نبدأ الصحيفة من نهايتها، لأن النجوم لا يسرقون الأبصار، لكن الكتابة منذ عهد رفاعة الطهطاوي اكتسبت مظاهر "الهيبة"، ثم احتلت مساحة حياتنا لتصبح الجرائد محفوفة بالمخاطر والتوقعات التي ترمينا من مساحة لأخرى، فنبدأ بقراءة الصفحات الأخيرة لنتذكر بأن النجوم يملكون مكانا في عالم يحاول اختصار الأشخاص، ثم يبهرنا بنجم، أو حتى بمنوعات لا ندري لما نقرؤوها وسط ضجيج السياسة.

وعندما نبدأ الجرائد من النهاية فإننا نعرف أن المكان الحقيقي هو لعمليات الإبهار التي يستطيع البعض فرضها علينا، بينما نبحث أحيانا عن هوامش لمكان لنا على امتداد الحياة، فما يطمح إليه القارئ لا يرتبط بنجوميته بل بحقه بأن يمتلك المكان الذي يسمح له بالإحساس بالحياة، وربما تبقى صفحة "النجوم" العلامة الفارقة للحلم بأن "النجومية" أمل الذين يبحثون عن انفسهم خارج العناوين العريضة، أو سرعة الأحداث، أو حتى الصورة النمطية للإعلام العربي، حيث لا مكان إلا للعبارات الحدية التي تضعنا وسط خيارات افتراضية لعالم الاتصال.

وأتخيل أحيانا أن حجم الصور البراقة لا تشكل نكسة للقارئ، فخطف الأبصار ربما لا يعنيه، لأن القياس الحقيقي بدأ عندما استطاع العالم قياس ما لا يراه من الوجود الذي بدأ بتصور الذرة ولم ينته بالإلكترونات و "الكواركات" ... بينما لا يستطيع البعض قياس ما يلامس حياته من بشر يموتون ويولدون، ولا أحد يذكر كيف ظهروا ولماذا! وربما لهذا السبب اخترع رؤوساء التحرير زوايا في الصفحات الأخيرة يريدونها بخفة الخبر بينما يطمح "نجوم" الأدب لاستثمارها طالما بقيت القراءة ترفا للنخب التي ظهرت على مساحة حياتنا.

في زوايا الصفحات الأخيرة محاولات لحجز مكان ... للبحث عن المواقع التي لا يستطيع البعض رؤيتها، لكنها لأشخاص لا يمتلكون نجومية اللحظة، ويريدون رسم موقعهم على شاكلتهم، فيؤكدون بكلمات ساخرة أن أغلبية القراء تريد أن تجد موقعا في الحياة بعيدا عن النجوم، ولكن ببقاء أضوائهم، لأن أضواء الإعلام تسلينا كهواية أزلية، لكنها في النهاية صورة لأنفسنا التي تريد أن تستمر في هذه الحياة دون عناء "حجز" مساحة لها في آلية العيش... أو تمتلك الجرأة كي تقول بأنني أريد مكانا، ومن حقي أن أكون وفق مقاس يخالف النجوم لكنه على الأقل أكثر شيوعا في الحياة.

وإذا امتلك الإعلام الجرأة سيعيد آلية القراءة لموقعها، فنبدأ الصحيفة من أولها لنبتسم ونحلم قبل أن نرسم الخوف من "الخبر السياسي"، أو نرفع ابتهالات بعد صدمة جداول الاقتصاد، أو حتى توقعات النجوم ومطولات المثقفين.

لمن لا مكان له فإن "زاوية" النهاية ستنقله إلى محاولة إيجاد مساحة له رغم أنف التجاهل الذي يفرضه الجميع، فهو باق بنفسه سواء تعامل مع الإعلام أو بقي في "ظل" الحياة.