في نهاية شهر آذار المقبل من المقرر أن تلتئم القمة العربية في جدة في المملكة العربية السعودية. وهذه القمة تواجهها تحديات كبيرة خاصة وأنها تأتي في ظل حالة من الانقسام العربي وبعد حرب إسرائيلية على لبنان في تموز الماضي تباينت فيها المواقف الرسمية، وأيضاً في أعقاب خلافات فلسطينية فلسطينية كادت أن تشعل حرباً أهلية مدمرة لولا مساهمة عربية ساعدت (الإخوة الأعداء) حركتي حماس وفتح الفلسطينيتين في وضع حد لتلك الخلافات.

إن أمام جدول أعمال القمة العربية القادمة، كما أسلفنا، تحديات كبيرة تفرض على الدولة المستضيفة وجامعة الدول العربية بذل الكثير من الجهود المضنية لأجل إنجاحها ومشاركة عموم قادة الدول العربية، صحيح أن ذلك قد لا يتحقق كما جرت العادة، إلا أن هذه القمة بالذات تستدعي ضرورة العمل على طي الخلافات القائمة وخاصة تلك الموجودة بين دول عربية أساسية ومركزية. نقصد البرودة وحال الجليد التي تخيم على العلاقة السورية السعودية من جهة والسورية المصرية من جهة ثانية، ولا ننسى الأزمة اللبنانية التي ما زالت ترخي بظلال سيئة على علاقة بيروت بدمشق منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري.

لقد كان للحرب الإسرائيلية على لبنان في شهر تموز الماضي دور كبير في حصول هذه الخلافات وتعمقها على خلفية المواقف المتباينة لكل من دمشق والرياض والقاهرة، فسوريا شعرت وقتذاك أن واجبها القومي والعروبي أن تقف إلى جانب حزب الله ولبنان في تلك المرحلة، ولم تتوقف عند أسباب الحرب وفي ما إذا كان حزب الله يتحمل مسؤوليتها أم لا؟ لقد كان هم دمشق أن تقف عند تلك اللحظة ورأت أن لا وقت لتحميل الأخطاء لأحد بل الواجب يفرض أن تساند الحزب لطالما كانت إسرائيل تنتظر حجة لشن الحرب وفرض وقائع سياسية جديدة على المنطقة بعد الحرب الأمريكية على العراق، كذلك ظهر أن إسرائيل تسعى إلى ضرب التحالف السوري الإيراني اللبناني الفلسطيني ممثلاً بحزب الله وحركة حماس.

أما بعض الدول العربية وهي (السعودية ومصر والأردن) فقد كان لها وجهة نظر مختلفة، لا بل وجهة نظر أزعجت دمشق، تقوم على تحميل حزب الله اللبناني مسؤولية تلك الحرب ووصفت عملية خطفه لجنديين إسرائيليين بالعمل غير المحسوب. ما يعني أن السعودية ومصر والأردن اختاروا موقفاً متعارضاً مع الموقف السوري، وهذا بدوره استدعى ردود أفعال سورية عبر عنها الرئيس بشار الأسد خلال إحدى خطبه حين وصف مواقف بعض المسؤولين العربية في تلك المرحلة بأنها مواقف (أنصاف رجال).

هذه هي جذور الخلافات السورية السعودية المصرية، لكن ورغم مضي نحو نصف العام وأكثر على تلك الحرب لم يحصل أن حاولت إحدى هذه الدول كسر جدار الخلاف القائم بينها، رغم أن مسؤولين سوريين زاروا القاهرة والرياض في إطار المشاركة في فعاليات إسلامية واقتصادية ثنائية.

وعودة إلى القمة العربية المقبلة، فلابد من القول أن أكبر التحديات التي تواجه الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية هي قدرته على لم الشمل العربي وسعيه لإشراك سوريا من خلال تمثيل عال يجسده رأس الدولة السورية، أما غير ذلك فسيكون مؤشراً على استمرار الخلافات الثنائية، لا بل ربما تشهد مرحلة ما بعد القمة تكريساً وديمومة لتلك الخلافات، حيث من غير المتوقع أن تشهد العلاقات الثنائية انفراجاً متوقعاً فيما لو لم يحضر الرئيس الأسد.
فالقمة مع حضور سوري من هذا المستوى ستعني أن لقاءات قمة جانبية ستحصل على هامش أعمال القمة، بين الرئيس السوري والملك السعودي وبين الرئيس المصري.

لكن ذلك وليتحقق لابد أن يستدعي أيضاً جهوداً إضافية من الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي زار دمشق منذ نحو ثلاثة أسابيع، ويعتقد أنه فتح هذا الموضوع والمشاركة السورية مع المسؤولين السوريين الذين التقاهم وفي مقدمهم الرئيس الأسد. نقول ذلك لأنه وإلى اليوم لم يتضح مستوى التمثيل السوري الرسمي، حيث يعتقد أن ذلك سيتحدد خلال الأيام المقبلة وسيفرضه مستوى تحسن العلاقات بين البلدين خلال الفترة المقبلة التي ستسبق انعقاد القمة.
أيضاً لابد من التذكير أن مندوباً سعودياً قيل إنه زار دمشق في غضون العشرة أيام الماضية، وأنه التقى الرئيس السوري، وسلمه رسالة من الملك السعودي.

(أبيض وأسود) سألت مصدراً دبلوماسياً عربياً عن حقيقة هذه الزيارة فلم ينفها كما أنه لم يؤكدها، لكنه أكد (من الطبيعي أن يرسل الملك عبد الله موفدين إلى عموم العواصم العربية لتسليم زعماء تلك الدول دعوات لحضور القمة).
أيضاً تابعت (أبيض وأسود) هذا الملف من خلال مصادر أخرى، فكشفت أن دولة غير عربية سترسل خلال الأيام القليلة المقبلة (شخصية رفيعة المستوى إلى دمشق) لأجل لعب دور وساطة بين دمشق والرياض قبل القمة، مع العلم أن هذه الدولة ذات الوزن الإقليمي تحتفظ بعلاقات قوية ووثيقة مع دمشق منذ عام 1998 كما أنها تحتفظ بعلاقة طيبة مع الرياض، ولها ثقلها على مستوى منظمة المؤتمر الإسلامي.

أيضاً وفيما يخص العلاقة السورية المصرية ينطبق الشيء ذاته لكن مع فارق أن العلاقة بين القاهرة ودمشق أقل توتراً ربما بسبب ابتعاد مصر وعدم انغماسها وتدخلها المباشر في الملف اللبناني كما السعودية التي تدعم فصيلاً وتياراً سياسياً هو اليوم على مسافة بعيدة لا بل ربما عدائية من دمشق.

وحقاً وفيما لو سئل أي مسؤول سوري أو مصري عن رأيه بما آلت إليه العلاقة بين البلدين هذه الأيام فسيؤكد متأسفاً على استمرار (الجفاء) بينهما، لكنه سيتكلم جازماً وبيقينية فيما بعد عن عودة دفء لا بد آتية رغم كل ما شاب العلاقة منذ (حرب تموز).

منذ أيام أخبرنا دبلوماسي مصري في دمشق (العلاقة التي تربط دمشق والقاهرة، والرئيس مبارك بالرئيس بشار الأسد أكثر من خاصة) ويضيف (لا أحد ينسى أن الرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيس حسني مبارك كانا زملاء وأصدقاء (طيارين حربيين) قبل أن يصبحا رئيسين). ويتابع (لا ننسى الوحدة بين البلدين (1958-1961)، والمعارك المشتركة التي خاضها البلدان دفاعاً عن قضية ومبادئ واحدة "حرب تشرين 1973"). ليخلص (العلاقة بين الرئيسين مبارك وبشار الأسد والبلدين عميقة وخاصة رغم كل ما يشوبها اليوم).

كلام هذا الدبلوماسي صحيح، بل ما أكده حصول اتصال هاتفي منذ أقل من شهر بين الرئيس بشار الأسد ونظيره المصري. وقد أتى ذلك في أعقاب الخلافات الفلسطينية - الفلسطينية وما قامت به إسرائيل من أعمال حفر في المسجد الأقصى في القدس.
وعودة للعلاقة السورية المصرية، يجب الاعتراف أن ثمة دبلوماسيين هنا وهناك يسعون (لحلحلة) ما أصاب العلاقة وإعادة الدفء لها، لكن يجب أن نبقى متذكرين دائماً أن (رؤوساً حامية) مازالت مؤثرة وموجودة هنا وهناك رغم مركزية صناعة السياسة الخارجية واحتكارها من قبل المؤسستين الرئاستين في البلدين.

أوساط مراقبة هنا تقول وتحلل بأن الرئيس السوري ذهب أكثر من مرة وعلى التوالي إلى القاهرة وشرم الشيخ، وقبل وقت ليس بقصير ذهب رئيس الوزراء ناجي العطري إلى القاهرة وشارك في اجتماعات ثنائية، لذلك فإن دمشق هي من تنتظر من الرئيس المصري مثل هذه الخطوة. لكن في القاهرة يعتقدون أن (العلاقة الخاصة بين الرئيسين والبلدين، أكبر من مثل هذه التعقيدات)..

في عموم الأحوال ومهما كان حجم الخلافات بين البلدان الثلاثة، يجب ألا ننسى أنهم شكلوا يوماً (المثلث السوري المصري السعودي) المثلث الذي مثل العمود الفقري للتضامن العربي، لكن ومنذ (انهيار) ذلك المثلث مازالت الحالة العربية تمضي من سيئ إلى أسوأ.