لا تحمل أي قمة في العالم نفس الإبهار الإعلامي التي تحتله القمم العربية، فالمسألة غالبا ما تبدأ بمحاولات إخماد الحرائق الممتدة على الزمن الخاص ما بين قمة وأخرى، وفي نفس الوقت لا بد من بعض الإنجازات التي تجعل الدول العربية مقتنعة بضرورة القمة.. فحرب تموز على سبيل المثال لم تترك أي رد فعل تجاه ضرورة انعقاد القمة، لكن الارتجاج الاستراتيجي الذي خلفته سياسة الإدارة الأمريكية كان اكثر اقناعا من أي مسألة سياسة أخرى...

في القمة الحالية لم تنشط الدبلوماسية السعودية فقط، بل كان لا بد من دوافع أخرى ظهرت في جولة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس، وبدت أيضا في التحرك الإسرائيلي باتجاه "المبادرة العربية"، لكن الأخطر كان في قدرة السياسة الدولية على إزاحة الموضوع السياسي وجعله "إيرانيا" بامتياز، وهو امر أشعل القمة قبل أن تبدأ فالتحرك السعودي كان مزدزجا سواء على صعيد الموضوعين اللبناني والفلسطيني، أو بشأن الملف النووي الإيراني.. فالقمة الحالية بدأت عمليا في اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي، ومرت باجتماعات رايس مع قادة هذه الدول ومع "الرباعية العربية" أيضا، وكان لها محطة في زيارة أحمدي نجاد إلى السعودية، وأخيرا انعقدت القمة على أصداء "صخب" دبلوماسي نشهده بشكل دائم داخل الحدث العربي.

وفي القمة الحالية صورة الأسئلة المفتوحة والأجوبة المغلقة.. فالبيان الختامي لا يمكن أن يترك مجالات للاجتهاد، فهو موقف سياسي أولا وأخيرا، ومن الصعب النفاذ منه نحو آليات السياسية، لذلك فإن العمل العربي يبدأ وينتهي في القمة. أما الأسئلة المفتوحة فهي في الود الذي يرافق عادة هذه القمم، ولا نستطيع التمييز إن كان ودا شخصيا أو سياسيا، فالمسألة هنا تحتاج بالفعل إلى تدقيق دائم، ومحاولات لطي صفحات الماضي على إيقاع العناق والقبلات.

عمليا فإن القمة كما تظهر تبدو "مناسبة" لا تفتح فيها الملفات بقدر ما يتم تجاوزها، فالموضوع ليس كما تحدث الرئيس الليبي بأن قرارات القمة تم وضعها في واشنطن، فالمسألة مرتبطة بطريقة تفكيرنا وتعبيرنا عن الحدث السياسي الذي ننجزه على المستوى المحلي، لكن المعضلة هنا اننا نريد عبره تصدير رسائل دولية، وهو امر لا يمكن أن يتم على السياق الذي نقوم به اليوم.

القمة العربية ليست مسألة نجاح او فشل، لأنها في النهاية تنقل "الثقافة السياسية" العربية إن صح التعبير.. وهي في نفس الوقت مناسبة ليس إلا لمراجهة هذا الواقع من قبل من يقرأ أو يحلل ما يحدث..