ليست أزمة عندما يقرر أطراف المذاهب الحوار والنقاش، أو حتى مقارعة بعضهم بالحجج و"البراهين".. وربما يزدهر "الفكر الديني" عندما يقرر "رجال الدين" كسر حواجز حلقاتهم والانطلاق للبحث مع الآخرين في "أزمة الفكر التراثي"... فالأزمة تظهر عندما يبدأ "هؤلاء الرجال" بتفصيل الدولة على مقاس التقسيم التراثي، وباتجاه اللون المذهبي لنعيد تصنيف الدول على مقاسهم بدلا من المفهوم الحقوقي لها وارتباطها بهوية خاصة بها.

هذه الصورة التي تظهر اليوم وسط تصاعد الحديث عن "الصراعات المذهبية" يتمسك بها الإعلام محاولا تكوين معركة هدفها النهائي "تثبيت" صورة الصراع على شكل جديد، أو حتى دعم النتائج التي كرستها الحرب في العراق .. فعندما ينقلنا أصحاب العمائم إلى مساحات من التراث منسية، ندرك أن حدة الاقتتال الذي بدأ منذ معركة الجمل مازال موجودا في طبيعة رؤية البعض لمصيرنا الحالي بعيدا عن الحروب الأمريكية، أو معركة الحداثة.

وليست أزمة أن يتفق عالمان على "فضائية" ما حول "شرعية" مقاومة الوجود الأمريكية في العراق، لأن هذه المقاومة أخذت شرعيتها قبل أن يقدم أحد "فتواه" بشانها، وهي واقع اجتماعي يظهر بشكل تلقائي في حال الاحتلال، ولا يقتصر على العراق، فما جدوى إصدار فتوى بحق "حالة" اجتماعية لا تقتصر على دين أو جنس أو بلد!!

ما تفتحه سجالات التراث اليوم هو نبش المدفون واعطائه حقا في الحكم على مصيرنا. وهو أيضا أحكام يتمثلها البعض لتنتهي إلى صراعات دُفنت عبر الزمن، لكننا قادرون على إحيائها نتيجة فشلنا في صراعاتنا الحالية... فتصبح "موقعة الجمل" بداية المستقبل بدلا من حدث سجل تاريخه الخاص ونتائجه التراثية.

في السجالات اليوم بين المرجعيات الدينية، وآخرها ما بثته فضائية الجزيرة بين "العلامة" يوسف القرضاوي وآية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني، تكسير للدولة وتحويل للحقوق المدنية فيها إلى مجال ينتمي لما قبل الدولة، لأننا إذا تجاوزنا إجرائيا على الأقل مفاهيم الحداثة للدولة، فإننا سنجد أن التقسيم الذي يوضع اليوم وفق التراث سيجعلنا في دائرة "الجموع البشرية" بدلا من المجتمعات.

ليست الأزمة في "التوحد" الإسلامي ... لأننا على ما يبدو نملك وحدة لا تخرق في طرح كل التراث امامنا ليبقى الحاضر الأبدي ... فالأزمة تظهر عندما نريد بالفعل أن ننظر إلى أنفسنا كمواطنين في دول حديثة، بدلا من "رعايا" داخل "امبرطوريات التراث".