مكتب حلب - ديانا مسكون

جاء اختيار حلب من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي كعاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2006/1427هـ نتيجة وعي وقراءة متعمقة لتاريخ مدينة حلب، عرفت الاستيطان البشري منذ الألف الحادي عشر ق.م وتعاقبت عليها الحضارات والشعوب والدول منذ الألف الرابع ق.م. فعرفت السومريين والأكاديين والعموريين والبابليين والحثيين والميثانيين والآشوريين والآراميين والكلدان والأخمينيين والإغريق والرومان والبيزنطيين إلى أن جاء الفتح الإسلامي، فاستقبلته بصدرها الرحب واحتضنت رسالته كما احتضنت كل الثقافات التي سبقته، وسرعان ما تحولت إلى الثغر المدافع عن الأمة الإسلامية بأكملها إبان عهد الحمدانيين والأيوبيين والمماليك محافظة على مكانتها المعهودة كملتقى للثقافات والأديان ومثالاً لدولة العيش المشترك ومنارة للأدب والثقافة والعلم، تلك كانت مبررات المنظمين لاختيار حلب كعاصمة للثقافة الإسلامية، ولكن ما هي المبررات التي دفعت المعنيين لتجاهل حضارة مدينة بأكملها؟! وما الذي جعلهم يتقاعسون عن النهوض بمستوى الاحتفالية التي علقت الآمال عليها بأن تكون المناسبة التي تثار فيها الغبار وتنفض عن عظمة تلك المدينة هل هو جهل للتاريخ نفسه أم أنه عجز عن قراءة ما وراء سطور تلك الاحتفالية؟!.

التحضيرات وحفل الافتتاح

على الرغم من أن الإعلان عن حلب كعاصمة للثقافة الإسلامية تقرر منذ عام 2004 إلا أن المعنيين استمروا يغطون في سباتهم العميق ولم يستفيقوا إلا قبل ثلاثة أشهر من انطلاق الاحتفالية، ولكنهم لم يصحوا متأخرين فحسب بل استفاقوا وهم يحملون في مخيلتهم منظوراً خاطئاً لكيفية الإعداد لتظاهرة بمثل تلك الضخامة، وبدا ذلك واضحاً من خلال تشكيل لجنة الأمانة العامة للاحتفالية والتي كانت تعمل بمنحى انفرادي بعيد عن لغة المؤسسات وبالتالي لم يكن هناك سعي لصهر الجهود في بوتقة واحدة بل تم بذل جهود فردية اقتصرت على عمليات الترقيع والتزفيت والإنارة للشوارع الرئيسية وهي أنشطة كما نعلم يفترض أن تكون يومية لذا لم يكن هناك أي جديد يخبئه المنظمون لتلك الاحتفالية التي انطلقت افتتاحيتها في 18/3/2006 في صالة الأسد الرياضية، وهناك غلب على الحفل الطابع الشعبي والحضور الرسمي الممثل بمسؤولين حلبيين بامتياز دون أن يكون لأعلام الدول التي رفرفت على أبواب المدينة أي ممثلين، ومن هنا بدأت الاحتفالية تفقد طابعها الإسلامي لتبدو مناسبة كغيرها من المناسبات المعتادة.

فعاليات الاحتفالية

كانت من أولى فعاليات الاحتفالية تلك الكرة الحديدية التي نصبت وسط ساحة سعد الله الجابري والتي لم يستطع أهالي حلب أن يربطوا بينها وبين الاحتفالية إلى أن أصبحت مزاراً حسب المثل القائل (شفنا القبة افتكرناها مزار) فراح الحلبيون يجتمعون فيها ليلة الخميس لحضور حفلات الطرب التي كانت المجال الوحيد الذي نجحت فيه الاحتفالية، وعندما رفعت الكرة منذ أيام أدرك أهالي حلب أن الاحتفالية قد انتهت.

أما ما يتعلق بالندوات والمعارض والمحاضرات الثقافية فلا يمكن أن ننكر أن عددها كان كبيراً، ولكنها ومع الأسف لم تستطع أن تستقطب أكثر من حوالي عشرين زائراً للمحاضرة أو المعرض، كما لم تحمل في طياتها أي مضمون يعبر عن الاحتفالية سوى العنوان العريض، وبقيت ضمن النشاطات الاعتيادية لمديرية ثقافة حلب، وسؤالنا لماذا لم يشارك الكثير من أبناء حلب في إغناء الاحتفالية وتصويب اتجاهاتها رغم توفر الإمكانيات والدوافع لديهم؟!

كيف أخمدت مشاعل النور التي أضاءت تاريخ حلب؟!

لطالما رفدت حلب الحضارة الإنسانية بالمفكرين والأدباء والقادة العظماء الذين تم تجاهلهم من قبل القائمين على الاحتفالية، فبدل أن تستحضر تلك الشخصيات والأماكن التي لها محطات بارزة في تاريخ حلب كنور الدين الزنكي وصلاح الدين الأيوبي وسيف الدولة الحمداني مروراً بالمتنبي والكواكبي إلى أبواب حلب وقلعتها وجوامعها كجامع الشعبية أول مسجد للإسلام في حلب إلى أضرحة العلماء الأجلاء مثل السهروردي والنسيمي وخير الدين الأسدي، ولا ننسى أعلام حلب الذين ساهموا في نهضتها الحديثة كعمر أبو ريشة وراغب الطباخ وسامي الكيالي ومصطفى العقاد وكامل الغزي وسواهم، اقتصرت الاحتفالية في برامجها على الحفلات والأضواء وتكريم القائمين عليها لبعضهم البعض.

ما هي انطباعات البعض عن الاحتفالية؟!

عبد الرزاق الخشروم (دكتور في كلية العلوم الإنسانية والآداب بجامعة حلب): لم تعكس النشاطات الدور الحقيقي لحلب في إغناء الحضارة وكان من الممكن استغلال المناسبة في إنجاز بعض الاتفاقيات مع الجامعات ومراكز الفكر العالمية.

عمر فاروق الفحل (دكتور محامي): قرار منظمة المؤتمر الإسلامي باعتبار حلب عروس الثقافة الإسلامية أدخل البهجة في قلوبنا، وكنا نتمنى أن يكون لكل مواطن في حلب دور في هذه الاحتفالية إلا أنها مرت دون أن تدخل أي جديد على حلب لا شكلاً ولا مضموناً.

أيمن حلاق (مهندس): غاب عن الاحتفالية إظهار فن العمارة العربية الإسلامية في حلب الذي تميزت به على مر الزمن، كما غابت عنها خطط الترميم للمعالم التاريخية بحيث يتم الربط بين الجانب النظري المتمثل بالمحاضرات والندوات والجانب العملي.

حفل الاختتام

كان مسك الختام ذلك العرض الذي قدمته فرقة إنانا الراقصة والذي تحدث عن الملكة ضيفة خاتون ابنة الملك العادل شقيق صلاح الدين الأيوبي باعتبارها مثالاً للزوجة الصالحة ودليلاً على دور المرأة في إغناء الدور الثقافي والاجتماعي، وكنا نأمل أن يكون عام الاحتفالية بأكمله مليئاً بنشاطات مماثلة، وألا يقتصر ذلك على ساعات الوداع الأخيرة لاحتفالية أخفق المعنيون في استغلالها بإبراز صورة حلب المشرقة للعالم كملتقى للحضارات ومثال للحوار والتفاهم الإنساني خاصة في ظل المحاولات المستمرة من قبل الأعداء لتشويه معالم تلك الصورة وطمسها.
وسؤالنا اليوم وبعد مضي عام الاحتفالية، هل سيتكرر المشهد نفسه مع دمشق عاصمة للثقافة العربية ومع اختلاف الأدوار؟!