هل انسحبت الحكومة من دورها في مجال الإسكان أيضاً؟ وتركت المواطن لقمة سائغة بين أيدي الشركات الضخمة؟ وهل خرج المواطن من تحت تسلط صغار تجار البناء ليقع تحت سلطة الكبار منهم؟ وإلى أي مدى يحق للحكومة التصرف وكأنها بمزايا ودون مسؤوليات؟

قانون آخر:

لقد تباينت المواقف من (قانون التطوير والاستثمار العقاري) الذي أقره مجلس الوزراء مؤخراً، وبالرغم مما ورد في وسائل الإعلام من أن القانون سيوفر (المرونة والسهولة في تطوير المناطق العقارية وتأمين الأراضي التي تحتاجها المشاريع الإسكانية وسرعة تصديق مخططاتها التنظيمية والترخيص لها). فقد كانت المواقف متباينة من هذا القانون، فهل سيكون هذا القانون قانوناً آخر يضاف لكدسة القوانين التي لم تنفذ؟ أو نفذت بشكل خاطئ؟ أم أننا سننسى بعد فترة الهدف من إصدار هذا القانون، ويقتصر دور القانون على نقل احتكار الإسكان من القطاع العام لبعض الشركات الخاصة؟ وبالتالي نكرر تجربة السيارات التي لم تجد حلاً حتى الآن؟

وربما من المفيد هنا استعراض ما ذكره السيد وزير الإسكان والتعمير لوسائل الإعلام حين قال:

(إن قانون التطوير والاستثمار العقاري سيؤدى إلى ضبط موضوع أسعار العقارات بشكل كامل على مستوى سوريا)، كما بين أن السبب الرئيسي في غلاء العقارات يعود (لعدم إيجاد آليات سريعة لإنجاز المساكن) وأن القانون (سيتيح ايجاد بيئة تشريعية مناسبة لتأمين الأراضي بشكل سريع وبالتالي سيؤمن السكن الملائم لمختلف الشرائح الاجتماعية).
إلى هنا قد تكون الصورة وردية، إلا أن الملاحظة الأولية على ما حصل هي في صدور إعلانات الاكتتاب على المساكن في اليوم التالي لصدور القانون (الذي كان متوقعاً صدوره قبل سنوات)، وذلك قبل أن توضع الآليات التنفيذية، وقبل أن يتاح وقت للمواطنين لفهم الآليات التنفيذية التفصيلية لهذا القانون (إن وجدت)، وهنا قد يكون مكمن الخطورة، حيث نخشى أن تعتقد الدولة أنه يمكنها التخلي عن دورها الناظم لموضوع بهذه الأهمية، فقد يكون تخليها عن تنفيذ المشاريع العقارية أمراً يخصها (وهو موضع ترحيب المواطنين بعد حالات الفشل المتكررة)، إلا أن هذا لا يعني أنه يسمح لها بالتخلي عن دورها الناظم وترك الساحة للشركات التي لا نشكك بها بقدر ما نطالب بتواجد للجهاز الحكومي (بصفته الناظمة) معها، بل إن هذا الأمر يحمي الشركات الجدية في مواجهة غيرها من الشركات.

ما هو دور الحكومة؟

رغم أن حالات الفساد وتردي الأداء الحكومي كثيرة جداً، فهذا لا يعني أن البديل هو تخلي الحكومة عن دورها، ونعتقد أن الدور الأهم للحكومة هو حماية الطبقات الضعيفة من المواطنين، وتنظيم أي قطاع بما يسمح بتحقق مبدأ المنافسة من جهة وسيادة القانون من جهة أخرى، وفي هذا السياق فإننا قد نستغرب قيام شركات بالإعلان عن الاكتتاب قبل أن يكون هناك آلية حكومية تجيب عن الأسئلة التالية:
 هل تم الترخيص لهذه الشركات بالعمل ؟

 هل تم تخصيص هذه الشركات بمساحات أراض للبناء ؟

 هل وافقت الحكومة على الترخيص في هذه المواقع (ومتى)، وما هي تفاصيل الترخيص؟

 ما هي الخطة التي قدمتها هذه الشركة للحكومة، وما هو حجم المساكن التي ستبنيها سنوياً؟

 ما هي آليات قبض الدفعات من المواطنين وآليات إنفاق هذه المبالغ ضمن المشروع ؟

 كيف ستدقق الحكومة على عدد المكتتبين وتحمي حقوقهم؟

 هل سيتم تطبيق بعض مفاهيم حوكمة المؤسسات لضمان جدية العمل؟

 ما هي الآليات القانونية التي تستخدم في حال أخلت شركة ما بالتزاماتها (المالية أو الفنية أو الزمنية)؟

 هل هناك إجراءات تحمي المواطنين من الشركات الوهمية؟

 هل ستقدم الشركات ضمانات مصرفية، خاصة وأنها ستجمع مبالغ كبيرة خلال فترة محدودة؟

هذا إن لم نتحدث عن غياب الخطط الحكومية، إذ لم تعلن الحكومة عن عدد المواقع التي سترخصها في العام الحالي، وعن الطاقة (عدد المساكن) التي ستسمح بها، وهل تمتلك الحكومة الطاقات لإنجاز البنى التحتية الرئيسة الخاصة بالمواقع المختلفة؟ وبأي فترات زمنية؟ وأين تقع هذه المواقع؟ أم أن خطة الحكومة هي مجرد تكليف بعض الشركات الخاصة بالنزول إلى الملعب؟

ثمن الغياب الحكومي:

إن ثمن الغياب الحكومي سيتمثل في أسوأ الحالات بظهور حالات جمع أموال وعمليات احتيال، وفي حال (حسنت النوايا)، فإن الغياب الحكومي سيمنع القانون من تحقيق الأهداف التي ذكرت سابقاً، وسيكتفي القانون بتحقيق أهداف الشركات الكبيرة من حيث الحصول على الإعفاءات والمزايا اللازمة للحصول على أرباح كبيرة مقابل قيامهم بما فشلت الدولة في تحقيقه خلال سنوات طويلة، وعندها ربما يحق لنا أن نسأل لماذا تحاول المؤسسة العامة للإسكان أن تطل برأسها مجدداً عبر المشروع التالي:

(تدرس المؤسسة العامة للإسكان حالياً مشروع تأسيس شركة عقارية مساهمة في سوريا برأسمال قدره 350 مليون يورو لإنجاز مشاريع عقارية مختلفة، وذلك مع شركة إعمار ومجموعة عارف وشركة الأولى السعودية، والتي تتمثل في معالجة مناطق المخالفات الجماعية والسكن العشوائي وبناء واحات سكنية متكاملة وسكن لمتوسطي الدخل، حيث تبلغ حصة الإسكان 30% من الشركة المساهمة..).

وهنا يبدو أن الأمور تتجه للأسوأ، فالمؤسسة التي فشلت في إنجاز مشروع السكن الشبابي (والمشاريع التي سبقته) ستتم مكافأتها بمشاريع أخرى، وبينما تفشل مرة أخرى في تنظيم عمل الشركات الجديدة، فهي تحاول الحلول بموقع الشريك لهذه الشركات مما يعني فقدانها للحيادية المطلوبة، خاصة إن كانت هذه الشركات ستستخدم نفوذ مؤسسة الإسكان (القانوني) لتمرير تسويات قد لا تناسب قاطني هذه المناطق، هذا عدا عن هروب المؤسسة إلى الأمام قبل محاسبتها حول المشاريع السابقة وإغلاق تلك المشاريع بالجدية المطلوبة، كما أنه لا يمكنني تصور أن المؤسسة ستكون شريكاً في مشاريع جديدة (تسلم مساكن بعد سنة أو سنتين)، بينما مشاريعها الأساسية متوقفة والوعد فيها هو تسليم بعد عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً (هل هذا هو ذنب الفئات الكادحة التي اعتقدت بأن المؤسسة ستؤمن المساكن فعلاً؟ وإن كانت المؤسسة تمتلك كل هذه الموارد والطاقات الإضافية، فلماذا وضعت خطة سلحفاتية لتنفيذ مشاريع السكن الشبابي؟).

شركات المطور العقاري:

ذكر السيد وزير الإسكان أن الحكومة ستقوم بالترخيص لشركات (المطور العقاري)، والتي ستقوم بما يلي:
(تطوير وإعمار منطقة تطوير جديدة، أو منطقة تأهيل سكنية داخل التنظيم أو لإعادة تأهيل أو لهدم أو بناء مناطق المخالفات وتنظيمها، وسيكون المطور العقاري ملزماً بأن يؤمن البيئة التحتية المناسبة للمواطن وشبكات المياه والصرف الصحي والاتصالات وذلك لإنجاز مجتمع عمراني متكامل).

وبالرغم من عدم دقة النص، إلا أن الفهم المبدئي هو إمكانية تنظيم وتأهيل البنية التحتية لمناطق، مع إتاحة المجال إما لشركات البناء أو للمواطنين للقيام بالبناء في هذه المناطق ضمن نظام محدد لضابطة البناء، ونعتقد أن هذا الموضوع شديد الإيجابية، وهو الكفيل بجعل الخيارات أوسع أمام الأفراد من جهة، وأمام شركات البناء من جهة أخرى، ويؤدي بالفعل لحدوث التخفيض المرتجى في أسعار البناء، وبالتالي نرجو أن يتم تسريع هذا البند بما يسمح بعدم منح الامتيازات لجهة أو جهتين فقط، وترك باقي الجهات خارج إطار اللعبة.

مشروع المجمع الحكومي:

لقد علمنا مؤخراً عن إعادة إحياء لمشروع المجمع الحكومي في معضمية الشام، والذي سيرصد له 4 مليارات ليرة سورية (بشكل مبدئي، ونعتقد أن الرقم النهائي سيكون أكبر بكثير)، ونعتقد أن هذه المبادرة عديمة الجدوى، حيث أن رصد هذا المبلغ لإطلاق مبادرة للحكومة الإلكترونية، بما فيها تطوير العمل الإداري سيؤدي لمردود أكبر بكثير من هذا الأمر، وإلى رفع كفاءة الأداء الحكومي وتحسين الخدمات للمواطنين، وربما يؤدي لخفض كبير لحالات مراجعة المواطنين للدوائر الحكومية، وربما لخفض في عدد الموظفين، كما أننا لا ندري إن كانت الحكومة تنسحب تدريجياً من التزاماتها (الناظمة) فما حاجتها لهذا العدد الكبير من الموظفين؟ أما إن كان الهدف تنسيق العمل الحكومي، فلا نعتقد أن التقارب المكاني هو الحل!