المحقق الدولي بقضية اغتيال الحريري سيرج برامرتس غادر إلى سعودية، وذلك وسط حركة دبلوماسية شهدتها الرياض جمعت كل المتناقضات السياسية على طاولة واحدة. ورغم ان النتائج السياسية لهذه الحركة ماتزال غير واضحة لكن تواجد المحقق الدولي في الرياض قبل القمة العربية، وبعد زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى الرياض، تكشف سياسة "احتواء" الأزمات التي تقوم بها المملكة دخلت في تفاصيل معقدة، وأن "التحقيق" ليس نقطة فاصلة في العلاقات العربية – العربية، بل يشكل أيضا مفتاحا للتحرك السياسي في تشكيل العلاقات إقليميا أيضا.

ورغم أن مهمة "براميرتس" أثبتت أنها لم تتجاوز حتى الآن موضوع التحقيق، لكن بعدها السياسي غير المباشر يؤثر على فهم المواقع الإقليمية منذ اغتيال الرئيس الحريري... فلم يكن عبثا الضجيج الذي أثاره ميلتس في بداية التحقيق، ثم الرزانة التي اتسم بها براميرتس، وبين التناقضين جاءت مساحة العمل السياسي اللبناني التي جعلت "المرجعية الدولية" حكما وليس طرفا في السياسة اللبنانية. وأصبح من الواضح أن مجلس الأمن الدولي قادر على التدخل حتى في علاقة رئاسة الوزارة بمجلس النواب. وبقي براميرتس بعيدا ولو شكليا عن هذه الصورة، إلا أن كافة الأطراف يعرفون أن مسار التحقيق لن يكون العامل الوحيد في إقرار مستقبل السياسة في لبنان، وربما المنطقة، لأن براميرتس يعمل بتكليف دولي، ونتائج تحقيقاته ستكون بيد السياسة الدولية قبل أن تصبح ملفا قضائيا.

عمليا فإن ما أوحاه براميرتس من اتزان في التحقيق عكس واقعا سياسيا أيضا، فالتوازن الإقليمي في النهاية أثر على الحملة المرافقة للتحقيق، وانعكست كافة التقلبات في الاستراتيجية الأمريكية على الضغط المرافق للتحقيق باتجاه سورية. وتواجد براميرتس في السعودية يعكس جانبا مهما في مسألة التوازن الإقليمي، فاغتيال الحريري ملف مفصلي لأنه يشكل المنطقة على نموذج دولي طبق في مناطق اخرى من العالم، وهو يدفع للقلق ليس في جانبه الجنائي بل في تحويله إلى محكمة دولية قادرة على جر السياسة إلى منصة القضاء، وفي هذه الحالة ربما لا تكون سياسة معينة هي الضحية، لأن المحكمة بذاتها رهينة مجلس الأمن الدولي وتوازناته الداخلية.

فقبل القمة العربية وبعد زيارة نجاد يظهر براميرتس في الرياض وهو يحمل ملفا معقدا، ورغم ان السعودية لن تضغط على مسار التحقيق، لكنه توحي بانها تريد استيعاب بعض النتائج السياسية لهذا الملف، وتحاول أيضا كسر التأثير"النفسي" له على كافة الأطراف الإقليمية.. ولا شك أن هناك قلق واضح من كافة التداعيات التي يحملها هذا الملف، وهذا الأمر لا يتعلق بالأطراف المرتبطة بالاغتيال بل بالأزمات السياسية التي يثيرها.. لأن انتهاء التحقيق باتجاه المحكمة الدولية لا يعني توجيه الاتهام بل إثارة زوابع من الشكوك قد تطول مدتها ويترتب عليها نتائج سياسية قبل أن تنجلي الحقيقة.

براميرتس في السعودية ينقل القلق العربي من الملفات التي دخلت على المنطقة منذ أربعة اعوام، ومهما كانت طبيعة مباحثاته لكنها في النهاية تدخل في "الاحتواء" الذي تقوم به المملكة قبل القمة ليس لترطيب الأجواء بل أيضا لإيجاد نقاط داخل الأزمات المتصاعدة إقليميا.