تعطي زيارة الأمين العام للأمم المتحدة للعاصمة السورية مؤشرات حول وصول مسألة المحكمة ذات الطابع الدولي إلى نقطة متأزمة، حيث يبدو من الصعب طرحها أمام مجلس الأمن أو إقرارها بشكل سريع دون أن يوقع المنطقة في تجاذبات إقليمية، فمسألة المحكمة رغم أنها مرتبطة أساساً بتحقيق دولي، لكنها مع تطورات الحدث الإقليمي أصبحت منفصلة «سياسياً» عن مسار التحقيق، وتعتبر نقطة عبور لمرحلة «إقليمية» جديدة.

عملياً فإن الأطراف اللبنانية تضع مسألة المحكمة كحاجز حقيقي أمام أي حوار لاحق لحل جملة الأزمات الداخلية العالقة، لكن الأطراف اللبنانية تعرف أن «إقرار المحكمة» يشكل أيضاً تصفية حسابات في ظل تحقيق مازال مفتوحاً، وهي تدرك أن جملة من العلاقات اللبنانية مع الخارج يمكن أن تتبلور مع إقرار المحكمة اليوم.

فالبعد الدولي للمحكمة لا يعطيها فقط شكلاً سياسياً بل أيضاً صورة للإستراتيجية التي يمكن أن تظهر نتيجة حسم هذه المسألة، وهو موضوع يجعل من طرحها في مجلس الأمن يدخل ضمن أبعاد مختلفة، ويدفع بان كي مون لرسم صورة متكاملة، فزيارته هي جانب واحد من وضع «سيناريوهات» متعددة لمسألة المحكمة، حيث كانت زيارة سلطانوف جزءاً من البحث في هذا الموضوع المعقد، والملاحظ هنا:

 انتقال مسألة المحكمة إلى صلب الحركة الدولية تجاه المنطقة ينقل أبعاداً إضافية لما وصلت إليه الأزمة اللبنانية، وهو مؤشر على أن الأطراف العربية حالياً عاجزة عن خلق أجواء جديدة تحسم هذا الموضوع في الداخل اللبناني. فالحديث عن المحكمة تحت «البند السابع» في لبنان حصرا يوضح عن نقاط الالتقاء لبنانياً، وربما عربياً، تبدو صعبة مع الاحتماء بقوة البند السابع عند بعض الأطراف اللبنانية.

 من جانب آخر فإن «التصعيد» السياسي نحو المحكمة ذات الطابع الدولي، يظهر أن بعض الأطراف ترى فيها نقطة ارتكاز في ظل الأزمات الإقليمية وعلى الأخص في العراق. فتدهور القضايا الإقليمية سواء في العراق أو فلسطين أو ما يتعلق بالملف النووي الإيراني يدفع لاستخدام ضغوط سياسية من نوع آخر على بعض الأطراف الإقليمية وعلى الأخص سورية وإيران.

 يترافق الحديث عن المحكمة مع التقارير حول احتمالات نشوب حرب خلال الصيف، فهذه التقارير تنقل استعدادات عسكرية سورية تارة، أو صفقات أسلحة إيرانية- سورية، ورغم عدم وجود روابط مباشرة بين مسألة المحكمة و«احتمالات الحرب»، لكن أزمة المحكمة تنقل مؤشرات واضحة حول الهامش السياسي الضيق لأي قضية عالقة.

عملياً فإن مباحثات بان كي مون في دمشق ليست مرتبطة فقط بمسألة «المحكمة»، لأن القضايا المتشعبة عن هذا الموضوع مرتبطة بالوضع اللبناني عموماً.

ويبقى موضوع الأسلحة والقوات على الحدود السورية اللبنانية شأناً مرتبطاً نسبياً بضغوط الولايات المتحدة، حيث باتت تُعتبر جزءاً من «التوازن الإقليمي» منذ احتلال العراق، فهذه المواضيع لا تطرح اليوم من باب الحوار بين البلدين، بل من زاوية الواقع الحاد الذي نجم منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وحتى اليوم، أي إنه يأخذ بعين الاعتبار المواقف الدولية من دمشق بالدرجة الأولى، وبالطبيعة التعامل الدولي وعلى الأخص مع إيران أيضاً. ففي النهاية لم تعد العلاقات الإقليمية محكومة بالسياسات الخاصة لدول المنطقة، بعد أن أصبح عامل احتلال العراق جزءاً أساسياً من أي معادلة إقليمية يمكن أن تظهر أو تتبلور على المستوى القريب.

مما لا شك فيه أن مباحثات بان في دمشق تشكل جانباً واحداً فقط من مجموعة الأزمات التي جاءت متسلسلة أو متزامنة بعد احتلال العراق، وهي نتائج طبيعية لآليات الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، لكن من الصعب وضع احتمال تصفية كل هذه الملفات بشكل سريع، أو خلال المرحلة المتبقية من عمر الإدارة الأميركية، فالسرعة في إغلاق الملفات لا يعني تصفيتها أو تطويق نتائجها، حيث تدرك الإدارة الأميركية أن الضغوط لوضع جدول لانسحاب قواتها من العراق يعني بالدرجة الأولى إنهاء الكثير من الملفات التي لا ترتبط مباشرة بالعراق، لكنها مساحة يمكن أن تشكل عوامل مساعدة في استكمال إستراتيجيتها. لكن إدارة الأزمات اليوم تبدو أصعب، كما أن استيعاب المنطقة لنتائج هذه الأزمات لن يكون سهلاً.

مصادر
سورية الغد (دمشق)