المساحات الناقصة اليوم لا ترتبط بشكل مباشر مع الغمل السياسي دوليا أو أقليميا، فمادام السفراء يتمتعون اليوم بميزات "فوق العادة"، فإن مسألة سيادة الدولة يمكن إعادة قراءتها من جديد على قاعدة "ما بعد الاستقلال" ووفق سياق "ما بعد الحداثة"... فالمفهوم الذي ساد على امتداد نصف قرن حول السيادة أصبح يحتمل تأويلات مرتبط بمواضيع عميقة في "الحريات" وأو "الإرهاب".

ورغم التناقض الحاد ما بين "الحريات" و "الإرهاب" لكنهما يشكلا أجندة مختلظة في أولولويات "السفراء فوق العادة" الذين أصبحوا يمتلكون حق التشاور مع الأطراف الداخلية "علنا"، وليس عبر أشكال متسترة وبرامج لـ"دعم" المجتمع الأهلي. وربما لا تشكل مسألة "الحراك" للسفراء قضية على أولويات السياسة الخاصة بالدول، لكنها على ما يبدو تتم على شاكلة التعميم الخاص بالموضوع العراقي، فمنذ ان تم تعيين "بريمر" حاكما مدنيا في العراق، ونحن نشهد تقلص صلاحيات "الدول" لصالح الدبلوماسية السريعة، والتي بدأت تخلق مجالها في الثقافة الاجتماعية عموما.

في سياسة ما بعد احتلال العراق هناك قواعد جديدة تشكل "نظاما" خاصا يخلق شرعيته المستمدة أساسا من طبيعة التعامل الدولي، فعندما يبدأ السفراء بالتحرك فهذا مؤشر على حقوق جديدة "ممنوحة" لهم على حساب الدول، وحتى على حساب النظام الاجتماعي، فالسفراء كما هو مفترض لهم علاقة أساسية مع الدول وليس مع الشرائح الاجتماعية، وهم أيضا معنيون بتبليغ سياسات دولهم إلى الحكومات التي يتواجدون في نطاقها، وعندما يصبح الأمر أكثر من مجرد تعامل دبلوماسي، فإننا نقف بشكل سريع على إيقاع "الدول" التي تعيد تعريف سيادتها وفق المفاهيم الدولية وليس انطلاقا من مصالحها الخاصة.

ويبدو أن التكوين "المعاصر" لا يعيد فقط تشكيل خارطة الشرق الأوسط الجديد، بل أيضا يحاول بناء تعامل دبلوماسي متوافق مع "الشرق" الذي يحمل مسألتي "الإرهاب" و "الحريات" كمحددين أساسيين لسيادته... وحتى لا ندخل في جدل بيزنطي في تعريف هذين المفهومين فإن النظام الدولي أعفانا من التفكير بهما، حيث يكفي تحرك "السفراء" حتى ندرك أن هذا الأمر متعلق بـ"الحريات" و "الإرهاب" وأن من حقنا النظر وربما الاستنكار "شعبيا"، ولكن الموضوع بالنسبة لباقي الدول هو "حق" قدمناه لهم عندما نظرنا إلى أنفسنا من جديد، ورأينا أن "الحرية" منفصلة عن "الدولة".. وأن الإرهاب يمكن أن يصبح وصمة تلصف بالدول "المارقة".