محمد علي الحلبي

في زحمة الأحداث التي تخيم على المنطقة العربية حيث لا تكاد تخلو بقعة من اضطرابات أو صراعات صغيرة أم كبيرة على شكل احتلالات مباشرة،أو بفعل عوامل التدخل والمداخلات الأجنبية.

في هذه الآونة تصدرت أحداث الصومال مطالع وبدايات أخبار أجهزة الإعلام بكل تنوعاتها،فانبرى المعلقون لتحليلها وكثيرون منهم جانبوا الحق وأنصفوا ذلك البلد الذي عشقته تعاسة الظروف بل عانقته وتوحدت معه في كل شيء،بينما انحاز وبرر آخرون عمل قوى العدوان المتمثلة بالقوات الإثيوبية الغازية المدعمة من قبل أجهزة الاستطلاع والتجسس الأمريكية باعتراف مسؤولين أمريكيين بهذا الإسهام،فكان الانسحاب السريع لعناصر المحاكم الإسلامية أمام الغزاة بعد أن حققوا أيضاً نصراً سريعاً على أمراء الحرب الصوماليين الذين غلبت نزعتهم ورغباتهم ومصالحهم على كل ولاء للوطن والأمة فقسموا البلد إلى إمارات لهم تولوا إدارة مجمل شؤونها،ولم تعد هناك من دولة ولا حكومة ،واستمر ذلك حوالي15عاماً منذ سقوط نظام الرئيس سياد بري عام1991،وحتى شهور قليلة سبقت حيث تمكنت المحاكم الإسلامية من إنهاء نفوذهم وبدأت بضم أجزاء البلاد المفتتة وإرساء الاستقرار والطمأنينة.

تلك الحالة لم يكن لها من مثيل في كل أرجاء المعمورة،ولمعرفة أشمل لمجريات الأحداث وتقدير للتوقعات المستقبلية آثرت تقسيم الموضوع إلى عناوين جزئية لتضفي على البحث المزيد من الثقة المعرفية.

عرض سريع وبسيط لتاريخ الصومال.

الموقع الاستراتيجي وعوامل الصراعات الإقليمية.

تأثيرات الدور العربي،والدور الأمريكي على التغيرات التي تمت.

توقعات مستقبلية.

الطابع المميز لهذا البلد الذي انضم إلى المجموعة العربية من خلال جامعة الدول العربية اعتماد اقتصاده على تربية وتصدير الماشية فليس غريباً أن تعني كلمة الصومال باللغة المحلية"اذهب واحلب"ولكون اقتصاده ضعيفاً فإن إجمالي متوسط دخل الفرد السنوي والبالغ عدد سكانه عشرة ملايين نسمة لا يتجاوز600دولار،وفي فترة انعدام الدولة زادت الأوضاع المحلية تردياً فلم تتح الظروف فرص التعليم إلا لـ 10% من الطلبة والبالغ إجماليهم مليون طالب حيث لم يعد من وجود للمدارس الرسمية ليلتحقوا بها،بل حل محلها التعليم الأهلي وأقساطه الشهرية10دولارات، عجز عن سدادها العديد من الفقراء وضحايا الحروب،والأيتام،وراحت هجرة الكفاءات العلمية تزداد إلى الخارج بشتى اختصاصاتهم فلم يبق في العاصمة"مقديشو"سوى120طبيباً من اصل960 مجمل الأطباء في الصومال،ورغم وجود ثروات دفينة كاليورانيوم وخامات الحديد والقصدير،وتأكيد بحثي لوجود النفط بكميات تجارية، و امتداد شواطئه الغنية بالثروة السمكية التي تـُنهب من قبل الدول العظمى،إلا أن عوامل التخلف والظروف المضطربة دوماً حالت دون استثمار هذه الإمكانيات لتحسين الأوضاع المعاشية للصوماليين،وعبر الأزمنة الغابرة القديمة عرف الفراعنة والمصريون القدامى هذا البلد باسم- بلاد بونت- وأقاموا علاقات تجارية بينهما،أكدت هذه الحقيقة النقوش في معبد الدير البحري من عهد الملكة"حتشبسوت"في القرن الثامن عشر قبل الميلاد،إنما في نفس القرن ولكن بعد الميلاد كانت مقديشو تقع تحت سلطة"عمان وزنجبار"إلى أن تم التنازل عنها للإيطاليين عام1905،ومآسي الشعب الصومالي زادها الاستعمار الأوروبي القديم الحديث وليد تغول النظام الرأسمالي شدة وعمقاً،ففرنسا حطت رحلها على أرضه عام1872واحتلت ما يسمى اليوم بـ "جيبوتي"،ولحقتها بريطانيا فاحتلت ما أطلق عليه ظلماً الصومال البريطاني،واستولت إيطاليا على البقية المتبقية،وبمرور الزمن وانسجاماً مع السياسة الاستعمارية أهدت إنكلترا إلى إثيوبيا إقليم"أوغادين"وهو من مناطق احتلالها وعدد سكانه خمسة ملايين جميعهم مسلمون لضمه إلى رقعة أراضيها، وذات الارتكاب نفذته في الإقليم الشرقي مما احتلته فتركته لكينيا رغم أن سكانه عبروا عن رغبتهم بالانضمام إلى الصومال في الاستفتاء الذي أجري قبل استقلال كينيا إلا أنها لم تستجب لنتائجه ووهبت الإقليم وسلمته لكينيا،وما زال العلم الصومالي بنجمته الخماسية يرمز لهذه الأقاليم الخمسة.

وإقليم"جيبوتي"وفي ظل الأوضاع الدولية و بمباركة فرنسية متماشية معها أعلن استقلاله عن فرنسا عام1977،وحتى عن الصومال الأم،وفي عام1960كون ما سمي بالصومال الإيطالي والباقي من الصومال الإنكليزي بعد المنح التي قدمتها بريطانيا كونا و أعلنا معاً جمهورية الصومال،وبين عامي1977-1978دارت معارك بين جبهة تحرير الصومال الغربي(أوغادين)وساندتها حكومة جمهورية الصومال الجديدة وكان رئيسها سياد بري.من أجل

تحريره من أثيوبيا واستعادة أرضه وعلى الطرف المقابل دعّم الاتحاد السوفيتي السابق وكوبا وإسرائيل أثيوبيا وقدموا يومها لنظام"منغستو هيلا مريام"حليف الشيوعيين في القارة الإفريقية كل أنواع الدعم ،وانتهت الحرب بانسحاب الصوماليين من المعركة،وكعادتها في عدائها الدائم لكل عربي ومسلم باركت أمريكا الخطوة ووافقت على ضم أوغادين للحبشة ومنحه حكماً ذاتياً،ثم عادت إلى محاولاتها لتدمير هذا البلد فدعمت المعارضة ضد الحكومة الصومالية وبذلك سرعت مع عوامل الخلل في نظامها الديكتاتوري في إسقاطها عام1991.

وبسقوط النظام انتهى حكم الدولة المركزي،واستغل أمراء الحرب هذا الوضع وتوزعوا النفوذ على ما بقي من الأرض الصومالية،وحتى النفوذ في العاصمة اقتسمه البعض بينهم فزاد الطين بلة،وفي ظل هذا الوضع المفتت وفي أواخر عام1996غزت إثيوبيا أرض الصومال وسيطرت على ثلاث مناطق في جنوبه لكنها تراجعت عنها عسكرياً بعد سنتين.

وتمشياً مع الإستراتيجية الأمريكية في اعتماد نظرية"الفوضى الخلاقة"دعمت أمريكا الأمراء وأغدقت عليهم العطاءات المادية،وفي تبرير ذلك يقول جون رندرجات الخبير بشؤون القرن الإفريقي بمجموعة الأزمات الدولية في واشنطن:"أن الولايات المتحدة ليس لديها الآن ما تظهره لثلاث سنوات سوى الاستثمار في أمراء الحرب هؤلاء باعتبارهم العنصر الوحيد في إستراتيجيتنا لمكافحة الإرهاب في الصومال"،وفعلا ًاعتقل بعض زعماء الحرب نشطاء إسلاميين وسلموهم لأمريكا لاستجوابهم خارج الصومال،بل وشاركت ميليشياتهم في عمليات دهم مشتركة مع قوات خاصة من وكالة الاستخبارات الأمريكية في إطار حملة اعتقالات للحد من نشاط الإسلاميين تحت مصطلح ما أسموه"بالإرهاب"،ومثل هذه الأوضاع القاسية حركت وجدان وضمير رئيس جمهورية"الكونغو"وأثناء زيارته للبيت الأبيض انتقد الدعم الأمريكي لتحالف أمراء الحرب وطالب الرئيس بوش بإنشاء حكومة يتعين عليها أن تساعد الشعب الصومالي على أن تكون له حكومة حقيقية،واستمرت الأوضاع تحمل كل عوامل التجزئة والتدمير لكل البنى الصومالية وأمام انعدام الأمن وانتشار الجرائم وغياب لأجهزة الدولة القضائية بدأ ظهور المحاكم الإسلامية منذعام1991 وأغلبها لم ينجح وكان معارضاً لها الجنرال محمد فارح عديد –أمير حرب - المسيطر على جنوب العاصمة لكن في عام1994تم تأسيس أول محكمة شرعية عشائرية في القسم الشمالي من مقديشو،وبعدها بدأ انتشار فكرة إنشاء المحاكم الشرعية وأخذت كل قبيلة تنشئ محكمة خاصة بها،وطبيعة التركيب الاجتماعي الصومالي ساعد على تشكيل العدد الكبير من المحاكم،وساعدت المحاكم لتنفيذ أحكامها مجموعات من القوات العسكرية غير النظامية في إرساء الأمن،وفي عام2000عقد مؤتمر مصالحة في منتجع(عرتا)الجيبوتي أعلنت فيه المحاكم تأييدها له وشاركت فيه وصار لها نواب في البرلمان الذي عينت القبائل أعضاءه،وأيدت المحاكم الرئيس الجديد صلاد قاسم حسن المنتخب من المؤتمر نفسه ، لكن حكومة صلاد لم تدم طويلا وانهارت لاتهامها بدعم الإسلاميين وإعطائها لهم مناصب سياسية ونفوذاً، وعرقلة أمراء الحرب عمل هذه الحكومة ساهم في إسقاطها ،وانتخب بعد ذلك الرئيس المؤقت عبد الله يوسف في 14تشرين الأول2004المتواجد هو وحكومته في مدينة"بيدوا"،وليس له ولا لجهاز السلطة أي دور أو دعم من أحد،،و عام2005تم تأسيس المجلس الأعلى لاتحاد المحاكم الإسلامية ورأسه شريف شيخ أحمد وبقيت الأحوال كما هي إلى أن بدأت المحاكم الشرعية بتوحيد البلد وتخليصه من الأمراء،ومن ثم بدأ الصراع مع الحكومة الشكلية وتدخلت القوات الإثيوبية إلى جانب هذه الحكومة.

الموقع الاستراتيجي وعوامل الصراعات الإقليمية:

يقع الصومال ضمن القرن الإفريقي وله الأهمية البالغة لشركات النفط العالمية بسبب قربه من منابع بترول الخليج،ولأنه المدخل الجنوبي للبحر الأحمر شريان الحياة التجارية ، إضافة لثرواته الدفينة وغير المستغلة ومنها النفط ويبلغ حده البحري10.320كم لكن إثيوبيا دولة داخلية ليس لها من منفذ بحري ،ودول الجوار الملاصقة له هي جيبوتي،إثيوبيا،وكينيا،بينما السودان قريب والصلات بين السودان والصومال قديمة وعديدة.

ولو عدنا للتاريخ لوجدنا وفي عام1515انتصر الصومال على الأحباش الاسم القديم الذي أطلق على الإثيوبيين فكان طلبهم من الدول الأوروبية مساعدتهم فتدخلت في تلك الأيام البرتغال ووصلت قواتها إلى سواحل الصومال وأنهت الاحتلال .

ذاً الصراع قديم وامتد قروناً بين أخذ ورد ،وللتدليل على العداء المستحكم بين البلدين الجارين وبعد عدة شهور من انهيار نظام الرئيس سياد بري عام 1991 انهار نظام"هيلامريام"في إثيوبيا ويوم فراره من أديس أبابا قال:"لو كان لشعب إثيوبيا نصف عقل وإدراك لعرفوا أن لي فضلا عليهم فقد نجحت في إسقاط حكومة عدوهم،وها هي الصومال اليوم بلا دولة ولا نظام"،ويكمل قوله رئيس الوزراء الحالي"ميليس زيناوي"بإعلانه صراحة عن ضرورة تغيير مناهج التعليم في الصومال وإلا ستصبح طالبان جديدة في القرن الإفريقي.

العداء قديم أضيف له ضم هدية بريطانيا إقليم(أوغادين)الصومالي لإثيوبيا،والحروب المتجددة دوماً بينهما وكان آخرها في تسعينات القرن الماضي ليتوجها العدوان الأخير وإعلانها الحرب رسمياً في24ديسمبر - كانون الأول على المحاكم الإسلامية رغم الادعاءات بأنها حرب للدفاع عن النفس،و قد مهد للتدخل طلب الحكومة المؤقتة بحجة أنها استقدمت مدربين لتدريب جنودها،والدوافع الحقيقية للحرب تتمثل في الأهداف الإثيوبية الأساسية تجاه الصومال لإبقائه مقسماً،وإقامة جمهورية فيدرالية صومالية،وأن يتنازل الصوماليون عن"أوغادين"،والحكومة المركزية المطيعة يجب أن تبقى ضعيفة وأن تحد من تحالفها مع السودان حتى لا تكون في القرن الإفريقي حكومتان قويتان إسلاميتان،ويدعم إثيوبيا في توجهاتها كل من كينيا وأوغندا،بينما تدعم إريتريا الصومال لأنها كانت من ضمن مناطق الاحتلال الإثيوبي واستقلت عنه في أواخر القرن الماضي،ولا زالت إثيوبيا تريد استعادة أرض تزعم أنها احتلتها إريتريا بعد أن أعطيت لها من قبل لجنة ترسيم الحدود التابعة للأمم المتحدة عام2002.

وكينيا،وقد أهدتها أيضاً بريطانيا أرضاً صومالية(إقليم النفد)قال رئيسها السابق"أراب موي"خلال زيارة له لواشنطن مجيباً على سؤال وجه له لماذا لا يوجد في الصومال دولة موحدة؟!...فكان رده:"كينيا وإثيوبيا لن تكونا صادقتين في المصالحة الصومالية لأنهما تخافان إذا وجدت دولة صومالية أن تعيد نزاعها معهما للسيطرة على أراض منهما"وكان بذلك يخفي حقيقة ما سلب من أرض الصومال.

جيبوتي الإقليم الذي احتلته فرنسا من الصومال ونال استقلاله عن الصومال يتطلع إلى جعل الصومال دولة قوية تساعدها على حماية ذاتها لأنها دولة ضعيفة عدد سكانها500ألف نسمة انضم إليهم300ألف نسمة من اللاجئين الصوماليين.

من هذا العرض تتوضح بجلاء العوامل الأساسية لصراع قديم...قديم ولا بد أنه سيستمر طالما لم تخفف تأثيرات الأسباب المحركة له مؤقتا لإزالتها نهائيا فهي متمركزة بين البلدان المتجاورة حدودياً وإقليمياً من خلال زرع الاستعمار لعواملها،فتقديمه الأراضي هدية مجانية لبلد مجاور غير مراع لحقوق وطنية ثابتة ولا لانتماءات عرقية أو فكرية،بل ومن الأكيد المؤكد تقصده ذلك لزرع الفتن والمشاكل التي تتحرك أو يحركها بذاته ليبقى الحقد مسيطراً على الشعوب لاستنزاف إمكاناتها حتى تبقى في حالة من الوهن والضعف.

الصومال تكونت مقوماته عبر تاريخ قديم ممتد في عمر الزمن فكانت له خصوصياته الطابعة المطبعة له فعشائره متعددة يجمعها معتقد الإسلام وإثيوبيا يتناقض تكوينها مع التكوين الصومالي ومثلها غينيا، إضافة لطموح إثيوبي لإعادة سيطرتها ولإيجاد منفذ بحري لها على البحر ،والعداء يبلغ شدة لا متناهية بين إريتريا والحبشة إذ كانت الأولى مستعمرة إثيوبية استقلت عنها في النصف الثاني من القرن الماضي.

مثل هذه التناقضات تفسح المجال للاعبين غرباء آخرين للاستفادة منها وتحقيق غاياتهم ومراميهم وطموحاتهم.من هنا تبرز أدوار أمريكا وإسرائيل والاتحاد الإفريقي .

والإستراتيجية الأمريكية لم تعد بحاجة إلى المزيد من التوضيح فأحداث المنطقة ومآسيها كشفت دورها وعرته...في طمعها اللانهائي بالنفط،وخلخلة وإضعاف المنطقة العربية بل إصرارها الدؤوب على المزيد من الإضعاف لتحصل على ما تريده من ثرواتها النفطية والمادية،وإبقاء أنظمتها تحت السيطرة لا قبل ولا قدرة لهم لرفض ولو جزء من إملاءاتها صغرت أم كبرت واستهدافها الرئيسي يتركز على محاولات تشويه الذاكرة العربية أو محوها من خلال حربها على الإسلام العماد والركن الأساسي للشخصية العربية،وكنز ثقافتها تحت عنواين شتى فمن الإرهاب- إلى التشدد- إلى الاعتدال- إلى الأصولية......

تتلاقى إسرائيل العدو المحلي مع هذه الأهداف جملة وتفصيلا ًولذا كان التحالف الاستراتيجي بين البلدين، فهي الأداة المنفذة في أغلب الأحيان للسياسات الاستعمارية منذ بدء نشوئها،والثمن المعطى لها في الخطط الأساسية الأمريكية دعمها لإبقائها أقوى من مجموع دول المنطقة ولتحقيق زيف أحلامها التوراتية ،والمبادئ العامة للسياسات الأمريكية ثابتة لمدى يطول ويصعب بل يستحيل تغييرها عبر القنوات الدبلوماسية لأنها تعبر عن مصالح الاحتكارات الرأسمالية،وما يهمنا شطرها في القرن الإفريقي فلقد وقفت إلى جانب إريتريا في حربها ضد إثيوبيا يوم كان نظامها أقرب منهجاً وتحالفاً مع الاتحاد السوفيتي،وغيرت سلوكها بعد سقوط النظام بل واعتمدت النظام الجديد المتعاون ومن ثم المتحالف معها الركن والعماد في تحركاتها في هذه البقعة،خاصة على الطرف الصومالي ,و لأنه في إطار المجموعة العربية المسلمة نهجت معه"دبلوماسية الدولار"في إغداقها الأموال على أمراء الحرب لتعزيز مواقعهم الانفصالية.

ومسؤول الشؤون الإفريقية في وزارة الخارجية الأمريكية وبعد زيارته لكينيا وإثيوبيا وجيبوتي حيث أوجد الأمريكيون قواعد لهم في الأخيرة ، وبعد عودته عقد مؤتمراً صحفياً في جنوب إفريقيا قال فيه:"لولا مخافة إزعاج بعض أصدقائنا العرب لكلفنا إثيوبيا بملف الصومال"،ومن جيبوتي قال قائد القوات الأمريكية للمراكز العسكرية فيها:"قررنا أن تكون إثيوبيا مندوبتنا لحماية الحدود الصومالية من تسلل الإرهابيين ورصد تحركاتهم"،وسابقا جربت أمريكا التدخل المباشر في الصومال عام1994تحت عنوان حفظ السلام وبغطاء أممي لكنها انسحبت بعد أن قتل18جندياً لها مُثل بجثثهم وسحل بعضها في شوارع مقديشو ولم تطل مدة بقائها،وعن ذلك يقول"جون بريندر غاس"عضو مجلس الأمن القومي والخارجية:"لقد تفجرت شظايا السياسة الأمريكية في وجوهنا،وعززنا صفوف الذين كنا قلقين من وجودهم"،ويتوج خطاب الرئيس بوش أمام الكونغرس عام2002في شمولية خطته للمنطقة فيبدي اعتزازه وافتخاره بإرث أسرته في محاربة الإسلام،وهكذا فالمصالح تتلاقى والتحالفات تجد المتنفس لبرامجها فيأتي الدور الإسرائيلي في محاولات هدمه للإسلام والحد من امتداده في هذه البقعة فيقيم تحالفاً شبه دائم مع إثيوبيا،وبدعمها أثناء الحرب الدائرة بينها وبين إريتريا لضمها ميناء عصب وغالبية سكانه من المسلمين بناء على قرار لجنة الأمم المتحدة و وجود مجموعة يهودية في إثيوبيا(يهود الفلاشا) يعزز ويقوي التحالف .

وهكذا وقبل النجاحات التي حققتها المحاكم الصومالية من بدايات لتوحيد الوطن وإلغاء أدوار الأمراء،كان الصومال في زوايا النسيان ولم يكن يهتم أحد به بينما عوامل ألحت تنخر في جسده،وفجأة و مع بدايات تصحيح الأوضاع وخوفاً من نجاحها ولإعادتها إلى سابق عهدها صحت فجأة الحكومة الانتقالية من سباتها الذي استمر لأكثر من عامين،وطالبت بقوى دولية للحماية وتنادت أمريكا لعقد اجتماع للدول المعنية بالقرن الإفريقي لتغطي مراميها من خلاله،وانعقد مجلس الأمن ورفع حظر السلاح عن الصومال والذي قرره سابقاً ليتيح لإثيوبيا بالدخول والتدخل ،وذهب الخجل الأمريكي من مخافة إزعاج الأصدقاء العرب كما قال مندوب وزارة الخارجية،وكلفت إثيوبيا بما يسمى الحرب بالوكالة فالتجربة الأمريكية القديمة مرعبة وأوضاعها في العراق وأفغانستان لا تحتمل مغامرات جديدة،لكنها دعمت القوات الإثيوبية الغازية بالأسلحة وبمعلومات استخبارية عن مواقع جنود المحاكم الإسلامية،وطبيعي أن تتحالف كل القوى المعارضة مصالحها ضد عودة الصومال إلى وضع مقبول وممكن له فكان الدعم الإقليمي المعادي إرثاً،وكان الدعم للمستعمر القديم إنكلترا الداعمة والسائرة دوماً وراء كل موقف أمريكي مدمر في مناطق نفوذها القديمة،أما عن الموقف العربي فمنذ أن أصبح التضامن العربي في حده الأدنى ودفنت اللجان المشتركة في الجامعة العربية وخاصة لجنة الدفاع المشترك بعد اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر والعدو الإسرائيلي لم يعد للعرب من موقف موحد، والخارطة العربية وما يجري عليها من تدمير ومحو ومسح يؤكد هذه الحقيقة،بل تتواجد أحياناً مواقف قطرية تتوافق وسياسات محدودة الأهداف.

لقد اتهمت الأمم المتحدة في تقريرها الذي نشر في منتصف نوفمبر(كانون الأول)عشر دول بانتهاك الحظر الذي فرضته المنظمة الدولية في عام1992على توريد الأسلحة للصومال،وجاء في التقرير أن سبعاً من هذه الدول وهي سوريا وإيران وإريتريا وجيبوتي ومصر وليبيا والمملكة العربية السعودية قد زودت اتحاد المحاكم الإسلامية بالمسلحين بينما يذكر التقرير أن ثلاث دول تقدم السلاح إلى الحكومة الصومالية الانتقالية وهي إثيوبيا وأوغندا واليمن والدول السبع قدمت السلاح للمحاكم،لكن معظم الدول التي ورد اسمها في التقرير رفضت التهم الموجهة إليها.

حقيقة ثابتة فلكل صراع مسلح ركنان أساسيان هما الإرادة والقوة،والإرادة قوة تصميم هائلة تدعمها الشعوب إن حملت أسساً قيمية إنسانية اعتنقها سدنتها وخدامها،ولذا فهي العامل المتفوق على القوة،وهي خالقة مبدعة للقوة المتنامية عبر أيام الصراع،وهي المنتصرة أبداً ودوماً،وعلى العكس فالقوة الظالمة التي خلّفت المعاني الإنسانية وراءها فهي منهارة وساقطة لأن الإرادات الخيرة تتفوق عليها......إنها حقيقة في مدرسة الحياة مرت بها البشرية قديماً فالاحتلالات والغزوات إلى هزيمة ونهاية، وفي أيامنا المعاصرة وحديثاً وفي القرن الماضي انتصرت الإرادة الفيتنامية على القوة الأمريكية وفي العراق انتصرت الإرادة الحرة أيضاً ضد الاحتلال،وذلك أيضاً في لبنان، وقد يتأخر النصر حيناً لكنه قادم.

الشعب الصومالي ومحاكمه الإسلامية وإرادتهم في العيش كباقي الشعوب معتنقاً ومتمسكاً بإرثه الديني الإسلامي ووطنه إنما الدعم قليل من المتوجب عليهم دعمه يقابله حلف قوى غاشمة تحوي في داخلها العداوات القديمة والمصالح المراد تثبيت ضلالتها،وأحقاد ومصالح استعمارية جميعها متحالفة ضده.

ي حرب بالوكالة يقوم بها الحلفاء العملاء لأقطاب النظام الرأسمالي،وهي دبلوماسية بالوكالة نشطاؤها بعض من المتخفين غير الظاهرين من ذوي المصالح والنفوذ،وآخرون يسارعون لأداء أدوار رسمت وطلبت منهم فلا نستغرب الاهتمام الدولي المفاجئ بعد أن احتلت إثيوبيا الصومال،وتصريحات مسؤوليها متناقضة بين حين وآخر عن موعد انسحاب قواتها،والحكومة الانتقالية التي صحت من غفوة"أهل الكهف"تطالب ببقائها بل قام مسؤول منها ليشرع لإقامة وحدة بين المحتلة أرضه وبين المحتل.

لكثرة التداخلات من إقليمية ودولية،ولتعارض المصالح بين اللاعبين في أجزاء منها سيبقى الوضع الصومالي مضطرباً.

أمريكا تريد مسح الهوية القومية الدينية للبلد وإبقائه ضعيفاً ومجزأ الإرادة إن لم تتمكن من العودة لتجزئته فعلا بفعل العوامل الداخلية المؤيدة وإثيوبيا تريد تثبيت احتلالها،وتشاركهما كينيا ذات التوجه،للحصول نهائيا على الأقاليم قديمة الاحتلال عبر اتفاقات توقع ومعاهدات تبرم وإسرائيل تريد التواجد بأي شكل على الأرض الصومالية وإنكلترا مرحبة،والاتحاد الأوربي تحرك بعد أن آلت الأمور لما هي عليه الآن بل إن دولا ًمنه في أقصى شمال القارة راحت تقترح حلولا ًوحتى بالوكالة أيضاً،وكينيا تفرض الحصار وتطرد اللاجئين،وأمريكا تحاصر البحر،جميعهم شحذوا سكاكينهم لمحاربة الفئة المؤمنة والتي لم تستطع أن تقاوم الجيش الإثيوبي في عصر البطولات "الخارقة " حيث تفتح المسالخ لذبح الفقراء والضعفاء.....والمسالخ تتوسع قدرة وتتزايد أعدادها، كل ذلك لن يوصل الصومال إلى حل سياسي للتجاذبات المصلحية حيناً وللتعارض بينها أحيانا،لذا فالحل أن تبدأ المقاومة وتنضم إلى قافلة المقاومات في المنطقة،والنصر سيكون حليفها لأنها تعتمد قدراً متواضعاً من القوة العسكرية يرفده قدر هائل من الإرادة الثرية بالإيمان بالله والوطن والحق.

ولمعرفة أين يتموضع الحق ويتجنى الظلم ففي تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة الأخير والذي يصدر كل عام أضيف الصومال إلى ما قبل نهايات سلم التصنيف فأعطاها الرقم161من بين الدول المتدينة مستويات معاشها وحياتها الـ163في العالم.

قد سبقت الصومال أدنى دولة بدرجتين وبيّن التقرير أن من كل أربعة أطفال يموت طفل قبل بلوغ خمس سنوات،ويشرب أقل من25% منهم ماءً نظيفاً،والتعليم في أدنى مستوياته فرغم قلة الأطفال الملتحقين بالمدارس الأهلية كما ذكرنا فإن واحداً من ثمانية يكمل تعليمه بعد المرحلة الابتدائية،وعن الأوضاع الصحية فالحديث عنها مؤلم ومحزن.

وفي الأيام الأخيرة وفي رد لوزير خارجية " جيبوتي " محمود علي يوسف على سؤال صحفي - هل انتهت المحاكم الإسلامية ؟ ...أجاب " إن الأيام والأسابيع القليلة المقبلة ستحمل إلينا إجابة على هذا السؤال مضيفا إن الحملات العسكرية جربت في الصومال سابقا ولم تنجح ولم تأت إلا بمزيد من الدمار والخراب للصوماليين ,وحديثه يؤكد أن الحروب لا تورث إلا المشاكل والمآسي وأحقاد تزرع بين المتحاربين تبقى دفينة عبر الأيام والزمن , وبعد كل احتلال يتبارى أصحاب الآراء العقيمة النتنة المغلفة بالمصالح ليتحدثوا عن حلول وتسويات غالبا ما تكون لمصلحة المحتل والقوى الداعمة له , لذا تبقى الارتكابات على حالها والظلم مكانه حيث زرعته القوى الغاشمة إنها عوامل دفينة تتحرك الشعوب كفاحيا لإزالتها , ويحلو لبعض عتاة السياسيين المناورين تغطية التسويات باسم السلام وفي ذلك الكذب بأعمق أعماقه وبأغنى دجله وتدجيلا ته فالسلام لا يكون إلا بإعادة الحقوق كاملة دونما نقصان لأصحابها فلا سلام على أرض عربية لم تعد لها كامل حقوقها والمقاومة واجبة وهي حتمية ولا خيار لطريق آخر , وفعلا ففي الأيام الأخيرة بدأ ت الأخبار تنقل بدايات عملياتها على الأرض الصومالية والقادم أكبر وأوسع , مما حدا بأمريكا للكشف عن حقدها فقصفت الجنوب الصومالي بطائراتها تحت عنوان ضرب قواعد الإرهاب .

وأخيراً لا بد من القول:"آه أيتها الإنسانية كم من الجرائم ترتكب باسمك".