وجنوب الليطاني الى استعادة الأسيرين بلا قيد او شرط. أي من هذه الاهداف المعلنة لم تستطع إسرائيل أن تحققه. آخر انجازات أولمرت التي يقول انه انجز شيئا هو انه وضعني في الملجأ. انتهت الاهداف للحرب الإسرائيلية بان يضعوني في الملجأ. هذه حرب طويلة عريضة اتت بالنهاية بهذا الهدف. في هذه الحرب اسرائيل استخدمت، ولكن الجزء الأكبر والاهم من قوتها. من الناحية النوعية لم يبق شيء لم تستخدمه اسرائيل الا السلاح النووي. انواع الطائرات الإسرائيلية على اختلافها استعملت في هذه الحرب. أحدث انواع الدبابات، ألوية النخبة جلبتها الى الحرب، لواء و سحبوه من غزة وجاؤوا به الى الحرب ايضا وحدات المظليين. اتوا ايضا ب40 الف جندي. ثلاث فرق احتياط. بالنسبة الى حجم النار نفذوا 9 آلاف غارة جوية وليس طلعة جوية يعني ان الطيران قصف. تكلموا عن 175 الف قذيفة خلال 33 يوما. حجم النار الذي استخدم كان كبيرا جدا. صواريخ الطائرات الإسرائيلية استنفد مخزونها الاستراتيجي ولذلك حتى الصواريخ التي كانت معزولة من اجل التلف تم قصفها واستخدامها في لبنان. واسرائيل احتاجت من الاميركيين ليس فقط للصواريخ الذكية بل الى كل انواع الصواريخ التي تقصف بالطيران. الاهمية في تلك التفاصيل ان اسرائيل استخدمت جزءا كبيرا من طاقتها يعني هناك مئات الطائرات كانت تحلق وتقصف في لبنان، هم ليسوا قادرين على اخراج كل سلاح الجو واستخدامه في لبنان. لم تعد هناك أهداف ليضربوها، لان لبنان صغير ولا يتحمل كل طائرات اسرائيل تحلق وتقصف فيه اهدافا. اسرائيل بهذه الطاقة والإمكانية الهائلة وبتأييد اميركي ودولي وخذلان عربي كبير للبنان. ومع ذلك (لنكن متواضعين) فشلت اسرائيل في الحرب ولحقت بها خسائر اضرت بصورة جيشها وبفاعليته، بالجندي والدبابة. حتى الدول التي اقامت صفقات مع اسرائيل لتشتري ميركافا الجيل الرابع تراجعت عن الصفقات. في الحرب مع المقاومة الشعبية تتحول الدبابة المحصنة الى تابوت. اسرائيل التي تعاني ما تعانيه من الفشل في لبنان، هل تذهب الى حرب جديدة؟ برأيي هذا الامر يحتاج الى وقت طويل حتى لا انفي الذهاب الى حرب جديدة. اما باتجاه لبنان فبالتأكيد الإسرائيلي عندما يريد ان يذهب الى حرب جديدة مع لبنان سيحتاج الى آلاف الحسابات وخصوصا إذا انتهينا في الوضع اللبناني الى وضع داخلي معقول بعد انتشار الجيش وقوات اليونيفل ولم يمس سلاح المقاومة. وبالتالي اذا بقيت المقاومة وبقي سلاحها وبقيت القوة التي الحقت الهزيمة باسرائيل في هذه الحرب. طالما هذه القوة موجودة فإسرائيل سوف تحسب حسابات كبيرة وطويلة لمعاودة الحرب على لبنان. الإسرائيليون صاروا يحسبون الحسابات مع سوريا. قبل أن نطرح سؤالاً جديداً أكمل فقال: اما ان تذهب اسرائيل الى الحرب باتجاه آخر فأنا لا اعتقد ذلك. ولمن يتصور ان الحرب مع سوريا ستكون اسهل هو ايضا مخطئ. اريد ان اقول شيئا انه في الوقت الذي كانت اسرائيل تهاجم لبنان ومن المفترض انها تستهين بسوريا (كما يحاول البعض ان يستهين بسوريا) وفي الوقت الذي كانت تعلن فيه اسرائيل ان الصواريخ التي قصفت حيفا والخضيرة والعفولة هي صواريخ سورية الصنع، وفي نفس تلك الأيام كان وزير الحرب الإسرائيلي عمير بيريتس يؤكد على مدى عدة ايام انهم لا يريدون استهداف سوريا ولا فتح جبهة معها. هذا مؤشر. وهناك مؤشر آخر مهم جدا. عندما اعلنت سوريا انه إذا اقترب الإسرائيليون من حدودها البرية فسوف تدخل المعركة. الملاحظ في كل الحرب الإسرائيلية الاخيرة انه لم يقترب الإسرائيليون من الحدود السورية برا ومع العلم ان محاور مزارع شبعا هي محاور مهمة جدا والمساحات مفتوحة ويمكن للإسرائيلي ان يتحرك فيها بقوة للالتفاف على المقاومة في منطقة جنوب النهر، مع ذلك في هذه المنطقة لم يحرك الإسرائيلي فيها ساكنا وتجنب الاقتراب من الحدود السورية، فهذا يعني ان الإسرائيلي كان يعمل حسابات كبيرة جدا لاحتمال الصدام مع سوريا او ادخال سوريا في الحرب. هذا يحتاج الى تقييم اكبر وادق ولكن انا شخصيا اميل الى القول ان الاسرائيلي يحتاج الى وقت طويل للتفكير بحرب جديدة ليس فقط مع لبنان بل حتى مع سوريا. انا اعتقد أن نقطة الضعف الوحيدة التي سيركز عليها الاسرائيلي ويحاول من خلالها ليس استعادة صورة ردع وانما سيحاول من خلالها المنع من توظيف الانتصار في لبنان، هي في الوضع الفلسطيني لان الفلسطيني محاصر ومقطع الاوصال، ظروفه صعبة وان كانت ارادته صلبة ومعنوياته عالية، فالجهد الإسرائيلي سيتركز هناك اكثر. لو كنا نعلم أو كنا نحتمل فهذا هو موقفنا! ?

طلال سلمان: في موضوع ملف سلاح المقاومة ومسألة القول انه لو جرى تقدير النتائج لما حصلت العملية وكيف استخدم اولمرت الامر داخليا؟

حسن نصرالله: كلامي مع محطة ال new tv هو تأكيد لما قلته اثناء الحرب وانا
اسهبت في هذه النقطة والحديث عن انه جاء في سياق هذا الحديث ولكن للاسف تم اقتطاع هذا الجزء بخبث وذلك من اجل تركيب مواقف سياسية وبناء تحليلات سياسية على اساسها. عليه، لو أردت ان اعيد صياغة ما قلت من جديد، انا قلت بشكل واضح جدا ان عملية الأسيرين دفعت الإسرائيلي للقيام بحرب في تموز كان سيقوم بها في تشرين الاول. ولو قام بها في تشرين الاول لكانت الكارثة كبيرة جدا جدا جدا على لبنان وعلى المنطقة، ولكانت النتائج سيئة جدا جدا جدا. عملية الأسيرين من حيث لا نعلم (وانا كنت شفافا) احبطت الخطة المعدة والتي كانت معدة بإحكام ولكن كان توقيتها في أوائل الخريف وكانت تحتاج الى استكمال بعض الجهوزية وبعض المعطيات ولاسباب اخرى. لذلك انا كنت واضحا وقلت ان الحرب ليس سببها عملية الاسيرين. الحرب هي قرار اميركي اسرائيلي ومغطى من اماكن معينة، والحرب مجهزة ويستكمل التجهيز لها والتوقيت محدد وكانت تعتمد على عنصر المفاجأة بشكل اساسي ولها سيناريو وحتى ان السيناريو الذي طبق ليس هو المقرر. عندما حصلت عملية الأسيرين وسقط هذا العدد من القتلى استُفز الإسرائيليون ووجدوا انفسهم امام واقع اما ان يتحملوا ما حصل او يذهبوا الى المعركة المقررة في اوائل الخريف. معلوماتنا انه بعد التشاور مع الاميركيين في اليوم الاول تقرر الذهاب الى المعركة التي كانت معدة للتنفيذ في تشرين. نحن افقدناهم عنصر المفاجأة. فرضنا عليهم توقيتاً غير التوقيت الذي اعد له بدقة وبالتالي حصلت المعركة ونحن مستنفرون ومتهيئون وهم ليسوا جاهزين بينما لو حصلت في تشرين لكانت ستبدأ المعركة بلا ذريعة لان اي ذريعة كانت ستعني بالنسبة لنا لفت الانتباه. لو جاء الى جنوب لبنان في تشرين من يضع صواريخ مجهولة ويطلقها على فلسطين المحتلة، حزب الله سيستنفر بطبيعة الحال لانه سوف يحتمل قيام اسرائيل برد فعلي ما. الحرب التي كانت ستبدأ في تشرين كانت ستبدأ بشكل مفاجئ جدا ومن دون اي ذرائع واسرائيل لم تكن بحاجة الى ذريعة لانها تحظى بتأييد اميركي مطلق وسوف تحتسب الحرب في تشرين بالحرب على الارهاب وبالتالي لها المشروعية الكاملة وليست بحاجة الى ذريعة أو حجة الدفاع عن النفس أو ما شاكل.

أجزم أننا لم نخطئ في التقدير عاد السيد حسن نصر الله يؤكد: نعم كنت شفافا وصادقا عندما قلت اننا عندما ذهبنا لننفذ عملية الاسيرين لم نكن نقصد استدراج الاسرائيليين الى الحرب في تموز بدلا من تشرين. اكيد لم نكن نقصد ذلك، نحن كنا نعلم انه في يوم ما الإسرائيلي والاميركي سيخوضان ضدنا حربا قاضية وحرب إبادة، ولكن بالتأكيد لم نكن نعرف التوقيت وكنا نراقب الظروف والمعطيات السياسية. عندما يوجه اليّ السؤال لو عدنا الى 11 تموز ويقال لك ان عملية الاسر ستؤدي الى حرب تؤدي الى هذا الدمار وسقوط كل هؤلاء الشهداء والى ما هناك. اذاً كان الجواب نعم يعني حتى لو كنا نحتمل او نعلم ان اسر الجنديين الاسيرين سيؤدي الى هذه الحرب الواسعة فكنا سنذهب الى الاسر. لو قلت ذلك فسأكون كاذبا وسيقف الخبثاء للقول انظروا هؤلاء لا يعنيهم البلد ولا دماء الناس. بكل بساطة كنت استطيع ان اهرب من السؤال، والآن يمكنني ذلك وان أقول على كل حال الحرب ليس لديها علاقة باسر الجنديين الإسرائيليين ولكن لانني أعرف ان هذا السؤال موجود عند الناس وأثير بقوة في زمن الحرب. اعتبر ان من مسؤوليتي الحقيقية ان اجيب عنه، وقلت نعم لو كنا نحتمل لما اقدمنا في هذا التوقيت على عملية الاسيرين. ولكن هذا الكلام جاء في اي سياق. جاء في سياق انه حتى هذا الاحتمال ليس واردا على الاطلاق وان لا احد في الدنيا لو يدرس ويقيم ويحلل كان يفترض أن اسر جنديين يؤدي الى حرب بهذا المستوى لان الحرب لا صلة لها باسر الجنديين. هذه الحرب هي خارج اي منطق او معيار او قانون او ضوابط. وفي كل تجارب الحروب العربية الاسرائيلية وتجارب المقاومة في حربها مع اسرائيل وتجارب حروب العالم في التاريخ كله، لم يؤد اسر جنديين الى حرب. نعم الاسر استغل لتوقيت الحرب وبرأينا هذا كان من مصلحتنا ومصلحة لبنان وانه استعجل حربا كانت ستحصل بشكل قاطع ولذلك اذا كنت اريد ان استعمل عبارات لا يمكن اجتزاؤها او اقتطاعها، انا اقول لم نخطئ التقدير وكانت حساباتنا دقيقة وصحيحة وأيضا لسنا نادمين وانا لم ألق خطاب ندم او هزيمة كما قال بعض الإسرائيليين بل كان خطابي خطاب انتصار من اليوم الاول. وانا في اليوم الاول، عندما كانت الغيوم سوداء كنت واثقا بان النصر آت وهذا ما يجمع عليه كل خبير موضوعي الآن ويقيم ما حصل. واعتقد وهذا قلته اكثر من مرة ان ما حصل في توقيت وقرار العملية وما ادت اليه كان توفيقا الهيا ولطفا الهيا، ولو اننا لم نذهب الى تلك العملية وبقينا غافلين الى تشرين لكان لبنان غير لبنان ولكن بشكل آخر كما قال طلال سلمان، ولكانت اسرائيل غير اسرائيل ولكن بشكل آخر. لكانت اسرائيل في تشرين ومن خلال عامل المفاجأة والاستفادة من عوامل عدة اخرى لكانت راهنت على القضاء على المقاومة في لبنان وهذا كان سيؤدي الى استسلام لبنان الى اميركا واسرائيل، وسوف يؤدي الى أفق قاس وخطير على مستوى المقاومة الفلسطينية، على مستوى موقع سوريا، على مستوى مشروع المقاومة على امتداد العالم العربي. لذلك اكرر واقول لسنا نادمين ولم نرتكب اي خطأ وكانت تقديراتنا صحيحة وان ما حصل هو اهم بكثير من التقديرات التي كنا نتحسب لها، نعم لو تجاوزنا كل هذه المشاريع والجوانب الاساسية في القضية وحشرنا انفسنا في زاوية وقلنا لو كنا نحتمل، لفعلنا او لم نفعل، الجواب المنطقي لما كنا فعلنا. لو حصرنا الموضوع في عملية الأسر ورد فعل عليها، لكن حقيقة ما حصل في تموز خارج هذا السياق والمنطق بالكامل.

طلال سلمان:المقارنة بين ما جرى في غزة ولبنان ? يقال انه حصلت ردة فعل إسرائيلية واسعة على خطف الفلسطينيين للجندي الاسرائيلي في غزة قبل 12 تموز؟ الم تصلكم الاشارة؟

حسن نصرالله: كنا جاهزين لهذا المقدار وهذا ما كنا نتوقعه، حجم رد الفعل الذي توقعناه هو رد فعل قاس انتقامي محدود والذي حصل في غزة هو في هذه الحدود ليس أكثر. الاسرائيلي لم يقم باجتياح او تدمير قطاع غزة ولم يقم بما فعله في لبنان، مع العلم ان اسر الفلسطينيين لجندي في غزة هو أشد إذلالا للاسرائيلي من اسر جنديين في لبنان. حسب الامكانات المتوافرة لدى الفلسطنيين قياسا لامكانات المقاومة في لبنان، ما كانت ردة فعله في غزة، نحن افترضنا ان ردة فعله في لبنان يكون على هذا الشكل او اكثر ولكن ما قام به الاسرائيلي في لبنان ليس رد فعل وإنما فعل مقرر استعجل زمنياً. الشهداء في غزة، أجروا احصاء قبل عملية الاسر، كل شهر كان عندهم 30 او 40 شهيدا. ولم يتغير شيء. بالمناسبة، انا اتفهم ان الاسرائيلي يقتطع هذا الجزء ليستفيد منه مثلا اولمرت ليحاول ان يتحدث بما يساعده على التخلص من لجنة تحقيق او مشاكل. وانا طبعا لم اكن اقصد ذلك، انا كنت اتكلم بالصدق والشفافية التي كان يحتاج اليها الناس ويتطلع اليها الناس، لكن كنتيجة قيل لي وقرأت ان اولمرت يحاول الاستفادة من هذه الجملة، وانا لا امانع بان يستفيد اولمرت منه. وانه اذا ما خيرنا بين رئيس حكومة احمق وغبي وضعيف يستمر في إدارة هذا الكيان وبين رئيس حكومة بديل عنه قوي ومقتدر فنحن نفضل بقاء رئيس الحكومة الغبي والاحمق. واذا كان بعض كلامي المقتطع يمكن ان يستفيد منه اولمرت فانا لا امانع في ذلك. لكن أنا آسف من الذين يفهمون اللغة العربية جيدا ويفهمون ان هذه الجملة جاءت في سياق موضوع متكامل وانه لا يجوز اقتطاعها عن سياقها الطبيعي، كيف قاموا باجتزاء هذه الجملة وتوظيفها بما يخدم قراءتهم غير الصحيحة لما جرى في لبنان. هذا مؤسف ولا اريد ان اتحدث عن أكثر من أسف.

طلال سلمان: بعد صدور 1701 المشهد والالتباسات كثيرة. قرار ملتبس ومشهد ملتبس، الا تقطعون الطريق على اي فرصة للبحث عن مرحلة ما بعد 1701 عندما تشددون على اولوية الحفاظ على سلاح المقاومة؟

حسن نصرالله: هناك شقان. الاول له علاقة بما يمكن ان تستقر عليه الامور في الجنوب، انا بنظري الصورة واضحة، الجيش اللبناني يستكمل انتشاره في المنطقة الحدودية، من المفترض ان الجنود الإسرائيليين ينسحبون وقوات اليونيفل المعززة تنتشر في المواقع التي ستتفق عليها مع الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية. وسيكون في منطقة جنوب النهر وصولا الى الحدود الدولية جيش لبناني وقوات يونيفل، المقاومة أساسا سياستها هي تجنب المظاهر المسلحة. أما الآن فالامر يتعدى الالتزام الذاتي والضمني والسياسة العامة إلى التزام رسمي ووطني تجاه الجيش اللبناني وتجاه الدولة اللبنانية. هذا يعني أن المشهد سيكون في منطقة الجنوب، في جنوب النهر كما هو المشهد فعلا في شمال النهر. قبل 12 تموز في شمال النهر كان هناك جيش لبناني ودولة باسطة سلطتها على كل شيء في شمال نهر الليطاني والمقاومة موجودة بشكل غير معلن. هذا المشهد سيكون في جنوب النهر. المقاومة موجودة بشكل غير معلن وبالتالي الجيش اللبناني والدولة ومن خلال وجودها المباشر على الحدود حكما سوف تصبح هي المسؤولة في التصدي لأي خروقات إسرائيلية وأنا قلت وأكرر القول إن المقاومة سوف يصبح دورها الأساسي هو المؤازرة والمساندة للجيش اللبناني الذي بات متواجدا بحسب هذا التصور على الحدود.

ولكن بالتأكيد لو جاء الإسرائيليون كما حصل في بوداي مثلا ليقوموا بإنزال في هذه البلدة الجنوبية أو البقاعية فإن المقاومة الموجودة بشكل سري التي هي أبناء هذه البلدة سوف تتصدى للإنزال الإسرائيلي ولن تنتظر في إطار هذا التصدي إذنا من أحد لأن هذا دفاع مشروع عن النفس. لكن في الخط العريض الجيش هو المعني في مواجهة الخروقات من خلال وجوده على الحدود والمقاومة تتحول إلى قوة مؤازرة ومساندة. وأنا لا أعتقد أنه ستكون هناك مشكلة لأن المقاومة صادقة في التزامها من جهة ومنضبطة في أدائها من جهة أخرى. فقد تكون هناك مقاومة قيادتها ملتزمة ولكن كادرها واطرها وافرادها غير منضبطين. هذا قد يؤدي إلى مشكلات ميدانية يخشى من تطورها. هذا الأمر بالنسبة لمقاومتنا محسوم. القرار الصادر عن مجلس الوزراء الذي اخذ الكثير من النقاش داخل مجلس الوزراء هو قرار واضح يحدد مهمة الجيش في جنوب لبنان، وليس من مهمة الجيش نزع سلاح المقاومة وليس من مهمة الجيش التجسس على المقاومة ومداهمة الأماكن التي قد تحتفظ فيها المقاومة بسلاح لها. ليس هناك نقطة احتكاك أو سبب لإشكال. وألح السيد حسن على التوكيد: إذاً ليس هناك أي مبرر لأي مشكل، وقيادة الجيش ملتزمة أيضا من جهة على مستوى عقيدتها ومن جهة على مستوى انضباطيتها كمؤسسة رسمية بهذا القرار. مهمة الجيش في الجنوب هي الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين وممتلكاتهم وأرزاقهم وأمنهم. إذاً ليس هناك من نقطة احتكاك قد يخشى من وجود إشكال فيها. اليونيفيل المعززة بحسب ما أعلنه الأمين العام للامم المتحدة، إلا إذا صدر قرار جديد، ليست مهمتها نزع سلاح حزب الله وإنما مهمتها مساندة الدولة اللبنانية في بسط سلطتها ومساندة الجيش اللبناني. إذاً لا مشكلة. أنا أفترض أنه لا يوجد سبب لقيام مشكلة او خلل ما، وبالتالي الوضع الداخلي في جنوب لبنان سوف يعود إلى الاستقرار الذي كان عليه خلال الست سنوات الماضية مع تبدل ان المتواجد على الحدود هو الجيش المعني بالتصدي للخروقات وليس المقاومة المتواجدة على الحدود المعنية مباشرة بالتصدي للخروقات. لذا أنا مطمئن ولست قلقا، طبعا إذا أخذنا الأمور بحسب القرارت المعلنة والعناوين المعلنة وبنينا على صدق النوايا. إذا كان هناك من فخ ما ينصبه الإسرائيليون في جنوب لبنان يريدون ايقاع أحد في هذا الفخ أو هناك لغم، المقاومة، الجيش، الحكومة في لبنان ليسوا ملتفتين له فهذا يمكن أن يتضح خلال وقت. ولكن المسار الطبيعي للأمور يقول إنه ليس هناك ما يدعو إلى القلق.

الشق الثاني الذي له علاقة بسلاح المقاومة كما قبل الحرب بعد الحرب، نحن لا نقول إن هذا السلاح ليس للمناقشة، انه ما زال خاضعا للحوار والرئيس نبيه بري في خطابه الأخير أعلن باسمه وباسمنا أن من جملة الأولويات في المرحلة المقبلة هو محاولة التوصل أو الاتفاق وطنيا على استراتيجية دفاع وطنية بالاستفادة من تجربة الحرب الضخمة التي خضناها. وبالتالي هذا الموضوع يجب أن يستكمل نقاشه، الآن في أي إطار صار هذا شكليا ولكن من حيث الجوهر يجب ان يستكمل نقاشه ونحن لم نقطع الطريق على أحد في هذا النقاش. حتى في آخر حوار صحافي لي أنا قلت اننا نحن لا نريد أن نحتفظ بهذا السلاح لأبد الآبدين. المقاومة كانت بديلا لفراغ الدولة، تعالوا (هنا نقدم حلا سواء كان مقبولا أو غير مقبول) وأوجدوا الدولة القوية القادرة المقاومة التي تطمئن الناس وتحمي الناس. هذا الذي يشكل مدخلا لأي نقاش في سلاح المقاومة ويمكن أن يحسم مصير هذا السلاح. إذاً نحن ما زلنا منفتحين على أي صيغة يمكن الاتفاق عليها وطنيا لمناقشة هذا الأمر، ولم نقفل الباب على أحد على الإطلاق وحاضرين للمناقشة ليس فقط نظريا كما كان يجري قبل الحرب. وبالاستناد إلى تجربة المقاومة في العام 2000 أعتقد أن الحرب الأخيرة قدمت تجربة مهمة جدا يجب أن يستفيد منها لبنان في وضع استراتيجيته الدفاعية بل يجب أن يستفيد منها لبنان ايضا في طريقة إعادة تكوينه للجيش اللبناني وتقوية الجيش اللبناني وتسليح الجيش اللبناني، إذا أردنا أن نقوي الجيش اللبناني بما يمكنه من الوقوف بمواجهة اسرائيل، حتى لا ننفق في مجالات عبثية وغير مجدية.

طلال سلمان: لسنا بوارد استخدام الصواريخ إلا في حالة واحدة! ? ما هو مصير الاسلحة والصواريخ؟ هل يجرى البحث في هذا الموضوع؟

حسن نصرالله: بكل الأحوال من عام 1996 بعد عدوان نيسان، هذه الصواريخ كانت موجودة ولم تستخدم إلى 2006 أي عشر سنوات لم تستخدم. وهذه الصواريخ هي بالأساس ليست للاستخدام العملياتي اليومي، حتى عندما كانت هناك عمليات يومية. هذه الصواريخ تستخدم في حال نشوب حرب كما حصل 96 و93 و.2006 والمقاومة ليست بوارد استخدام هذه الصواريخ على إلاطلاق إلا في حال اعتدت اسرائيل وقامت بحرب على لبنان. هذا يحل مشكلة أنه الآن ماذا نفعل بهذه الصواريخ. نفعل بهذه الصواريخ اننا نحتفظ بها كما كنا نحتفظ بها منذ 96 إلى 2006 من دون أن نقوم باستخدامها. نحتفظ بها لان هذه الصواريخ لا تستخدم إلا في حال حصول عدوان عسكري واسع على لبنان. لو حصل عدوان جديد على لبنان، بالتأكيد الجيش مسؤوليته أن يدافع، المقاومة لها مسؤولية أيضا أن تدافع كمقاومة شعبية. لكن هذا الأمر متروك للمستقبل. نحن نفضل في كل الأحوال أن لا يناقش هذا الأمر بشكل تجزيئي أي ان لا ندخل إلى هذا النقاش ونقول الصواريخ ماذا نفعل بها أو هؤلاء الشباب ماذا نفعل بهم او هذا النوع من السلاح ماذا نفعل فيه. المناقشة التجزيئية للموضوع هي مناقشة غير عملية وغير مجدية. الأفضل ان ندخل إلى مناقشة شاملة ونقول في ضوء ما حصل وكل التجارب لبنان معني بالدفاع عن وجوده وكيانه واستقلاله وسيادته وأمنه في مقابل أي حرب اسرائيلية قد تشن في المستقبل. هناك تطور جديد أن الجيش اللبناني اصبح موجودا على الحدود. هذا لم يكن موجودا قبل 12 تموز، في ضوء هذه التجربة كيف يمكن للبنان من خلال الإمكانات المتاحة إليه أن يدافع عن نفسه ونستكمل النقاش الذي كان موجودا على طاولة الحوار. المناقشة الشاملة أعتقد أنها توصل إلى نتيجة افضل وتخدم حماية البلد دون أن تستجيب للشروط الإسرائيلية.

طلال سلمان: مهمة الجيش الدفاع عن الوطن ? إذا لم يكن هناك قرار سياسي بأن يتصدى الجيش للخروقات او الإعتداءات الإسرائيلية، ماذا سيكون موقف المقاومة في المرحلة المقبلة؟
حسب قرار مجلس الوزراء مهمة الجيش في الجنوب الدفاع عن الوطن، صار الموضوع الأمني. ? في ضوء ما قاله الرئيس بري، حول استمرار المقاومة طالما ان مزارع شبعا وتلال كفرشوبا محتلة. ماذا سيكون موقف ميدانيا من موضوع استمرار الإحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا؟

حسن نصرالله: الموقف سياسي معلن وواضح، هذه أرض لبنانية محتلة ويجب أن تعود إلى لبنان. من مسؤولية الدولة كما كان من مسؤولية الدولة عام 1948 أن تدافع عن لبنان وبعدها ان تستعيد أي شبر محتل من ارض لبنان من عام 78 ل82 إلى اليوم .مسؤولية الدولة هي أن تستعيد هذه الأرض. وعندما تريد الدولة القيام بهذه المسؤولية مسؤولية المقاومة ان تساندها وإذا تخلت عن هذه المسؤولية، مسؤولية المقاومة أن تباشر هذا الأمر. المقاومة حق مشروع لنا، لكن هل سنمارس هذا الحق في الزمان وفي المكان, هذا الامر متروك للوقت. أنتم لاحظتم أننا نحن من 2000 إلى 2006 مع التأكيد على هذا الحق تصرفنا بطريقة مختلفة مع احتلال مزارع شبعا عن الطريقة التي كنا نتصرف بها قبل العام 2000 لأسباب سياسية وأمنية وميدانية مختلفة ومتنوعة لذلك نحن يكفي ان نقول كما قال الرئيس بري أيضا المقاومة هي حقنا ونحن نحتفظ بهذا الحق وهذه الأرض يجب أن تعود إلينا. اليوم يمكن أن يقال هل تعطون فرصة للدولة، الفرصة موجودة أمام الدولة حتى بعد العام 2000 ,نحن لم نفتح جبهة في مزارع شبعا ولم نقم بعمليات يومية في مزارع شبعا، وإنما كنا نسميها بالعمليات التذكيرية وكان يفصل بين العملية والأخرى عدد من الاشهر. نحن الآن خارجون من حرب ولسنا مستعجلين للقيام بعمليات في مزارع شبعا. ولكن نحن نقول أن هذا حقنا ولا يجوز لاحد أن يقدم ضمانات وتطمينات أمنية مجانية للإسرائيلي الذي يحتل جزءا من ارضنا والآن الدولة أو الحكومة تستطيع أن تباشر.. على كل حال نحن سنواكب هذا الأمر وسنرى كيف ستسير الأمور. لسنا بحاجة الى تحول دراماتيكي ? بعد الحرب لا بد من إعادة النظر بشكل متوازن بين سياسة وعسكرة الحزب، بمعنى الحزب كان لديه مواقعه ومخابئه وذخيرته وسلاحه، وكان يحارب على الجبهة، الآن هذه الجبهة أقفلت.

طلال سلمان:المهمة العسكرية للحزب المقاوم لم تعد أولوية مطلقة، كيف تتصورون الإنتقال من هذه المرحلة التي كان فيها الوجه العسكري هو البارز إلى الميدان السياسي؟ ما هو دور الحزب بعد حرب تموز؟

حسن نصرالله: الحزب قد لا يحتاج إلى هذا التحول الدراماتيكي على مستوى التنظيم لأنه كل ثلاث سنوات تكون للحزب مراجعة مؤتمرية تنظيمية وتطويرية لإجهزته وإمكاناته وإجراء تعديل مناسب بهيكليته يماشي التوسع القائم في الساحة سواء على المستوى السياسي أو الشعبي او المهام المحددة. اذا قد لا نكون نحن أمام تحول كبير من هذا النوع لسبب أن تركيبة الحزب خصوصا من عام 1990 وصاعدا، كان الجسم العسكري المعني بالمقاومة يتفرغ لشانه ومهمته وهناك جسم كبير ايضا تنظيمي وشعبي وسياسي يتفرغ لهذا الجانب ولم يكن أحدهما يتأثر سلبا بالآخر بل كان يتأثر به ايجابا. يعني انجازات المقاومة كان يستفيد منها الجسم الآخر على مستوى المزيد من الإستقطاب والحضور الشعبي والفعالية السياسية والنشاط الإعلامي. المزيد من الإحتضان الشعبي والحضور السياسي كان يؤمن قدرة إضافية للجسم الجهادي في . إذا، تركيبة خصوصا بعد عام 90 والتطور الذي حصل في جسم . هناك تطور في الجسم الجهادي هذا صحيح ولكنه مخفي. لكن إذا عدنا إلى 2005 وقارنا بين 2005 و 1990 في حجمه وإمكاناته وقدراته ونشاطه السياسي ومؤسساته، الصورة مختلفة تماما. يوم الإثنين يوم وقف الأعمال الحربية، عندما أعلنت عن بدء المساعدات للنازحين ومشروع تأمين البدائل المؤقتة والبدء برفع الأنقاض، تصور البعض أن على الذين كانوا يقاتلون أن يخلعوا ثيابهم العسكرية ليبدأوا بعملية البناء.

هناك جسم آخر كامل كان ينتظر في هذه اللحظة غير أولئك الذين كانوا يقاتلون. إذن تركيبة خلال الخمسة عشر عاما الماضية أخذت هذا الجانب بعين الإعتبار ولذلك استطعنا في السنوات الماضية أن ندخل إلى الانتخابات وإلى النقابات وإلى المجلس وإلى الحكومة وأن نطور عملنا في مؤسسات مختلفة وحتى في مرحلة الجهوزية بين 2000 و2006 الحزب كحزب في القيادة السياسة والأطر السياسية والأطر التنظيمية لم تكن مشغولة ولا مستنزفة بالجهوزية العسكرية لان للجهوزية العسكرية أجهزتها واطرها الكاملة التي تستطيع أن تعطي وقتها الكامل وجهدها الكامل دون أن تؤثر على الوجود السياسي والحياة السياسية. أنا أتصور، أنه في ضوء ما حصل، أنا قلت أننا لا نحتاج إلى تحول كبير ولكن نحتاج إلى تطوير بالتأكيد، وهذا الحزب سيكون بمناقشته خلال الفترة المقبلة. يعني اليوم حجم المسؤوليات داخليا وعربيا هو مسؤوليات كبيرة جدا وأعتقد أن هناك إنجازات تحققت على المستوى الوطني وعلى المستوى العربي ويكفي أننا نضع هدفا للحفاظ عليها وهذا مما يضطرنا إلى تطوير بعض هيكليتنا وانجازاتنا أو افكارنا أو برامجنا.

طلال سلمان: التضامن الإنساني والتضامن السياسي..هل هناك إمكانية لإعادة التفكير بالبنية التنظيمية والتوجهات الأساسية بإمكانية استقطاب والإنفتاح بطريقة أزخم من السابق بحيث أن الرصيد الوطني والقومي العظيم الذي حققه الحزب سيساعده بتقديم نفسه خارج الشيعة وإنشاء شبكة سياسية جديدة من العلاقات السياسية مع القوى السياسية الممثلة للطوائف اللبنانية والتحالف مع هذه القوى؟

حسن نصرالله: أنا أتصور أنه استنادا إلى تجربة الحرب الاخيرة يمكن إعادة النظر بالعديد من الأفكار والبرامج خصوصا فيما يتعلق بالعلاقات السياسية والمزيد من تمكين هذه العلاقات وتطوير هذه العلاقات وفتح هذه العلاقات على المستوى الوطني. ومن ايجابيات ما حصل في هذه الحرب إن الإتصال مع القوى السياسية والتيارات السياسية الأخرى تجاوز الأطر الرسمية والقيادية قهرا وليس بالتخطيط من أحد. عندما ذهب النازحون إلى المناطق اللبنانية الأخرى، بطبيعة الحال حصل في ظرف سياسي وأمني وإنساني خاص المزيد من الإحتكاك مع بقية اللبنانيين سواء مع السنة في المناطق السنية ومع المسيحيين في المناطق المسيحية أو مع الدروز في المناطق الدرزية. ونقلت بشكل عام بغض النظر عن بعض الإستثناءات الإنطباعات التي عاد بها النازحون، وهي انطباعات ايجابية وجيدة جدا وحتى لو تم توصيف هذا التضامن بأنه تضامن إنساني وليس تضامناً سياسياً فإنه من أهم الإنجازات والبركات التي تحققت في هذه الحرب لانه فيما أعرفه أنه لم يمر لبنان منذ عقود من الزمان في تضامن إنساني من هذا النوع وخصوصا في ظل التشجنات الداخلية والحرب الأهلية وما قبلها وما بعدها.

وأضاف السيد حسن نصر الله: لعل البعض عندما وصف التضامن بأنه إنساني وليس سياسيا كان يحاول أن يقلل من قيمة هذا التضامن. بالنسبة لنا نحن لا نقلل من قيمة هذا التضامن لأننا نرى في هذا التضامن الإنساني قيمة كبيرة جدا لا تقل اهمية عن التضامن السياسي. والأمر الآخر، أن هذا حصل عشية أحاديث داخلية وخارجية عن أن لبنان يقف على خط الفتنة المذهبية والحرب الاهلية. فإذا به يقدم مشهدا مختلفا عن تضامن شعبي تنفتح فيه الطوائف على بعضها والمناطق على بعضها والناس على بعضها في ظروف حساسة وفي ظل اسئلة صعبة. هذا المعطى بالتأكيد سوف يترك اثرا كبيرا جدا على عقلية وفهمه وأدائه وطريقة حركته وعلاقاته أي سيؤدي إلى تطوير وتحسين هذا التواصل. طبعا، هناك شيء تمت الإشارة له هو يحتاج إلى نوع من الدقة يعني مثلا أن بقيادته وافراده وانتمائهم غالبا أو بشكل كامل إلى الطائفة الشيعية، التطوير التنظيمي في هذا الإتجاه وقد طرح في أكثر من مراجعة في ظل الوضع اللبناني القائم يجب أن تراعى فيه بعض الحساسيات حتى في الإتصالات بسبب التعقيدات السياسية الداخلية. مثلا نحن خلال العام الماضي وبسبب الحساسيات الخاصة التي كان يعمل عليها في لبنان نتيجة ما جرى في العراق وفي غير العراق في مسألة السنة والشيعة، أخذنا قرارا في أن ننشط حركتنا بشكل أوسع وأكبر باتجاه اخواننا السنة في لبنان. نحن لنا في السابق علاقات مع مجموعة كبيرة من علماء المسلمين السنة، علاقة رسمية مع دار الفتوى، علاقة عميقة مع عدد من الحركات والتنظيمات الإسلامية وايضا اتصالات مع قيادات وطنية سنية. لكن في سنة ونصف سنة شعرنا أننا بحاجة إلى تحصين هذه العلاقة أكثر بمزيد من الإنفتاح وانفتحنا على كل الإتجاهات والتيارات في الساحة السنية سواء كانت إسلامية التوجه، وطنية التوجه، لبنانية التوجه ليبرالية التوجه، من الجماعات الإسلامية إلى تيار المستقبل ولم نستثن أحدا من هذا الانفتاح. لكن نتيجة حساسيات الوضع اللبناني شعرنا ان حتى هذا الأمر هو بحاجة إلى بعض الدقة والمراجعة. هولوا أحيانا بأن الحزب يريد اختراق الساحة السنية تنهد قبل أن يضيف: مثلا، نحن طلبنا من عدد من مسؤولينا السياسيين وأطر العلاقات عندنا أن تقيم علاقات مباشرة حتى مع العائلات أي نذهب إلى بيوت العائلات ونجتمع مع وجهاء العائلات ونقدم لهم أنفسنا لنشرح لهم، لنجيب على تساؤلاتهم، لنقيم معهم علاقات مباشرة. وهذا حق طبيعي ويجب ان يحصل في لبنان. يعني لا يجوز أن تكون علاقة الشيعة مع السنة أو السنة مع الشيعة هي علاقة من خلال الزعماء أو من خلال الأحزاب والأطر السياسية يجب أن تكون علاقات شعبية مباشرة. للأسف وجدنا أن هذا النوع من التحرك قد يثير بعض الحساسيات وقد يسلط عليه الأضواء بطريقة غير مناسبة ليقال أن يريد ان يخترق الساحة السنية وهذا اهون مما حاول البعض أن يروجه بأن لدى مشروع تحويل السنة إلى شيعة ودعوة بعض السنة إلى التشيع، وهذه أكاذيب وافتراءات لا أساس لها من الصحة.

في كل الأحوال نحن ندرك هذه الحساسيات وأنا موافق على ما تفضلتم به في مضمون السؤال، معني بمزيد من التحرك باتجاه الطوائف الأخرى والتيارات الاخرى. نحن مثلا لدينا تقييم ايجابي عن أكثر من ساحة. مثلا لو ذهبنا إلى الساحة المسيحية، في الساحة المسيحية ما قبل الحرب أو حتى ما قبل السنة والنصف الأخيرة هناك مساحة عند المسيحيين لنا علاقات قديمة ووطيدة معها سواء بعض الأحزاب المسيحية التي تحسب في الخط الوطني بحسب التقسيمات السابقة أو القيادات والشخصيات المسيحية التي لها حضور في الأحزاب الوطنية أو ذات الإتجاه اليساري، ايضا في منطقة زغرتا وإهدن مثلا العلاقة هي علاقة قديمة مع الوزير السابق سليمان فرنجية الذي هو زعامة جدية وحقيقية لا أحد يستطيع أن يتجاهل حجمه وتمثيله الكبير و حتى في البيان التأسيسي الأخير الذي أصدره لمناسبة إعادة إحياء التيار، يتكلم عن سلاح المقاومة وسلاح كما يتكلم ، يعني التزام كامل في رؤية على هذا الصعيد. عندما نذهب إلى المناطق المسيحية وطريقة التعاطي مع النازحين، لنا أن نتوقع أن تكون العلاقة طبيعية جدا في زغرتا وفي إهدن باعتبار أن هناك تحالفا قديما مع الوزير سليمان فرنجية وان نشهد في تلك المنطقة تعاطفا صادقا وقويا ومشكورا وكذلك في مناطق تواجد ووجود أحزاب سياسية معينة أيضا هذا منطقي وطبيعي. العلاقة مع التيار والأديرة والمؤسسات البطريركية )أخذ رشفة من كوب الشاي قبل أن يضيف(: ما كان البعض يتصوره أن العلاقة التي انفتحت مؤخرا مع التيار الوطني الحر هي علاقة شكلية ورسمية ولكن تبدت في أرض الواقع أنها علاقة شعبية وطبيعية وهذا الامر تبدى بشكل واضح في خلال الحرب وتحديدا في التعامل مع قضية النازحين. حتى عندما نذهب إلى المؤسسات التابعة للبطريركية يعني الأديرة والمدارس، بشكل عام أستطيع القول أن اليوم اندفاعة وثقة وايمان بضرورة الانفتاح وتشبيك العلاقات وتمتين العلاقات مع الأوساط المسيحية سواء كانت الصداقات قديمة أو كانت مستجدة خلال الفترة الماضية أو البحث عن علاقات وصداقات جديدة. أنا أؤكد لك أن هذه القناعة أقوى وأكبر بعد الحرب. في الوسط السني كذلك وإن كان حرصنا على العلاقة بهذا الوسط هو حرص قديم ينشأ من خصوصيات الساحة اللبنانية وخصوصيات الساحة الإسلامية وانعكاسات هذا الأمر على العلاقات الشيعية السنية في أي مكان في العالم. أيضا على المستوى الدرزي سواء أولئك الذين كانوا في نفس الموقع السياسي معنا في هذه الحرب أو جزء من جمهور من لديهم ملاحظات سياسية او قد نختلف معهم في الموقع السياسي تضامنوا إنسانيا وهذا لا يجوز أن نتجاهله على كل حال وعندما أنا اتحدث عادة عن المقاومة و وإنها عنوان للوفاء أنا أؤكد واعيد القول بأن من وقف معنا في هذه الحرب سواء سياسيا في الموقع السياسي أو إعلاميا من خلال الأداء أو ميدانيا سواء في القتال والدفاع المدني والصليب الأحمر الذي كان له دور كبير وقدم العديد من الشهداء على هذا الصعيد او الذي احتضن النازحين إنسانيا من مختلف الطوائف ومن مختلف المناطق نحن نشعر بمسؤولية الوفاء تجاه هؤلاء وهذا يجب أن يترجم من خلال اتصالاتنا وعلاقتنا. أما تطوير الحزب ليدخل كحزب تنظيمي إلى مساحات جديدة هذا بحاجة إلى دراسة دقيقة لأنه يجب أن نراعي فيه الحساسيات حتى لا يقال ان الحزب يريد ان يتوسع.

طلال سلمان: كان الهدف عزل الشيعة عن الوطن. هل تعتبرون أن هذه الحرب قد فرزت الشيعة عن سائر مكونات المجتمع اللبناني، فصورتهم كأنهم شعب آخر...؟

حسن نصرالله: كان هدف الحرب عزل الشيعة عن بقية الوطن ولكن هذا الهدف لم يتحقق لأن احتضان الوطن للشيعة سواء في الشق الإنساني الذي كان واضحا وجليا وشاملا أو في الشق السياسي الذي كان غالبا وكذلك في الشق الإعلامي وغيره، أعتقد ان نتائج هذه الحرب وآثار هذه الحرب على المستوى الشيعي، كما ذكرت قبل قليل سيدفع إلى المزيد من التواصل على أساس الثقة والأمل في المستقبل، نفس هذه المشاعر أعتقد انها مشاعر شيعية عامة وليست مشاعر لوحده أو مشاعر حركة لوحدها. في المحصلة حصلت الحرب أنا أعتقد أن توجه الشيعة باتجاه تمتين علاقاتهم وحضورهم وتقويتها مع بقية اللبنانيين سيكون أقوى في المرحلة المقبلة.

طلال سلمان: لا مشروع خاصاً عند الشيعة. هل كان للشيعة مشروع خاص وجرت المحاولة لضربه عبر العدوان الأخير؟

حسن نصرالله: الحديث دائما عن مشروع خاص هو غير صحيح، مشروعه معلن و عنده رؤية معلنة على المستوى السياسي وهذه رؤية يتم تكرارها لأنه يمكن أكثر حزب يخطب هو (يضحك).. وله حضور إعلامي وله تعبير عن قناعته ورأيه وايضا لديه برامج قدمها بشكل علني للناس في كل الانتخابات، وهو ذهب يترجم هذه البرامج. وبعض الذين يدعوننا للإنخراط في الدولة اليوم، نقول لهم نحن شاركنا في انتخابات 1992 وهم قاطعوها، نحن شاركنا في انتخابات 1996 وهم قاطعوها، لكن هم اليوم يزايدون علينا بالدعوة إلى الإنخراط في مشروع الدولة. نحن ليس لدينا مشروع خاص، نحن بشكل واضح نقول، وهذا الكلام ليس كلاما سياسيا، هو كلام فكري يستند إلى أسس فكرية ودينية، نحن في الرؤية الإسلامية الدينية وهذه رؤية إجماعية بين المسلمين أي ليست شيعية أو سنية. نحن نقول انه لا بد للناس من امام. بحسب اصطلاح ذلك الزمان الإمام يعني النظام يعني الدولة لا يمكن أن يعيش جمع من الناس على رقعة من الأرض بدون دولة بمعزل عن هوية ومضمون هذه الدولة. وكان دائما هناك نقاش فقهي أنه إذا دار الامر بين نظام توجد حوله مجموعة كبيرة من الملاحظات وبين الفوضى أو الحرب الأهلية البعض كان يرى أن الأصل وجود نظام وعدم الذهاب إلى الفوضى وتحمل هذه السلبيات أولى من تحمل ما هو أفسد وهو الحرب الأهلية. كلامنا عن مشروع الدولة ليس للاستهلاك التفت إلينا وعاد يؤكد: إذا حتى عندما أقول نحن نؤيد قيام دولة أنا لا أقول كلاما سياسيا استهلاكيا وإنما أقول كلاماً سياسياً مستنداً إلى رؤية فكرية وفقهية وايديولوجية. يعني نحن في لبنان على مساحة الوطن نؤمن بقيام دولة وأن هذه الدولة يجب أن تبسط سلطتها على الاراضي اللبنانية وان تكون هي الحكم بين اللبنانيين وهي التي تدير شؤون اللبنانيين ولكن هذه الدولة يجب أن تقوم بواجباتها تجاه اللبنانيين وليس فقط أن يقوم المواطنون بواجباتهم تجاهها. يعني ليست دولة جباية ضرائب فقط دون القيام بالواجبات تجاه المواطنين. ولذلك إذا أردت أن أختصر لقلت إننا مع دولة قوية، نحن نرفض الدولة الضعيفة. الدولة الضعيفة تؤسس لحرب اهلية وتؤسس لفوضى وتؤسس لعودة الاحتلال. الدولة الضعيفة لا يمكن أن تحافظ لا على سيادة ولا على استقلال ولا على حرية. نريد دولة قوية قادرة ونريد دولة عادلة منصفة.. وفي يوم من الأيام أنا قلت نخفف حتى كلمة عادلة قد يكون تحقيقها صعبا فنقول دولة منصفة دولة معقولة في ممارستها للامور (حتى الأستاذ غسان تويني هو الذي زاد المقاومة أنا لم أقل دولة مقاومة أنا تكفيني أن تكون قوية قادرة لتكون مقاومة تلقائيا لكن هو زاد قلت له جيد مقاومة (يعني للعدو) لا تقبل أن يعتدى على أرضها ومطمئنة. الكل بحاجة الى طمأنة في لبنان. وأضاف السيد حسن نصر الله: نحن نقول اليوم أن كل اللبنانيين بحاجة إلى طمأنة، عندما يقف بعض الناس في لبنان ويقولون نحن نخاف منكم طمئنونا، أنا أريد أن أقول أنا أيضا أخاف منكم طمئنوني. الكل في لبنان بحاجة إلى طمأنة نتيجة أن لبنان كان وما زال على خط الزلزال المحلي الإقليمي الدولي ونتيجة المداخلات الدولية وبالأخص الأميركية الإسرائيلية القوية التي تستهدف لبنان كل لبنان أو بعض من في لبنان. إذا نحن نقول نحن نؤمن بمشروع الدولة ومجمعون على مشروع الدولة ونريد تحقيق مشروع الدولة. وأنا على طاولة الحوار كنت دائما أقول لهم المدخل الطبيعي لنقاش استراتيجية دفاعية، المدخل الطبيعي لنقاش قصة دولة داخل دولة، المدخل الطبيعي لنقاش كل مشاكلنا في البلد، هو تعالوا لنبحث كيف نقيم هذه الدولة. إذا كان هناك لبناني لديه مشروع آخر فليكن. المفترض أن هذا مشروع وطني ومجمع عليه، ولكن المشكلة كيف نترجم هذا. نحن صادقون في هذا وجديون في هذا ولا نقطع الوقت. وانا توقفت عند قول البعض تعليقا على كلامي بأننا ندعو إلى دولة قوية قادرة أن هذه غير دولة الطائف. يعني هل دولة الطائف المطلوب منها أن تكون ضعيفة هشة؟! إذن نحن لا نحل مشكلة الوطن نحن نرقع المشاكل، نؤجل المشاكل لتنفجر في اوقات أخرى. نحن نريد هذه الدولة وأنا أكتفي بهذا العنوان وأقول تحت هذا العنوان كل شيء قابل لدينا للنقاش. في مرحلة من المراحل كان المسلمون يخيفون المسيحيين في الدعوة إلى إلغاء الطائفية السياسية وانا أقول رغم أن هذا هو من أدبيات الكثير من المسلمين في لبنان، إذا كان هذا الأمر يدعو إلى إخافة المسيحيين فلتتم مناقشته من جديد، ليس هناك من مشكلة. نحن عندما نريد ونتحدث عن دولة قوية وقادرة وعادلة ومنصفة أيضا، نتحدث عن دولة مطمئنة لا نريد أن نشطب احدا ولكننا بالتأكيد لا نريد أن يشطبنا أحد. هذا هو مشروعنا الحقيقي وإذا أرادوا أن يضعوا آليات لمناقشة ولتطبيق خطط وبرامج لقيام دولة حقيقية سيجدون أننا أول الجاهزين لهذا الامر وليس لدينا أي مشروع خاص.

طلال سلمان:عن الشيعة والوكالة الحصرية..هناك أسئلة كثيرة حول قمع من يخالفكم من الشيعة وانكم تأخذون على عاتقكم وكالة حصرية بالتحدث عنهم او اتخاذ قرار منفرد بالمواجهة المنفردة مع اسرائيل وانكم دمرتم الشيعة؟

حسن نصرالله: هذا مجافاة وخلاف للواقع. الذي دمر هو اسرائيل وهي التي قررت شن الحرب. وهذا جزء من تحميل الضحية مسؤولية ما يجري وتبرئة الجاني والجلاد. هذا من جهة ومن جهة اخرى لو أتينا الى طبيعة الحرب. اسرائيل عندما استهدفت المقاومة كانت تريد ان تخرج لبنان من معادلة الدفاع عن نفسه. البعض يقول ان المطلوب اخراج لبنان من الصراع العربي الاسرائيلي وانا برأيي ان لبنان حتى قبل العام ألفين وحتى العام 2006 لم يكن جزءا من الصراع العربي الاسرائيلي الشامل. بالضبط كان لبنان في موقع الدفاع عن نفسه. هم الان يريدون اخراج لبنان من الموقع الدفاعي. يعني ان تكون صورة لبنان صورة من يتسول الحماية ويقف على اعتاب الكبار من اجل ان يقدموا اليه الطمانة او الامن او الاستقرار والسلام وبالتالي ان لا يكون قادرا على انجاز الدفاع عن نفسه او الرد عن نفسه ولو في الحدود التي كان يملكها حتى الآن. لهذا الهدف شنت اسرائيل الحرب على لبنان. لبنان كله دفع الثمن ولو ان الشيعة دفعوا الثمن الاكبر. اصلا هم شكلوا منذ العام 1982 حتى العام 2006 الحاضنة الاولى للمقاومة وان كانت لها حاضنات في بقية الطوائف. ثم هناك خصوصية اخرى هي ان الشيعة في منطقة المواجهة. يعني لو كان الجنوب اللبناني بأغلبيته من لون طائفي آخر سواء اكان مسلما سنيا او مسيحيا لكنا وجدنا بشكل طبيعي ان الاغلبية السنية او المسيحية هي التي تحتضن المقاومة المتواجدة في بيئتها الطبيعية قرب الحدود. هناك امر جغرافي قهري فرض هذه الحقيقة. الشيعة عندما احتضنوا المقاومة كانت خيارهم وقناعتهم وايمانهم. الكل يعرف كيف تتحرك المقاومة وتعمل في الوسط الشيعي. ليس هناك مثلا اي نوع من التجنيد الاجباري كما كان يحصل مع بعض الميليشيات في زمن الحرب الداخلية. منذ العام 1982 وحتى اللحظة، لم يحصل في اي يوم من الايام تجنيد اجباري. لم يحصل قمع ولم يعاقب اي انسان على قناعته ورأيه، بينما في الكثير من الساحات، تجاوز الامر القمع في فترة الحرب الاهلية وبلغ حد التصفيات والاغتيالات سعيا الى فرض منطق الحزب الواحد والقائد الواحد والزعامة الواحدة وهذا لم يحصل عندنا ايضا. ما حصل وهو لا يعجب البعض، ان الاحتضان للمقاومة وقيادتها هو احتضان شعبي حقيقي وصادق. الناس يحتضنون المقاومة بقناعتهم وإرادتهم ودموعهم ودمائهم وأموالهم واولادهم.

انا قرات في المقالة الاخيرة للاخ الدكتور عزمي بشارة ونقده لهذه الشعارات وانا اقبل هذه الملاحظات لكن هذا مظهر جديد وطارىء. نحن منذ العام 1982 وحتى 11 تموز 2006 لم نسمع في ادبيات الناس ان عائلة يهدم بيتها في بيروت والجنوب او البقاع ويسقط من اولادها شهداء وتقول ان ذلك فداء اقدام المقاومة والمقاومين وقيادة المقاومة. قبل 11 تموز لم نكن نسمع ذلك في ادبياتنا... من ايام الشهيد السيد عباس الموسوي وحتى اللحظة. منذ 12 تموز الماضي حصل شيء له علاقة بحجم الاستهداف والضغط وطبيعة الحرب واسطورية ما قامت به المقاومة. الصمود جعل الناس العاديين الطيبين الصادقين يعبرون عن ثباتهم وصمودهم واحيانا سخطهم وغضبهم بهذه العبارات. وامام ما حصل من خذلان كبير وكان الناس يسمعون ويشاهدون ما يجري من حولهم في كل العالم. هذه التعابير هي مظهر وليست ثقافة ولن نقبل ان تتحول كذلك. هؤلاء الناس ودموعهم وآلامهم وفلذات كبدهم اغلى واقدس من الحزب وقيادته لا بل انا وكل اخواني في القيادة فداء لهؤلاء الناس وكراماتهم وحفظ ماء وجههم وان يبقوا اعزاء شرفاء. ما كان يصدر في الاسابيع الاخيرة عن الناس مجرد تعبيرات صادقة. لا نعطيهم مالا او حصصا تموينية او أية اغراءات مالية او خدماتية طمعا بالمدح او لكي يكونوا الى جانبنا سياسيا. هم يقدمون الغالي والنفيس من منازلهم واولادهم ويتهجرون ويستمرون في ترداد عبارات الوفاء للمقاومة. هذا ان دلّ على شيء انما على ان المقاومة ليست حالة مفروضة قسرا على الشيعة انما هي حالة نابعة من ايمانهم وقناعتهم والتزامهم وفكرهم وعاطفتهم وحتى تشخيصهم للمصلحة. ولان البلد طائفي للاسف الشديد، فان كل استطلاعات الرأي قبل الحرب وخلالها وبعدها، ومن جهات متعددة كانت عندما تتناول مسألة الصراع مع العدو وموقع المقاومة وعمليات المقاومة، تعطي المقاومة بين 85 و95 بالمئة عند الشيعة، اي هناك شبه اجماع على فكرة معينة. طبعا هذا لا يلغي وجود مساحات نخبوية معينة تختلف معنا وهذا امر طبيعي ودليل عافية.

مهرجان النصر الذي دعى إليه حزب الله في 22 سبتمبر 2006 بمدينة بيروت
حشد كبير من اللبنانيين جاؤوا للإستماع إلى مداخلة السيد حسن نصرالله

طلال سلمان: البعض يقول ان هؤلاء يتعرضون للقمع وانه غير متاح لهم التعبير عن رأيهم؟

حسن نصرالله: الحقيقة انهم يعبرون عن رأيهم عبر الشاشات والاذاعات وفي الصحف وهم ينتقدون وبشدة، ولم يتعرضوا في اي يوم من الايام منا لاي ضغط من اي نوع كان. اقول اكثر من ذلك، بانه لا يوجد في العالم حزب بقوة وشعبية وبعد حرب تموز واسطورية مقاومته للجيش الذي كان يقال عنه انه الجيش الذي لا يقهر، ومع ذلك، هو موجود في بلد يسمح بان يتم تناوله يوميا في الاعلام ومن قبل الذين يعتبرون قيمة فكرية او سياسية او اجتماعية او الذين لا قيمة لهم على الاطلاق، ومع ذلك الجميع يعبرون عن رأيهم دون ان ينالهم اي شيء منا. واكرر اننا لسنا بوارد ذلك اصلا وانا لا امنن احدا لان هذا في صلب اخلاقنا وقيمنا ان نتحمل وان تكون لكل انسان فرصة للتعبير عن الرأي. طبعا هذا لا يمنع الناس من ان يسخطوا من هذه الآراء. هل يتصور احد ان عليه ان يخوّنك ويشتمك وان يسيء اليك والى الشهداء والذين يتألمون ثم يتوجب على الناس الطيبين عندما يلقونهم على اعتاب منازلهم المدمرة او قبور اولادهم الشهداء ان يسارعوا الى تقبيلهم والتصفيق لهم؟ ردة الفعل الطبيعية من هؤلاء الناس الذين دمرت منازلهم واستشهد اولادهم ان يعبروا كيفما شاؤوا بالوجوه الكالحة او الغضب ولكن في كل الاحوال ومهما كانت ردة فعلهم يستطيع اولئك الاشخاص ان يعيدوا التأكيد على مواقفهم نفسها وان ينتقدوا ولا احد يتعرض لهم بأي سوء.

طلال سلمان: هل تعتبرون ان هذا الهامش ضرورة ام لا؟

حسن نصرالله: هذا حق شرعي. لا اقول ضرورة او لا ضرورة. هناك حديث نبوي يقول ان في اختلاف الأئمة رحمة للأمة.. الاجماع يكون عادة اقوى من الخلاف وافضل منه في قضايا ذات طابع وطني. من لديه رأي اخر يمكن ان يتمسك به ويدافع عنه. صحيح ان الاختلاف رحمة ولكن لم يقل خلاف امتي رحمة. هناك فارق بين الخلاف والاختلاف. نعم توزيع الادوار والتنوع والتعدد رحمة.

طلال سلمان:عن العلاقات العربية: السعودية مثالاً انتقلنا بالحديث إلى المستوى العربي، وتحديداً إلى علاقات الحزب العربية بدءاً من السعودية: إلى أي حد ارتجّت علاقتكم في موضوع العلاقة مع المملكة العربية السعودية خاصة بعد البيان الاول الذي تحدث عن المغامرة غير المحسوبة. اين انتم اليوم من المملكة وهل هناك عتب ام خلل في التواصل وتبادل الآراء ام ان ما جرى كان عارضا وهل تجددت الاتصالات مع السعوديين؟

حسن نصرالله: بالنسبة الى ما صدر من مواقف عن السعودية في البداية وكذلك البيان الصادر عن القمة المصرية الاردنية واجواء الاجتماع الاول لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، بالحد الادنى واذا اردنا ان نخفف لهجتنا نقول انه كان من حقنا ان نعتب ولا يجوز ان يحزنوا او يتألموا. لا اريد ان اقول لهم ما هو تقييمنا لموقفهم وخاصة حديثهم عن المغامرة غير المحسوبة وما شاكل. انا احيلهم على ايهود اولمرت وكيف وظف الاسرائيلي والاميركي هذه المواقف لتغطية الحرب الاسرائيلية الاميركية على لبنان، طبعا وان كان الاسرائيليون قد استندوا الى اكثر مما قيل في البيانات الرسمية العربية المعلنة عندما تحدثوا عن اتصالات تقوم بها حكومات عربية من اجل ان تبارك لهم حربهم على لبنان وتدعوهم للاستمرار فيها حتى القضاء على (حزب الله) . في هذا الشق الذي يدعيه الاسرائيليون نحن لا نريد ان نصدقهم نهائيا. لكن من خلال قراءة المواقف الرسمية العربية المعلنة من الحرب على لبنان والمقاومة وهم اصدروها رسميا، بالحد الادنى اقول: قصدتم ام لم تقصدوا فلقد شكل موقفكم غطاء للعدو او بالحد الادنى، تخليا عن لبنان وعن المقاومة فيه التي قلتم جميعا انكم تعتزون بها في العام الفين وقمتم بتهنئتها بانتصارها. نحن لا نريد اليوم الوقوف كثيرا عند ما حصل. نحن نتعظ مما حصل ونحاول اخذ العبر والاستنتاجات والدروس. انا قلت في ايام الحرب اننا لا نريد قطيعة مع احد. نحن نريد ان يزداد عدد الاصدقاء لا ان يتراجع. ولذلك قلت واكرر اننا منفتحون لترميم هذه العلاقات من حيث كانت علاقات لانه في بعض الاماكن لم تكن هناك علاقات ولا اي اتصال: مثلا بيننا وبين الاردن لا وجود لاتصال او علاقات من اي نوع كان. نعم كانت هناك علاقات تتطور وتتحسن مع المملكة العربية السعودية. هناك بدايات مع المصريين وهناك اتصالات مع اكثر من بلد عربي. بالنسبة للدول العربية التي نعتب عليها، بفعل موقفها نحن نرى انه من الطبيعي ان يسعوا هم ونسعى نحن الى ترميم العلاقات لما فيه المصلحة العربية والاسلامية والمصلحة الوطنية لكل بلد. في ما يخص الاخوة السعوديين، اذا كان هناك عتب فهو اكبر، لان العلاقة معهم كانت متطورة وحصلت لقاءات كثيرة بيني وبين السفير السعودي في بيروت الدكتور عبد العزيز خوجة وكذلك مع مسؤولين سعوديين جاؤوا الى بيروت. كما ان الملك عبد الله بن عبد العزيز قال كلاما طيبا في اكثر من مناسبة سواء في ما يتعلق بحزب الله والمقاومة او بالنسبة اليّ شخصيا... حتى انه قبل اسبوع من الحرب نُقل عن الملك عبد الله قوله ان السيد حسن نصر الله هو ابننا العزيز ونحن نوصي به ونراهن عليه... الخ.

طلال سلمان: وجهت الدعوة سابقا اليكم لزيارة المملكة وقيل الكثير عن سبب عدم تلبيتها؟

حسن نصرالله: نعم وجهت الدعوة اليّ لزيارة المملكة، وطالما ان الموضوع اثير في وسائل الاعلام، فسأتطرق اليه. عندما ابلغني السفير السعودي في بيروت الدعوة قلت له انني اقبلها من الناحية السياسية والاخوية وانا اعتز بها ولا مشكلة سياسية بتلبيتها انما المشكلة امنية وانا لا استطيع ان اسافر ولذلك لم اذهب الى الحج منذ العام 1986 ليس لانني لا احب الذهاب الى الحج بل لاسباب امنية ايضا طالما ان امنية كل انسان مسلم وخاصة المتدين ان يذهب الى الحج. انا محروم من هذه النعمة ومن تأدية العمرة وكل سنة كانت توجه اليّ الدعوة الى الحج كنت اعتذر لاسباب امنية. المقصود انه لم يكن لدينا اي تحفظ سياسي على الدعوة لزيارة المملكة. انا فهمت في المقابل، ان بعض المسؤولين في المملكة يعتقدون ان ما يحول دون تلبيتي للزيارة توصيات ايرانية وسورية. هذا غير صحيح نهائيا. على كل حال سوف تأتي الايام وتثبت ان اكبر حركة سياسية استقلالية في لبنان عن اي محور او دولة هي ولكن اريد ان اصحح الاستنتاج الخطأ لدى بعض المسؤولين في المملكة واقول لهم انه عندما عرف الايرانيون والسوريون بوجود الدعوة بادروا الى تشجيعي على تلبيتها وقالوا ان ذلك من شأنه تطوير العلاقات اكثر مع المملكة وذلك على عكس ما يظن بعض المسؤولين السعوديين. حقيقة الامر واكرر ذلك ان السبب امني بحت وانا ابلغت السفير السعودي في بيروت انني شخصيا لا استطيع الذهاب لكن اي اخ آخر في الحزب يمثل الامين العام سواء في شورى القرار او الوزير محمد فنيش، وقلت لهم هذه الاسماء عندكم، ومن ترغبوا باختياره ودعوته من من دون ان احرجكم انا بالتسمية، يذهبْ كممثل عني شخصيا وعن قيادة الحزب وانا افوضه بما قد يناقش معه من قضايا، لكنهم لم يعطوا جوابا وهذا قبل الحرب الاخيرة. اكرر الاسباب امنية وليست سياسية ونحن مهتمون كثيرا بالعلاقة وتطويرها وتحسينها.

طلال سلمان: يمكن القول أنه من حقكم أن تعتبوا؟

حسن نصرالله: هذا السبب جعلنا نعتب اكثر. نعم نحن نسير واياكم معا بهذا الاتجاه منذ فترة طويلة وفي لحظة مصيرية وحساسة ودقيقة يقال عنا ما قيل. نعم كان من حقنا ان نعتب لكن في كل الاحوال الآن هناك اصدقاء مشتركون لبنانيا سعوا لاعادة التواصل والاتصال وليست لدينا اية موانع في ذلك، لا بل حصلت في الآونة الاخيرة اتصالات وان شاء الله الامور تتحسن الى الامام.

طلال سلمان: عن أمير قطر وكوفي أنان ومصر. الم يحتف بامير قطر اكثر من اللازم في الضاحية الجنوبية خاصة ان موقع قطر الاقليمي معروف وكذلك صلاتها؟

حسن نصرالله: في العموم اتصالاتنا مع جميع الاخوة الخليجيين ما زالت مستمرة كما كانت في السابق. بالنسبة لامير قطر هو اول زعيم عربي يزور الضاحية الجنوبية وهذا الامر له قيمة خاصة عندنا واي زعيم عربي يزور الضاحية سنتعاطى معه بنفس الطريقة وهذا امر له علاقة بلباقات الضيافة والتقدير للزيارة وبمعزل عن التقييم السياسي من جوانب اخرى.

طلال سلمان: ولكن الامر نفسه لم يحصل مع زعيم دولي مثل كوفي انان؟

حسن نصرالله: اعتقد ان الصورة التي تقدم عن بانه حزب حديدي قد تكون صحيحة في ما يتصل باعضاء الحزب ولكن الجمهور واهل الضاحية الجنوبية لا علاقة حديدية بيننا وبينهم. نعم الاخوان الذين رتبوا زيارة انان الى الضاحية فوجئوا ببعض الاشخاص وطريقة تصرفهم مع الامين العام والوفد المرافق. يمكنكم بكل الاحوال العودة الى الصور ومن خلال ملامح الذين احتشدوا يمكن تقدير انهم ليسوا اعضاء في الحزب. هم من الجمهور. من الضاحية ام لا؟ لا ادري. لم ندقق في الاسماء والهويات. لكن يبدو ان هؤلاء لديهم ملاحظات على اداء الامم المتحدة خلال الحرب وربما يكون اكثر ما استفز هؤلاء الاشخاص وجود تيري رود لارسن ضمن الوفد، وهذه التوضيحات التي اسردها اليكم ربما تكون قد قدمت الى الامين العام لاننا كنا بالفعل حريصين ان نتعاطى بلباقة واحترام مع زيارته الى بيروت.

طلال سلمان: هل هناك اتصالات حاليا مع المصريين؟

حسن نصرالله: ربما تحصل في وقت قريب او تعود الاتصالات كما كانت مع العلاقات الدولية في)الحزب) . طبعا مع السفير المصري حسين ضرار لم يحصل اي لقاء ثنائي بيني وبينه بل ربما التقى بعض نواب الحزب في المجلس النيابي اكثر من مرة.

طلال سلمان: بالنسبة الى المساعدات العربية هل كانت ترقى الى ما كنتم تتوقعونه؟

حسن نصرالله: مع التقدير والشكر للدول العربية التي اعلنت عن مساعدات الا ان ما اعلن لا يرقى الى الكرم العربي ولا يتناسب مع احتياجات لبنان لاعادة البناء والاعمار. لا نطرح أنفسنا قيادة للعرب.

طلال سلمان: هل يمكن القول ان الشيعي صار زعيما للعرب السنة في المعركة مع اسرائيل، وكيف تقيمون تعاطي الانظمة والشعوب في العالمين العربي والاسلامي؟

حسن نصرالله: طبعا قرأت او سمعت الكثير بان فلانا او ان بات يشكل زعامة عربية او اسلامية او شيئا من هذا القبيل. انا اريد التدقيق ولا اتصور ان التعبير دقيق. نعم اقول ان او انا شخصيا صرنا نحظى باحترام كبير في العالمين العربي والاسلامي وبثقة ومصداقية نتيجة السلوك والتضحيات والصمود والانتصار والانجاز وكون المواجهة مع عدو هؤلاء جميعا من العرب والمسلمين. انا بحسب فهمي هذه هي حدود الامر. اما حماسة البعض ومحاولة تقديم ما حصل للحديث عن زعامة عربية تريد ان تقود العالم العربي او تحدث تغييرا في العالم العربي، هذا فيه الكثير من المبالغة لان الامور ليست كذلك. بين هلالين، هذا يزيد من مشكلتنا والحزب لا يطرح نفسه قائدا لا على مستوى لبنان ولا العالم العربي، وانا على المستوى الشخصي لا اطرح نفسي قائدا لا على مستوى ولا العالم العربي. واستطيع القول في محصل اضافة الى انتصار المقاومة في العام الفين وسلوك في الصراع مع العدو الصهيوني، وموقفه في الموضوعين الفلسطني والعراقي، فان الانتصار والصمود الاخير جاءا من اجل ان يعطيا الحزب والمقاومة في لبنان مكانة واحتراما ومصداقية في العالم العربي وليقدما المقاومة رمزا ونموذجا وقدوة وعبرة يمكن الاستفادة منها واستلهام تجربتها في مواجهة اعداء الامة والعمل على تحرير المقدسات. بحسب فهمي فان ما اقوله ليس من باب التواضع بل من زاوية الواقعية.

طلال سلمان: هناك معنى كبير لارتفاع صوركم واعلامكم في جامع الازهر في القاهرة؟

حسن نصرالله: انا لا اقلل من هذه النتيجة وهذا امر تاريخي بان يحصل حزب لبناني مقاوم على كل هذا التقدير والاحترام والمحبة والاحتضان في العالمين العربي والاسلامي حيث الاغلبية سنية وان من يحظى بالتقدير هو حزب شيعي. هذا بحد ذاته انجاز تاريخي وانا لا اقلل من قيمته. ايضا يهمني ان اشير الى ان تفاعل الشعوب العربية والاسلامية والنخب السياسية والثقافية والفكرية والاقتصادية والفنية كان تفاعلا كبيرا وعظيما جدا. نعم بكل الاطياف العروبية والقومية والاسلامية واليسارية والليبرالية كان التفاعل مهما. كانت هناك تقريبا نقطة اجماع مضيئة هي الوقوف الى جانب المقاومة في لبنان.

طلال سلمان: عن السنة والشيعة: الجو أفضل . ماذا عن تداعيات ذلك على موضوع قطع دابر الفتنة السنية الشيعية خاصة انكم عملتم كثيرا في هذا الاتجاه؟

حسن نصرالله: نعم وهذا هو العنصر الاهم على صعيد تداعيات الحرب. ان النتائج اكبر بكثير من التضحيات ولا يجوز ان يأخذ وهج التضحيات شيئا من حجم الانجاز والنصر الذي تحقق وفي مقدمة النتائج الموضوع المتصل بالنسة والشيعة. نعم المشروع الاساسي بعد الغزو الاميركي للعراق، والذي ما زال يهدد هذا البلد العربي ومن خلاله كل الامة العربية والاسلامية ويعمل له اميركيا واسرائيليا هو مشروع الفتنة الساحقة والماحقة التدميرية التقسيمية بين السنة والشيعة. يعني المطلوب ليس ان نقسم العالم العربي الى دويلات سنية وشيعية بل يجب ان تكون دويلات متقاتلة في ما بينها وان تدمر بعضها والنموذج العراقي شاهد على ذلك. هذا ما نراه في العراق وهذا ما يريده الاميركيون والاسرائيليون من اجل تعميمه في العالم العربي والاسلامي كله. حصل تحريض كبير بوسائل مختلفة بعد غزو العراق خاصة عبر وسائل الاعلام من اجل زيادة الشرخ المذهبي في المنطقة. نعم هناك قلق كبير في العالم العربي والاسلامي من انفجار شيعي سني وهو قلق مشروع وصحيح وواقعي لكن اهمية ما حصل في مواجهة الحرب الاسرائيلية على لبنان والمقاومة، ان من خلال المقاومة، استطاع خلال السنوات الماضية ان يشكل جسر اتصال وحوار واعادة ترميم ثقة او معالجة ازمة الثقة التي كانت تنشأ بين السنة والشيعة في هذا البلد او ذاك، مع العلم ان كان يقوم بهذا الدور في غالب الاحيان بعيدا عن وسائل الاعلام. جاءت هذه الحرب وشكل احتضان الامة العربية والاسلامية للمقاومة و المعروف بحسب التصنيف المذهبي انه شيعي، نوعا من التحصين الى درجة كبيرة جدا للواقع الاسلامي.

طلال سلمان:هل يمكن القول ان مشروع الفتنة انتهى في المنطقة ولبنان؟

حسن نصرالله: لم نقطع الطريق عليه مئة بالمئة وانما تم تحصين الساحة الى حد كبير جدا وعلى قاعدة لا تكرهوا شيئا وهو خير لكم، ربما بعض الفتاوى التي صدرت في الايام الاولى للحرب كانت لها آثارها الايجابية.

طلال سلمان: بأي معنى؟

حسن نصرالله: بمعنى انها دفعت تقريبا كل المخلصين والحريصين في الحركات الاسلامية السنية وعلماء السنة الكبار ومعظم الاطر الاسلامية السنية على امتداد العالم العربي والاسلامي الى اتخاذ موقف. لقد شعروا جميعا انهم معنيون وهنا يمكن لنا ان نسجل مواقف متقدمة جدا لبعض العلماء الكبار امثال سماحة الشيخ يوسف القرضاوي الذي يحظى باحترام كبير في العالمين العربي والاسلامي لجهة موقعه الديني والعلمي وهو موقع شبيه بموقع المرجعيات الدينية عند الشيعة. هناك حركات اسلامية وعلماء سنة آخرون وكثيرون لا مجال لتعداد اسمائهم في لبنان والعالم العربي والاسلامي، لكن اسمحوا لي بوقفة خاصة عند الموقف المميز الذي اطلقه سماحة الشيخ مهدي عاكف المرشد العام للاخوان المسلمين والذي تجاوز مجرد التعبير السياسي او الديني او الفقهي الطبيعي الى مستوى المحبة والمودة واللهفة والاحتضان العاطفي وهو الموقف الذي كان له اثره الكبير على مستوى حركة الاخوان المسلمين في العالم. هذا امر مهم جدا واكرر ان مواقف كثيرة صدرت لا مجال لتعدادها بينها موقف مفتي سوريا الذي نقدره تقديرا كبيرا وايضا الشيخ الكتور محمد سعيد البوطي في سوريا والشيخ الدكتور محمد سليم العوا في مصر، واتوجه عبر من كل العلماء بكل شكر وتقدير ومحبة واعتذر عن عدم ذكر اسمائهم واحدا واحدا، لان اللائحة ستكون طويلة جدا جدا، نعم مواقفهم تجاوزت البعد السياسي وانا سمعت الكثيرين منهم يقولون ان الشيعة هم مسلمون مثل اخوانهم السنة. وكما انه بين المذاهب الاسلامية السنية هناك اختلافات وفروع عقائدية وفقهية، ايضا داخل الشيعة هناك اختلافات. واذا اضفنا الى ذلك احتضان الشارع العربي والاسلامي وتعبيراته السياسية والعاطفية والشعبية... فإن هذا كله سيؤدي الى تحصين كبير جدا للواقع العربي والاسلامي، بما يؤدي الى اشعار السنة والشيعة انهم في مواجهة عدو مشترك واحد وتهديد واحد وخطر واحد ومصير واحد ومعركة واحدة. وانا برأيي هذا من بين اهم النتائج الاستراتيجية التاريخية عندما قلت إننا نواجه نصرا استراتيجيا تاريخيا ولم اقم بتفصيل معنى هذه الجملة. نعم هذا من اهم انجازات المعركة التي لم نقصدها. انا دائما اتحدث عن نتائج ولا اقول الاهداف. المقاومة عندما وقفت وقاتلت في لبنان كان لها هدف واحد هو رد العدوان والدفاع عن لبنان وعندما صمدت وانتصرت ترتب على ذلك مجموعة نتائج كبيرة جدا وهذه واحدة من اهم النتائج التي تحققت والاهم ان نواصل العمل في المستويين العربي والاسلامي لتحصين هذه النتيجة وتثبيتها وتوظيفها وتثميرها في اخماد ساحات التوتر المذهبي وفي مقدمتها الساحة العراقية. ايضا اسمحوا لي بالقول انه في جزء من العالم الاسلامي غير العربي كانت هناك مستويات عالية جدا من التفاعل لم تعكس اعلاميا حتى بالحد الادنى. مثلا في ايران كان التفاعل الشعبي والرسمي يرقى الى مستوى الاهتمام بثورة الامام الخميني في ايامها الاولى. وقد نقلت اليّ اجواء ومناخات مذهلة من الشارع والاعلام والنخب والجامعات. اذا ذهبنا الى الباكستان واندونيسيا وماليزيا ايضا كان التفاعل كبيرا جدا وهذا ايضا من النتائج الاستراتيجية الكبيرة والتاريخية. لانه خلال عقود من الزمن تم تحويل موضوع الصراع مع العدو الاسرائيلي الى صراع عربي اسرائيلي وبالتالي تم اخراج الدول الاسلامية وشعوبها غير العربية من دائرة الصراع بل حتى من دائرة الاهتمام به.

طلال سلمان: المعركة الاخيرة اعادت الاهتمام كما كان عليه في البدايات على مستوى الدول الاسلامية غير العربية شعوبا وحكومات واعلاما ونخبا الخ... هل دفن مشروع الفتنة السنية الشيعية نهائيا في لبنان؟

حسن نصرالله: في اوج الصدامات والمخاوف في العراق والقلق من امتداد المشهد العراقي الى الدول المجاورة ومنها لبنان، انا شخصيا لم اكن خائفا على لبنان وعلى الوضع السني الشيعي في لبنان ولا اؤمن اصلا بامكان قيام فتنة سنية شيعية في لبنان والآن صرت مؤمنا اكثر بهذا الموقف. نعم قد تكون هناك بعض الحساسيات والتوترات السياسية ولكن الحديث عن فتنة سنية شيعية في لبنان هو حديث غير واقعي تماما كالحديث عن فتنة بين المسلمين والمسيحيين وهو ايضا للتهويل اكثر من اي شيء آخر. نحن عند تعهدنا بإعادة الإعمار..

طلال سلمان: لننتقل الى ملف الاعمار، الرئيس السنيورة يقول ان الحزب يريد ان يقتصر دوره كما فهم بموضوع الاستئجار لمدة سنة للمدمرة منازلهم وبالاثاث فقط ويعني ذلك الاشارة الى تراجعكم عن التعهد الاول بالاعمار. هل هذا الاستنتاج صحيح؟

حسن نصرالله: ابدا غير صحيح، انا في اليوم الاول لوقف الحرب وكذلك يوم الاثنين وفي المقابلة مع ومع الرئيس السنيورة والآن اكرر نحن ملتزمون وقد وعدنا الناس ونحن ما زلنا عند وعدنا. الوعد هو ان تعود بيوتهم وممتلكاتهم كما كانت لا بل افضل مما كانت. يعني اعادة الاعمار. نحن اعلنا هذا الالتزام. بعد الاعلان من جانبنا قلنا بوجود مراحل عدة، الاولى، اسميناها مرحلة ايجاد البدائل الموقتة لان الانسان في هكذا حالة قد فقد منزله ودمر اثاثه. هذا ما قررناه للبيوت المهدمة كليا ونفذ. ما لم يعلن عنه ولكن عمليا نفذ هو ان البيوت المهدمة جزئيا والتي يتعذر السكن فيها لاشهر قمنا ايضا بدفع بدل ايجار ولستة اشهر او اكثر او اقل للمهدمة جزئيا بالاضافة الى بدل الاثاث المنزلي في حال تلفه كاملاً او تعويض ما تلف جزئياً. ومن اجل معالجة الوضع الاستثنائي القائم، لانه حتى الدولة اذا كانت ستدفع بدل اثاث متى؟ تدفع بعد الاعمار النهائي. يعني ان هذه العائلة ستبقى بلا منزل واثاث الى ان تنجز نهائيا اعادة الاعمار. هذا ما التزمنا به ووفينا به واعتقد ان الضاحية ربما تكون انتهت والبقاع انتهى وشمال الليطاني انتهى ايضا. جنوب الليطاني لان العدد فيه كبير وبسبب صعوبات لوجستية بنسبة كبيرة انتهى ولكن يحتاج الى 15 يوما بحد اقصى من اجل انجازه كليا. اي انجاز كل ملف البديل السكني الموقت بما في ذلك الاثاث. موضوع الترميم دخلنا عليه بالطريقة السهلة المتيسرة اي اذا جئنا لعائلة لترمم حائطا او تركب نافذة او بابا ويكفل ذلك لها السكن، هذا ممتاز. هم يتولون ذلك ونحن نقدم مساعدات مالية. هذه العائلات ستحصل على مساعدة ترميم موازية من الدولة ولكن هذا لا يتنافى مع التزامنا تجاههم لأننا نحن ندفع ايضاً واذا ارادوا ليعتبروا ان ما نقدمه نحن كمساعدة ترميم هو عبارة عن هدية لهم. الهم الاكبر هو اعادة ما تهدم من بيوت كليا. نحن ملتزمون بما كنا اعلنا عنه سابقا. جاءت الدولة وقالت ان هذه المهمة من مسؤولياتها وانا لا انكر انها كذلك، والذي حصل بالضبط وهذا ما شرحته في آخر مقابلة تلفزيونية نحن لم نتصل بالرئيس السنيورة ولم نقل له نحن لسنا قادرين على اعادة بناء البيوت التي هدمت. هذا لم يحصل على الاطلاق. ولم نقل له نحن نطلب مساعدتك. هذا لم يحصل قطعا. بل الذي بادر مشكورا هو الرئيس السنيورة الذي اتصل وطلب اللقاء بنا من اجل مناقشة ما سنقوم به بموضوع الاعمار . بعد اسبوع لم تكن الحكومة تدري ماذا ستفعل. نحن كان ردنا ان تأمين البديل والاثاث هذا امر التزمنا به ونفذناه تقريبا. بالنسبة الى الترميم واعادة بناء البيوت المهدمة هي مسؤولية الدولة. هذا يفهم منه اننا لسنا قادرين ولا نستطيع ذلك، هذا امر غير صحيح. هذه مسؤولية الدولة ولكنه وعد منا ايضا. اذا قامت الدولة بهذه المسؤولية سقط التكليف عنا وفي اي مكان لن تتحمل الدولة مسؤولياتها بالشكل المطلوب نحن سنتحمل المسؤولية لانه للناس في رقبتنا وعد. الرئيس السنيورة اعلن بعد مداولات مباشرة معنا ومع الرئيس بري وباتفاق مع الرئيس بري مباشرة انه في الجنوب والبقاع سيتم دفع خمسين مليون ليرة للوحدة السكنية و10 ملايين ليرة بدل اثاث منزلي ضمن آلية على دفعتين واخيرا الاثاث. اما بالنسبة الى الضاحية الجنوبية، فقد تألفت لجنة تتمثل فيها الجهات المعنية بما في ذلك نحن والاخوة في ومهمتها درس كيفية التعاطي مع موضوع الضاحية الجنوبية وهذا الامر سيبت قريبا. اذا ارجئ النقاش حول الضاحية يبقى البقاع والجنوب، في ما يتعلق بالوحدات السكنية، اذا جاءت الدولة اللبنانية او اية دولة واخذت الامر على عاتقها هذا امر جيد. مثلا دولة قطر اخذت على عاتقها مشكورة ان تبني بنت جبيل وعيناثا والخيام وعيتا الشعب. سوريا اعلنت بلسان رئيسها انها اخذت على عاتقها مشكورة ايضا اعادة اعمار بلدات قانا وصديقين والقليلة. عندما تأتي دولة، وضمن آليات سيتفق عليها رسميا، ستتولى اعادة بناء المنازل، يكون عندها تكليفي قد سقط، هل هناك مجالات اخرى لمساعدة اصحاب المنازل التي تمت اعادة اعمارها؟ انا في خدمتهم. الدولة عندما تأتي وتقدم خمسين مليون ليرة مقابل وحدة سكنية نحن ماذا نقول؟ نقول انه من حيث المبدأ، هذه العائلة التي ستعيد بناء منزلها، اذا كان المبلغ الذي ستقدمه الدولة كافيا لاعادة بناء ما تهدم كان به واذا لم يكن كافيا نحن ملزمون بان نكمل ما يمكن هذه العائلة من اعادة بناء منزلها كما كان. هذا التزام قطعي ولا عودة عنه نهائيا.

طلال سلمان: أركان الحوار.خلال فترة الحرب كيف كان يتم التواصل مع الرؤساء الثلاثة وبقية القيادات السياسية؟

حسن نصرالله: بالنسبة للرئيس اميل لحود، كان هناك اتصال دائم بيننا وبينه عبر احد الوسطاء من اخواننا الذي كان يتمكن من التواصل معه اما تليفونيا او مباشرة وكنا نضعه بشكل دائم بالمعطيات الميدانية والتطورات السياسية الجارية. وفي كل الاحوال فإن مواقف الرئيس لحود من المقاومة قبل العدوان وخلاله وبعده، هي مواقف مشهودة ومشكورة ومعروفة. بالنسبة للرئيس نبيه بري، تحدثت في بداية الحديث عن التعاون الذي كان قائما معه والتفاهم والتنسيق والخط المفتوح يوميا بيني وبينه. مع الرئيس فؤاد السنيورة، كان هناك اكثر من طريقة للاتصال، او للحوار، ان من خلال وزراء الحزب في الحكومة او احيانا من خلال الاتصال المباشر بين رئيس الحكومة والمعاون السياسي الحاج حسين خليل. لكن ما كنا نتفق عليه في نهاية المطاف هو ما كان ينجز من خلال قناة الرئيس نبيه بري باعتبار انه كان يتولى الادارة السياسية للمعركة. دائما كنا سواء على طاولة مجلس الوزراء او في الكواليس في نقاش دائم مع رئيس الحكومة ونحن حرصنا خلال فترة الحرب كلها على ان تبدو الحكومة قوية ومنسجمة ومجمعة رغم اننا كنا نسجل تحفظاتنا او ملاحظاتنا او اعتراضاتنا على بعض النقاط او المواقف سواء عندما ناقشنا النقاط السبع وخرجنا باجماع عليها في مجلس الوزراء لكن ضمن مجلس الوزراء كانت هناك تحفظات حول بعض النقاط او قبلنا بالنقاط السبع كمبادئ عامة ولكن تفصيلاتها تحتاج الى نقاشات لاحقة واقرار لاحق في مجلس الوزراء. وكذلك عندما وصلنا الى نقاش القرار 1701 ونحن لدينا اعتراضات جدية على بعض بنود هذا القرار وانا قلت اننا نعتبره ظالما وغير منصف ولدينا تحفظات جدية ولكن ايضا حرصا على وحدة الموقف الحكومي والوطني قلنا انه تتم الموافقة عليه بالاجماع مع التحفظ.

خلال مرحلة الحرب، حرصنا بجد على ان تكون الحكومة متماسكة وان تكون قوية وان يكون موقع رئاسة الحكومة قويا باعتباره الموقع الذي يفاوض دوليا بالنيابة عن لبنان كله. كنا جميعا في المقاومة والرئاسات الثلاث والحكومة وبقية مؤسسات الدولة والقوى السياسية كافة نخوض معركة لبنان بأسره وليس معركة طائفة او منطقة او مذهب. طبعا كانت تحصل تباينات ونقاشات حول سبل معالجة موقف معين وما يمكن قبوله او عدم قبوله وهذا امر طبيعي ومنطقي وصحي وكان يعالج بالحوار الهادئ وفي النهاية تفضي الحوارات الجادة والدقيقة والمسؤولة والمجهدة بسبب حساسية الموضوعات ومصيريتها بالنسبة للبنان والمقاومة، لكن في نهاية المطاف كنا نتوصل دائما الى نتائج مرضية ومعقولة، وهذا الامر الذي مكن لبنان بفعل هذا التعاون من ان يخرج بنسبة كبيرة من المحنة التي كان يعيشها.

طلال سلمان: هل حصل اشكال ما حتى اضطر الرئيس بري لاعلان انسحابه من ملف الاسرى؟

حسن نصرالله: لا لم يحصل اي اشكال مع الرئيس بري. من المعروف انه منذ اليوم الاول للحرب بدأ الحديث عن موضوع الاسرى وكون الرئيس بري كان مفوضا بادارة الملف السياسي كله فوضنا اليه ايضا موضوع الاسرى. اولا بسبب الثقة الكبيرة وثانيا بسبب التجربة الطويلة والمهارة التي يتمتع بها، وثالثا بسبب ظروف الحرب. ولذلك كان من الطبيعي ان نقوم بتوزيع ادوار بحيث يتفرغ بعضنا لادارة المواجهة العسكرية وبعضنا للمواجهة السياسية، ولذلك كان من الطبيعي تفويضه بقضية الجنديين، حتى عندما تحدث عن اقتصار التبادل على الاسرى اللبنانيين انما كان يطرح من خلال ذلك الاستفادة نحو ما هو ابعد، اي وقف العدوان الاسرائيلي، وهو شدد على وقف اطلاق النار وثانيا عملية التبادل. اي ربط بين انتهاء الحرب وعملية التبادل، اي انه كان يريد ثمنا انسانيا كبيرا جدا وهو وقف الحرب مع اطلاق الاسرى اللبنانيين. في كل الاحوال، الآن انتهت الحرب وهذا ملف تفصيلي ويحتاج الى وقت طويل ومفاوضات طويلة وتفصيلية ولذلك قال الرئيس بري انه يفضل ان يتولى الحزب ادارة الملف وخاصة انه صار يملك القدرة على التحرك وهو يحتاج الى وقت وانتم الجهة المعنية فليعد اليكم وانا كنت اتمنى ان يواصل الرئيس بري ولكن لا نريد ان نجهده اكثر مما اجهدناه في فترة الحرب.

طلال سلمان: ماذا عن التواصل مع بقية القوى السياسية؟ وتحديدا مع النائب سعد الحريري؟

حسن نصرالله: مع الاخ الشيخ سعد الحريري، في الايام الاولى للحرب كانت هناك اتصالات طبيعية بسبب انه كان موجودا في الخارج وكان الاخ الحاج حسين خليل يتواصل معه بشكل دائم ولكن مع اشتداد عمليات القصف والاستهداف للمباني والحزبيين، كان استخدام الهاتف الدولي مشكلة من الناحية الامنية ولذلك بقي الاتصال يتم بالواسطة، اما من خلال الرئيس بري او من خلال بعض الاصدقاء المشتركين، والاتصال غير المباشر لم ينقطع ووجهات النظر كان يتم تبادلها بصورة دائمة. وبكل الاحوال فإنه بسبب وجود الشيخ سعد خارج البلد وتصدي الرئيس السنيورة المباشر بصفته رئيسا للحكومة، كان الجزء الاكبر من النقاشات المباشرة يحصل معه.

طلال سلمان: ومع وليد جنبلاط؟

حسن نصرالله: خلال فترة الحرب لم يكن هناك تواصل مباشر، مع النائب وليد جنبلاط. انتم تعرفون انه منذ ازمة البيانات والمواقف السابقة لم يعد هناك اي اتصال ثنائي بيني وبينه، كنا نلتقي في اطار طاولة الحوار الوطني. اما خارجها فلم يكن هناك اي اتصال وهذا الامر استمر خلال فترة الحرب. في الايام الاولى للحرب اطلق بعض المواقف الايجابية، انا طلبت شخصيا من الاخ السيد نواف الموسوي ان يتصل بوزير الاعلام الاخ غازي العريضي ويبلغ الوزير جنبلاط شكرنا على المواقف التي اطلقها في ذلك الحين. لكن لم يرق الامر حتى الآن الى مستوى اعادة الاتصال الطبيعي الذي كان قائما بيننا وبينه قبل حوالى السنة.

طلال سلمان:هل هناك محاولة حاليا لاعادة هذه العلاقة؟

حسن نصرالله: من جهتنا لم نقفل الباب في اي يوم من الايام. انا اقول لك بصدق انه لا في الاعلام ولا في غير الاعلام. حتى في الكواليس، احيانا عندما كان يعرض علينا من قبل بعض الاصدقاء المشتركين اعادة الاتصال والتواصل لم يكن لدينا اي مانع وفي يوم من الايام قلت ذلك في مقابلة تلفزيونية واضفت اننا في الاساس لسنا نحن من قطع العلاقة رغم الموقف القاسي الذي صدر من جانبنا ردا على توصيفه آنذاك لسلاح المقاومة. كان ردنا نحن لا نريد القطيعة مع احد. ليست سياستنا ان نقاطع احدا في لبنان حتى لو اشتد الخلاف السياسي بيننا وبينه، ونحن مستعدون للتواصل والحوار، ورد السيد وليد جنبلاط بان اللقاء يحصل فقط معنا في مجلس الوزراء. المقصود انه من جانبنا نحن لم نغلق الباب ولم نسع الى قطيعة لا معه ولا مع غيره.

طلال سلمان: ماذا عن بقية القوى الحليفة لكم؟

حسن نصرالله: العلاقات مع مختلف القوى السياسية وخاصة تلك التي تصنف في اطار الثامن من آذار، كانت اتصالاتنا معها دائمة من خلال الاخوة في المجلس السياسي وعدد من النواب الذين اتيح لهم بعد ايام عدة من الحرب فرصة التواصل ومنهم الاخوة في اللقاء الوطني من الرئيس عمر كرامي الى الوزير سليمان فرنجية الى بقية الوزراء والنواب السابقين وكذلك مع الاحزاب الوطنية التي شارك بعضها معنا وسقط لها شهداء اعزاء.

طلال سلمان: مع الرئيس سليم الحص؟

حسن نصرالله: تقريبا كان التواصل معه شبه يومي وهو كان لا يبخل علينا بالنصائح والاقتراحات والافكار وكانت كلها تصب في خانة حماية المقاومة والوحدة الوطنية والمصلحة الوطنية العليا، وكان هو يواكب مرحلة الحرب بشكل دقيق. ايضا الاخوة في الجماعة الاسلامية وبقية الاطر الاسلامية والجهات الاسلامية والوطنية والحزبية المختلفة حافظنا على التواصل معهم. كذلك كان هناك اتصال دائم ويومي مع التيار الوطني الحر والعماد ميشال عون وقيادات وفعاليات مسيحية عديدة.

طلال سلمان: حكومة الوحدة الوطنية والسجال السياسي اتُّهمتك في موضوع الحديث عن حكومة وحدة وطنية ربطا بتنفيذ اتفاق الطائف بأنك تفتح الباب امام سجال سياسي داخلي؟

حسن نصرالله: في الحقيقة انا لم اكن في وارد فتح اي سجال سياسي داخلي. انا اجبت عن بعض اسئلة الوزير وليد جنبلاط في المؤتمر الصحافي له. انا اعتبرت ان جزءا كبيرا من هذه الاسئلة قديم وهو سمع اجاباتها سواء مباشرة مني او على طاولة الحوار الوطني. لكن السؤال المركزي الذي طرحه وهو سؤال مفتاحي اذا صح التعبير، بمعنى انه يفتح على الكثير من الاسئلة هو ما يرتبط باتفاق الطائف وانا اجبت عن هذا السؤال وقلت نحن مع تنفيذ كامل بنود اتفاق الطائف بدون اي تردد واذا كنتم جديين في تنفيذ اتفاق الطائف تعالوا لنبدأ باعتبار ان اهم بند واول بند واهم شرط لتنفيذ الطائف هو تشكيل حكومة وحدة وطنية كما ورد في الاتفاق نفسه.

طلال سلمان: هم ردوا وقالوا ان الامر ينطبق على الحكومة الاولى بعد الطائف؟

حسن نصرالله: هم حتى الآن، اي الجزء الاكبر من قوى الرابع عشر من آذار، يقولون امرين اولهما ان حكومة الوحدة الوطنية او الوفاق الوطني المنصوص عليها في الطائف لم تشكل منذ 16 سنة حتى الآن ويحملون ذلك الى مرحلة الوصاية السورية على البلد كما يقولون. ثانيهما هم يقولون ان معظم بنود اتفاق الطائف لم تنفذ حتى الآن. عظيم اذا قلنا ان الحكومة لم تشكل والاتفاق لم ينفذ بمعظم بنوده ونريد تنفيذها الآن، فإن المدخل الطبيعي كما ورد في اتفاق الطائف لتنفيذ ما لم ينفذ هو تشكيل حكومة اتحاد وطني. هذا ليس كفرا سياسيا بل هذا ايمان وحرص سياسي على البلد. انا لا اقول انكم كحكومة اذهبوا الى بيوتكم. فريق الثامن من آذار يريد ادارة البلد وان يحكم البلد. لم اقل لكم اننا لا نريدكم في الحكومة ولا في السلطة وعليكم ان ترتاحوا، حتى ينبروا للرد بهذه الطريقة الشرسة والقول ان الحكومة اوقفت الحرب وفعلت وصنعت وعملت وكل ذلك يحتاج الى تدقيق سياسي. لا يجوز ان نأتي بانجاز ونقول اننا وحدنا قمنا به. هذا الامر ينطبق على الجميع. انا اعترف بدور للحكومة وبدور للاتصالات السياسية ولكن القول ان المقاومة وحدها اوقفت الحرب غير دقيق تماما كما القول ان الحكومة اوقفت الحرب وحدها هذا امر غير دقيق. من اوقف الحرب هو الخشية الاسرائيلية من الذهاب الى كارثة عسكرية من خلال استمرار العملية البرية وانسداد الافق والفشل ثم الفشل ثم الفشل.

جاءت الاتصالات السياسية لتوظف الواقع الميداني فتؤدي الى وقف الحرب. لا اريد ان اناقش الحكومة اذا كانت انجزت او لم تنجز، وانا لست في وارد الخوض في هذا النقاش، لكن اذا هذه الحكومة وهي ليست حكومة وحدة وطنية، عملت انجازات يقولون انها كبيرة وعظيمة وانا لا اريد ان اناقش. جيد. لبنان الآن مقبل على تحديات كبيرة وخطيرة واذا قمنا بزيادة قوة بلدنا ومناعته من خلال حكومة وحدة وطنية فهل نخسر ام نربح؟ اذا حكومة نجحت بتحقيق انجازات فهل يعني اقفال الباب على امكانية تحصين البلد سياسيا عبر اشراك من تم شطبهم في مرحلة ما؟ اذا توافرت امكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة التحديات الكبيرة المقبلة فما هو المانع من ذلك. المنطق الذي تحدثت به هو منطق حرص وليس منطق كيد سياسي وانا لا استخدم هكذا منطق نهائيا. كما لا استخدم منطق المحاسبة والمزايدة لان من يريد الثأر من الثاني او يحاسب الثاني لا يتحدث بحكومة وحدة وطنية، انما يرفع شعار شطب الحكومة وتشكيل حكومة بديلة وانا لم اتحدث بهذه اللغة ابدا. انا قلت انتم تريدون تطبيق اتفاق الطائف وبناء الدولة. المدخل الطبيعي لذلك هو تشكيل حكومة وفاق وطني. تعالوا لنشكل هكذا حكومة ولا يرد على هذا الكلام السياسي القانوني الدستوري الوفاقي الحريص بلغة . بأية مسلة يريدوننا ان نخيط؟

طلال سلمان: هل تشعر سماحة السيد ان التوازن السياسي غير موجود ضمن الحكومة الحالية؟

حسن نصرالله: التوازن السياسي غير موجود في الحكومة. وهذه الحكومة لا تعبر عن توازن سياسي. بالنسبة الينا الحديث عن حكومة الوحدة الوطنية غير جديد. هو سابق للحرب ومنذ الأزمة الوزارية التي حصلت. في نهاية المطاف، حتى عندما نتحدث عن حكومة وفاق وطني نحن لا نستهدف اية جهة سياسية في البلد. ولا نريد اي توجه او خط او تيار سياسي. ولا نريد افتعال ازمة سياسية في البلد. نحن ما ندعو اليه هو تعاون الجميع وتلاقيهم وبدلا من ان نشكل طاولة حوار وطني، فلنذهب ونشكل حكومة وحدة وطنية. هذا كلام وطني وليس فئويا ولا طائفيا ولا مذهبيا ولا يستهدف احدا في السلطة مثلما لا يهدف الى استرضاء احد خارج السلطة، خاصة ان البعض حاول القول اننا نريد ان نسترضي بعض حلفائنا او اصدقائنا في السياسة. انا اقول لهؤلاء ان المصلحة الوطنية والاخلاقية هي التي تحكم منطقنا ولعل المصلحة الوطنية تكمن في تشكيل حكومة وحدة وطنية من خلال ضم التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون اليها وقوى سياسية فعلية اخرى في البلد وليس فقط التيار الوطني الحر. ان حكومة الوحدة الوطنية الحقيقية في البلد هي من خلال تمثيل كل القوى السياسية، والا بالمنطق الشعبي الفعلي هناك قوى سياسية في البلد لم توفق بسبب التحالفات في الانتخابات النيابية في ان يكون لها نواب في المجلس النيابي، وهناك قوى سياسية لها نواب في المجلس النيابي ووزراء في الحكومة وهي ليست قوى حقيقية فعلية، او في الحد الادنى هي اقل تمثيلا من قوى سياسية غير ممثلة. عندما اتوجه الى حكومة اتحاد وطني واعتبر ان هناك ازمة وطنية واستحقاقات وطنية ينبغي ان نواجهها بوسائل وادوات استثنائية، لا تعود المقاييس والموازين هي التمثيل النيابي. حتى على اساس التمثيل النيابي، انا لا اقبل بوزيرين في الحكومة اذا كان المعيار هو عدد النواب ومسألة التمثيل النيابي. لذلك انا اتمنى الا يستخدم هذا الامر وان كان البعض يستخدمه في اطار الاثارة السياسية والمذهبية. تكلمنا بلغة من هو حريص على البلد ومن يريد جمع البلد ولم شمله وتوحيده واعماره وصيانته ونحن نرى ان منطق الاستئثار في السلطة ولو تحت عنوان اكثرية او اقلية في هذه المرحلة هو منطق غير مناسب وغير صحيح، وبالتالي فإن هذا البلد كما قلت في احتفال الخامس والعشرين من ايار 2006 يواجه اوضاعا اقتصادية واستحقاقات سياسية وتحديات داخلية واقليمية لا يمكن ان نواجهها الا بان نضع جميعا كتفا بكتف للمواجهة. البعض يصر في ان يبقي بعض الاكتاف خارج منطق تحمل المسؤولية وهذا غير صحيح.

طلال سلمان: سؤال اخير حول اي موقع للبنان على الصعيد الاقليمي في ضوء تداعيات الحرب والقرار الدولي الجديد ووجود خمسة عشر الف جندي اجنبي على ارض لبنان؟

حسن نصرالله: برأيي انه طالما هناك قوى سياسية في لبنان لن ادخل في تصنيفها، لا تتلقى الاوامر من السفير جيفري فيلتمان ولا تسارع الى تنفيذ رغبات الاميركيين فلبنان لن يكون ولن يصبح اميركيا. هذه القوى السياسية اللبنانية موجودة ولن يستطيع ان يشطبها احد. اما تواجد خمسة عشر الف جندي من على ارض الجنوب اللبناني، فلن يستطيع ان يغير من المعادلة الداخلية شيئا ولا من فاعلية وقوة هذه القوى السياسية الممانعة، وهذه هي تركيبة لبنان وانا لا يقلقني هذا التواجد او الانتشار الدولي بل ارى ان بقاء لبنان خارج السيطرة الاميركية هو رهن بارادة ابنائه وقواه السياسية وهنا نتحدث عن قوى سياسية سيادية واستقلالية حقيقية وربما تستطيع القوى السياسية اللبنانية، وانا لا اريد ان افرض خياراتي او صداقاتي على احد، ان تكون لها صداقاتها وتحالفاتها وعلاقاتها وتحالفاتها وايضا لنا صداقاتنا وتحالفاتنا، ولكن المهم هو ان نجلس في الحكومة او الى طاولة الحوار او نجلس في اي اطار وطني لنقرر للبنان كلبنانيين ان لا نكون خاضعين للجهات التي نقيم معها صداقات او علاقات. بالنسبة الى انا ادعي اننا نحن كذلك بل ادعي اننا اكثر من ذلك. حتى في علاقتنا مع سوريا وايران وانا اتمنى لو تكون علاقة قوى سياسية لبنانية اخرى وتقيم صداقات مع الولايات المتحدة او غيرها شبيهة او نظيرة بعلاقتنا بدمشق او طهران او بقية اصدقائنا في العالم. هكذا يمكن ان تكون عندنا حكومة سيادية استقلالية وحياة سياسية سيادية استقلالية وهذا ما نتطلع اليه فقط. واختم بالقول ان لبنان لن يصبح اميركيا والمسألة لا ترتبط بانتشار عسكري او عدمه. المسألة ترتبط بالارادة السياسية وهي متوفرة لدى الجزء الاكبر والاغلب من الشعب اللبناني.