في حديث دار منذ أيام مع بعض أفراد نخبة أحد الأحزاب العريقة حول الواقع الإقتصادي وإمكانيات التعامل معه وتحسينه على ضوء المشروع الإصلاحي القائم حالياً في القطر، كان معظمهم يصر بأن النظرية الإقتصادية لدى حزبهم، قد وضعت " للدولة القومية " ولا يمكن تصورها وتطبيقها إلا في هذه الدولة التي يسودها " الإنسان الجديد " ( طبعاً الطاهر قومياً )، وهي وضعت لإقتصاد يمتد عبر كل كيانات الأمة عندما تتوحد، بعد أن " ينتصر " فكر الحزب، عندها سوف تحول هذه النظرية إقتصاد الأمة لإقتصاد مزدهر من أقوى إقتصادات العالم.

ولكن يا سادتي، قلت لهم، ألا ترون بأنه لن يأتي أحداً ليقيم لنا هذه " الدولة القومية " بطرفة عين وبعصاً سحرية ومن ثم يقوم بدعوتنا لنطبق نظريتنا الإقتصادية، وبأنه يفترض بنظريتنا الإقتصادية وكل أخواتها من نظريات اجتماعية وسياسية وخارجية وداخلية وسكانية و...، يفترض بهم أن يكونوا في أساس العمل للإنتقال إلى " الدولة القومية " ( لا العكس ) ونحن محكومون حتماً، عندما ننطلق لنطبق نظرياتنا، بواقع إقتصادي واجتماعي وديني وسياسي ودولي وإقليمي وغير ذلك، في نقطة زمنية معينة وفي "كيان " معين من كيانات الأمة من أجل أن نبدأ بوضع نظرياتنا موضع التطبيق، وأن هذا بالضبط ماأراده المعلم؟ الجواب: هذا الواقع الذي تذكره لايعبر عنا ولسنا معنيين به. طبعاً لا فواقعنا دائماً هو في دفء لاهوتنا المقيم داخلنا.

أفراد من نخبة حزب آخر لايقل " عراقةً " عن الأول يصرون بأن نظام وفكر حزبهم الإقتصادي " وغير الإقتصادي " هو صحيح لاغبار عليه، وما وصل إليه هذا الفكر والنظام من فشل وخيبات وكوارث بعد أن طبق في بلدنا وبلدان عديدة من العالم هو نتيجة لمؤامرة أعدائه وفساد تطبيقه من قبل من طبقوه، أما الفكر والنظام بحد ذاتهما فلا غبار عليهما وهكذا دواليك، فلكل نخبة حزب علماني لاهوت خاص بها فتنفصل عن الواقع، طبعاً هؤلاء هم اللاهوتيين " العلمانيين " من الأحزاب العلمانية ونحن لن نذكر الدينيين الأصيلين، الذين يصرون بأن الإسلام هو الحل وبأن جميع المسائل الإقتصادية وغيرها طبعاً، ستحل فوراً بالمجتمع الإسلامي، والجواب على أسئلة من نوع ولكن لماذا لم يكن الإسلام هو الحل في أي مرحلة تاريخية سابقة بسيط: سبب الفسل في الماضي هو ترك مبادىء الإسلام الصحيحة والفتن والحروب الداخلية.

بالنتيجة تفكير لاهوتي وديني قاتل يقيم بعناد في عقول نخبنا وتاريخنا يرفض أن يبارحهم على الرغم من لطمات الماضي البعيد والقريب والواقع الذي لايرحم بكوارثه الممتدة من الإقتصاد إلى السياسة إلى كل شيء.