الأمير عيسى الأيوبي

لتأتي كلمة خادم الحرمين الشريفين في القمة تعبيراً واضحاً ودقيقاً عن الحالة العربية فانعدام الثقة المتبادلة بين القيادات فيما بينها والقيادات وشعوبها، مرض مستشر وسبب كل داء في هذا الجسم العربي المطروح من المحيط إلى الخليج.
وليس غريبا أن يجمع الحكام العرب على نجاح قمتهم ولكن علينا أن ننظر بدقة إلى فاعلية القمم العربية ومصير القرارات والبيانات الختامية لها، إذاك يمكننا أن نحدد النجاح أو الفشل. وفي القمة الأخيرة يبدو أن ظاهرتين اثنتين تشكلان مقياس النجاح، الأول قدرة العرب على استعادة الثقة وإعادة بنائها بين الحكام والشعوب وبين الحكام فيما بينهم والثانية نتائج الغيظ الأميركي من كلمة العاهل السعودي وأسبابه.

فالإدارة الأميركية أبدت انزعاجها مما جاء في كلمة الملك عبد اللـه وتقول لأنه «اتهم» الأميركيين باحتلال العراق ولأنه ألغى زيارة للبيت الأبيض في السابع عشر من شهر نيسان المقبل دون عذر مقنع.
فرغم أن وزيرة الخارجية الأميركية حرصت أن تواكب القمة العربية عن كثب وتجتمع بوزراء خارجية ما تسميهم الرباعية العربية ورؤساء الأجهزة الأمنية في هذه الرباعية وبحثت معهم كل التفاصيل الدبلوماسية والسياسية والأمنية الدقيقة إلا أنها فشلت في الوصول إلى غايتها. الإدارة الأميركية تقول إنها فوجئت بالمنحى الذي اتخذته القمة والأجواء التي انعقدت بها، فالسيدة رايس الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية فوجئت كما فوجئت الإدارة الأميركية بتفجيرات 11 أيلول. ولم تحصد من زيارتها عشية القمة سوى تأمين مشاركة وفدين للبنان بدل وفد واحد موحد وجامع وتأمين مشاركة رئيس الحكومة اللبنانية المتنازع حول شرعيتها في القمة وبعض أعضاء فريقها.

وتقول الدوائر الأميركية: إن الإدارة الأميركية فشلت في الأمور التالية:
أولا- وقف مسار المصارحة والمصالحة السورية – السعودية وإجبار سورية على تقديم تنازلات عن مواقفها المبدئية في القضايا العربية.
ثانيا- تعميق هوة الخلاف العربي- الإيراني عبر إعلان المجتمعين تخوفهم من المشروع الإيراني في المنطقة بل أكثر من ذلك إعلان كل من وزيري خارجية قطر والإمارات العربية المتحدة أن بلديهما لن يسمحا باستخدام أراضيهما لأعمال عدائية ضد إيران. وقيام الملك عبد اللـه بدعوة كل من إيران وتركيا للمشاركة في القمة العربية وكأنه بذلك أراد أن يعلن الشرق الأوسط الجديد لكن بغير المواصفات الأميركية.
ثالثا- عجز من اعتمدت عليهم لضمان تمرير مشروعها عن فرض شروطهم وإملاءاتهم على القمة.

فجهود رايس ذهبت هباء منثورا وشكلت القمة العربية، رمزيا، صفعة جديدة لسياسة واستراتيجيات المحافظين الجدد بعد صفعة اتفاقية مكة التي استطاعت إيقاف المشروع الأميركي في الداخل الفلسطيني.
وقد تكون رايس قد أرادت أن تحول هذه القمة إلى قمة أميركية بامتياز، لكن ليس كل ما تريده رايس يتحقق أو بالحري معظم ما تريده يتساقط وتجربة حربها على لبنان الصيف الماضي دليل فاقع، كذلك تجربة انقلابها على هوية لبنان.
وبعد هزيمة مشروع السيدة رايس والمحافظين الجدد في العراق ومفاعيله في الداخل الأميركي وهزيمة مشروعهم في شرق أوسط جديد يولد من حرب إسرائيلية على لبنان وتتالي هذه الهزائم، باتت مخططات المحافظين الجدد جميعها على كف عفريت.

قمة الرياض العربية لم تطلق رصاصة الرحمة على مشروع المحافظين الجدد بل أرست قواعد المواجهة وقواعد بناء الثقة والمصداقية وهذا قد لا يعني أن العرب يريدون تعميم ثقافة الاجتثاث التي يروج لها المحافظون الجدد فليس المطلوب اجتثاث كل الذين ساروا وحملوا هذا المشروع ذا الأصول الصهيونية بل المطلوب عربيا ألا يبقى هؤلاء يديرون وحدهم مصير الشعوب والدول ويتحكمون بها.

بالتأكيد فإن الموقع والمكان والزمان الذي حصلت فيه القمة يشكل عاملا أساسيا للقول إنها قمة مفصلية فلا أحد ينكر دور ومكانة المملكة العربية السعودية في العالمين العربي والإسلامي اللذين شكلا أرض معركة المحافظين الجدد ومختبرهم. ولا أحد ينكر المفصل التاريخي الذي يمر به مشروع المحافظين الجدد ولا دقة الوضع في الخليج والطموحات الأميركية فيه.
وإذا صح اعتبار ما حصل في القمة تحولا فإن المسؤولية الكبرى ستبقى على عاتق العاهل السعودي في وضعها موضع التنفيذ خلال عام رئاسته للقمة.

ويبدو أن الملك عبد اللـه يعرف هذه الحقيقة من هنا يصح القول إن اختيار دمشق عاصمة القمة المقبلة ليس خياراً جغرافياً ولا بروتوكولياً بل إنه يدخل ضمن الخيارات التاريخية والمفصلية ويشكل رسالة للعاملين على عزل بل اجتثاث دمشق من خارطة العرب السياسية والتاريخية والحضارية والداعين لاجتياحها.

هذا الكلام ليس برسم أحد لكنه يأتي في سياق مفهوم شامل للصراع وليس مفهوم النزاع على السلطة الذي يسير به بعض القادة الطائفيين وأمراء الحرب.....

عن صحيفة الوطن السورية المستقلة.