ما تركته حرب لبنان لم يكن مرحلة عابرة، فالأجيال التي لم تشهد هذا الزمن دخلت إليه من بوابات مختلفة، وربما شاهدته في ملامح نشاهدها اليوم في العراق أحيانا أو حتى في مشاهد الافتراق السياسي عربيا... لكن الحرب الأهلية في لبنان مهما تباينت الآراء حولها لكنها تحمل الحد الأقصى لنتائج عدم القدرة في التوصل إلى مرحلة جديدة في الحياة، والدخول إلى "الحداثة"، حيث تصبح السياسة مجالا خاصا مستقلا وغير خاضعا لأي افتراق من الماضي.

في الحرب اللبنانية هناك جملة من التصورات تبدأ من أنها "حرب الآخرين في لبنان"، ولا تنتهي بكونها "جزء من الصراع الشرق أوسطي عموما"، لكن التفكير بها لا يجب أن يقودنا إلى محاولة عزلها عن محيطها، أو الوصول بها إلى تفاصيل تخص الحياة اللبنانية فقط، فهي كانت أعقد من أن تتم قراءتها ضمن أفق واحد، فما حملته هذه الحرب على امتداد عقدين ونصف كان مزيجا من الصراعات الداخلية والأقليمية وحتى "الدولية"، ولكن المهم اليوم هو محاولة رؤيتها بأبعادها العامة أكثر من وضع مسببات تبقى ضمن إطار "الدراسة" فقط.

"الحرب الأهلية" في لبنان لم تبدأ بـ"بوسطة عين الرمانة"، فهذه الحادثة هي للذكرى، وهي أيضا مرسومة في "التوثيق" الذي يحاول وصف هذه الحرب بقسواتها وتفاصيلها، لكن البداية هي شأن مستمر على مساحة السكون الاجتماعي الذي فرضناه على أنفسنا منذ عام "1860"، ويومها لم تندلع "الحرب الأهلية" في لبنان بل امتدت بشكل عشوائي، وانتهت بوجود أجنبي في لبنان.

البعض يحاول أن يرجع الأحداث القديمة إلى "حروب الامتيازات" مع الدولة العثمانية، وهو أمر يملك مقدارا من الحقيقة، لكن اشتعال الحرب داخل "المجتمع الواحد" هو ما يلفت النظر، وهو ما يدفعنا دائما إلى قراءة ما يحدث من زاوية اجتماعية قبل أن نعتبر ما حدث "صراعا سياسيا"، ففي الشرق الأوسط يبدو من الصعب التعامل فقط مع الحدث السياسي، ومن المستحيل أيضا أن ندفع تفكيرنا نحو مشهد واحد، وربما علينا أن نتذكر الحرب الأهلية في لبنان ونتذكر معها دائرة مغلقة تتجاوز لبنان، وتتحكم بالحدث الشرق أوسطي عموما.

كانت بداية الحرب الأهلية مقدمة لتبديل "الجغرافية – السياسية" الشرق الأوسطية،، وهي تقارب بذلك ما حدث نتيجة احتلال العراق، ولكن هل حدث هذا التغير؟!! وهل من الضروري أن تصبح دورة العنف حالة تصادفنا كلما شهدنا استراتيجيات جديدة دولية أو شرق أوسطية؟ وهل مجتمعاتنا بالفعل قادرة على الدخول في فوضى التعامل مع كل تبديل محتمل؟! إنها أسئلة فقط تفتحها ذاكرتنا تجاه "حرب" لم تكن نتائجها محصورة في لبنان فقط.

مصادر
سورية الغد (دمشق)