لا نستطيع تجنب المقاربة التي تظهر بعد أربع سنوات على احتلال العراق، فهناك أشكال من التبدل في الأدوار أو في تحقيق التقييم الموضوعي لما تثيره النتائج التي ترتبت عن العمليات العسكرية أو محاولات تركيب جيوبولوتيك "شرق أوسطي".

فالدور الإيراني الذي يبدو اليوم وكأنه "قلق" عام ينسحب بالاتجاه "المذهبي" أكثر من كونه "واقعا" سياسيا، ظهر عمليا مع انتهاء العراق كـ"دولة" ومع تراجع الموقع التركي أيضا في ظل انتهاء الحرب الباردة، والتغيرات التي تعيشها السياسة التركية أيضا. لكن هذا الدور يقدم على مساحة من "الاقتسام" المذهبي، ويتم إسناد أدوار سياسية لرجال الدين، بعد أن تم تعيميم تجربة الأحزاب الدينية في العراق، فيصبح الحديث عن الدور الإيراني مجرد "هواجس" داخل الشارع السوري على سبيل المثال، ويتعامل معه "رجال دين"، مع كل الاحترام لهم، لكنهم الوحيدون الذين يقدمون الرأي في مسائل يجب ان تبحث على المستوى السياسي بالدرجة الأولى.

والدور الإيراني عندما يعالجه "المركز العربي للدراسات الاستراتيجية"، فإن المثقفون السوريون عليهم أكثر من مسؤولية نقل "الهواجس"، فهناك خلل حققته الحرب في العراق بصياغة المواضيع السياسية على أساس "تراثي".. وهو المسألة الأكثر خطورة على المنطقة ككل وليس على على مستوى المجتمع السوري.

والندوة التي أقامها "المركز العربي للدراسات الاستراتيجية" وتناقلت أخبارها بعض الصحف العربية والمواقع الإلكترونية السورية، هي في النهاية تعكس الصورة التي ارتسمت على مساحة ثقافة "النخب" بعد الحرب، فتخلخلت المفاهيم، وانتهت "الديمقراطية" إلى مساحات "الجماعات"، فلم تعد المسألة طرح أسئلة فقط حول طبيعة الأفكار التي تمت إزاحتها بالحرب، بل أيضا على نوعية الثقافة السياسية التي تنتشر اليوم على سياق "الشرق الأوسط الجديد" الذي تعثر سياسيا على ما يبدو، لكنه حقق حضوره على المستويين الإعلامي و "النخبوي".
الهاجس السياسي يمكن أن يعيد رسم "الدور" الإيراني"، لكن القلق "الآخر" يبدو من الصورة التي يتم بها التعامل مع هذا الدور، لأننا يمكن أن نرى دول المنطقة على سياق "إمارات" القرون الوسطي، فيبدو المشهد أمامنا محاولة "اختراق" تراثي. وفي المقابل فإننا نستطيع أن نبدء بتحليل ما يحدث على سياق الدول الحديثة، وعندها نستطيع أن نفهم "الدور السياسي" بالدرجة الأولى لأي طرف في المنطقة دون أن نجعل الصراع الإقليمي على سياق "المرحلة العثمانية".