لن يذهلنا حجم الدراسات التي تم تقديمها عن أوكرانيا قبيل ظهور "النموذج الأوكراني" .. فرقم 1000 ربما يبدو ضحلا مقارنة بحجم التقارير التي تظهر في صحفنا عن العلاقات السورية – اللبنانية، أو حتى عن رؤية المعارضة السورية. ورقم 1000 كان المقدمة لبلورة هذا النموذج لتطبيقه في أوكرانيا وإزعاج روسية، أو تصفية إرثها السوفياتي. لكن رقم الألف بحث ربما يقودنا أيضا إلى الفضاء الجديد الذي تبحث عنه الولايات المتحدة بشكل دائم داخل الجغرافية الدولية.

منذ احتلال العراق، أو حتى مع اللحظات الأولى لظهور قانون تحرير العراق، كانت الأسئلة تتراكم حول قدرة الولايات المتحدة على خوض حرب بالشكل التقليدي، أو الكلاسيكي، عبر اجتياح الجيوش أو الاحتلال المباشر. واليوم يظهر ان الولايات المتحدة خاضت هذه الحرب سواء بتحالف دولي أو بدونه. وبعد سنتين على احتلال العراق يبدو ان الولايات المتحدة أنهت الخلافات الدولية على الأقل بشأن الحرب، رغم ان مصاعبها في هذه الجغرافية ما تزال موجودة. إن الصورة السابقة لاحتلال العراق أو حتى للأزمة الأوكرانية ربما تدعونا لإعادة التفكير بالحلول الكلاسيكية التي نطرحها عن الحديث عن إستراتيجية الولايات المتحدة، فالموضوع لم يعد يتعلق بتفوق القوة العسكرية، إنما بـ"إطار" التفكير الذي يحكم الولايات المتحدة وأوروبا أيضا، وبشكل يجعلنا أحيانا عاجزين عن فهم هذا الفضاء الجديد في الاستراتيجية الدولية.

أحداث لبنان الأخيرة طرحت هذا الموضوع بقوة، فالتقارير الغربية عن سورية ولبنان جعلتنا نطرح أسئلة على انفسنا بالدرجة الأولى .. وحملتنا ايضا على الشك بما كنا نؤمن به أحيانا أو نحلم بتحقيقه أحيانا أخرى. فالمسألة بدت لأول وهلة وكأنه انقلاب المعايير في مسائل "الحق" أو حتى "برغماتية" السياسة. فهل يمكن على سبيل المثال لا الحصر أن تتهم سورية وبشكل سريع من قبل العالم وبشكل عشوائي!! وهل الصورة المكونة عن الشرق الأوسط يمكن تلفيقها بهذه السهولة؟

إن ما حدث في لبنان ربما لا يعكس فقط واقعا لبنانيا، بل فضاء جديد في صياغة المفاهيم عن العالم، لأن سرعة الحدث والاتهام والانقلاب لا يمكن أن تظهر من الفراغ، ولا يمكن في نفس الوقت أن تكون التهم ضد سورية معدة سلفا بهذا الشكل من الانتشار عبر كافة صحف العالم. فكل الصحف الأوروبية، باستثناء صحيفتين، اتهمت سورية .. كيف حدث هذا الأمر .. ربما علينا التفكير من جديد بما يحدث داخل العالم المتغير.

وبالحساب المنطقي لا يمكن ان تكون سورية مخطئة على الدوام .. أو محور الشر حسب قول جورج بوش، لكن المنطقي أن التفكير الدولي شهد قفزة عبر زمنين: الأول بعد أحداث 11 أيلول، والثاني بعد احتلال العراق .. وربما نحتاج لدخول هذا الزمن حتى نفهم كيف يتم تحويلنا إلى مذنبين بشكل أسرع من الضوء، وكأن الاتهام قانون فيزيائي وضع أينشتاين.

مصادر
سورية الغد (دمشق)