* يرفرف العلم الكندي بالقرب من صورة مكبرة للمغنية اللبنانية فيروز في المكتب رقم 425 في «مبنى الكونفدرالية» التابع للبرلمان الكندي حيث يتابع وزير الظل الكندي لشؤون الثقافات المتعددة اعماله. وهناك اشياء كثيرة تثير انتباه من يتعرف على النائب عن منطقة «مسيساغا ـ ارينديل» في تورنتو، اولها بطاقة التعريف بالنائب الذي يعتبر من اصغر الوزراء في حكومة الظل الكندية سناً، اذ طبع الكارد بطريقة «البرايل» كي يقرأها المكفوفون، بالإضافة الى اللغتين الانجليزية والفرنسية الرسمية للبلاد.

والأمر الثاني هو اسم النائب، عمر الغبرة، الذي يدل بوضوح على اصول النائب العربية. وعند حصوله على مقعد في البرلمان الكندي عام 2006، اصبح الغبرة اول نائب يتكلم اللغة العربية في المجلس التشريعي الكندي، وثالث نائب من اصول عربية. واتخذ الغبرة قرار الالتحاق بالسياسة الكندية، على الرغم من دراسته الجامعية في مجال الهندسة الميكانيكية وعمل سنوات طويلة في شركة «جنرال اليكتريك»، الا انه قرر «التوقف عن التذمر من الاوضاع السياسية والعمل على اصلاحها»، حسب قوله في لقاء مع «الشرق الاوسط». وانضم الغبرة للحزب «الليبرالي» الكندي قبل 4 سنوات، مما قاده تدريجيا ولكن بوتيرة سريعة الى قرار خوض الانتخابات التشريعية الاخيرة في كندا وتبوئه منصب وزير في المعارضة الكندية. ولد عمر الغربة لأبوين سوريين في السعودية عام 1970 ودرس في «مدارس الظهران» في الخبر قبل ان يتوجه الى دمشق لبدء دراسته الجامعية في مجال الهندسة، قبل ان يقرر اكمال اختصاصه في كندا. وقال الغبرة: «جئت الى كندا يوم 20 سبتمبر (ايلول) 1989، انه تاريخ لا انساه... وبدأت دراستي الجامعية كطالب اجنبي، مما استدعى دفع رسوم باهظة للجامعة». وأضاف: «بعد سنتين من الدراسة اعتمدت على نفسي مادياً وبدأت اعمل خلال ساعات فراغي لتمويل دراستي... وقادني ذلك الى العمل في اماكن مختلفة، من المقاهي الى محطات بنزين». واعتبر الغربة ان الدمج بين العمل والدراسة والاعتماد على النفس «علمني المبادئ الاساسية في الحياة الكندية والعمل لتكوين النفس».

وبعد الحصول على الشهادة الجامعية للهندسة، واصل الغبرة الدراسة في جامعة «يورك» في تورونتو وحصل على الماجستير في ادارة الاعمال، ليحصل على وظيفة في شركة «جنرال اليكتريك» لست سنوات ويصل الى مرتبة مدير قسم في قطاع الطاقة في الشركة. حتى هنا كان الغبرة متمتعاً بحياته في كندا وحصل على الجنسية الكندية واخذ يستقر في مجتمع بلده الجديد، مع الحفاظ على علاقاته بالعالم العربي. الا ان حدثا غير مسار حياته جذريا مثلما غير مسار حياة الملايين حول العالم: تفجيرات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة.

واوضح عمر: «التغيير حصل بعد 11 سبتمبر، فكل ما كنت افعله في اعقاب ذلك الحدث هو الجلوس مع اصدقائي لنتبادل النظريات والشكاوى من اوضاع العالم»، لافتاً: «كلنا كعرب لدينا ميول سياسية ووعي سياسي وخاصة ان خلفيتنا كلها ناتجة عن عدم الاستقرار السياسي في بلادنا ـ فلا نستطيع الا ان نتابع الاخبار والتطورات السياسية دوماً». وبعد شعوره بالملل من التذمر والشعور باليأس من الاوضاع السياسية والتصورات الخاطئة عن العرب، قرر «انه يجب علينا مد يدنا الى الاخر وتخطي الحواجز التي نفرضها على انفسنا وجعل الآخرين يفهمون وجهة نظرنا»، بحسب قوله. وبدأ الغربة نشاطه من خلال العمل التطوعي مع الحزب «اللبرالي» واتحادات الطلاب العرب في الجامعات الكندية، موضحاًَ اهمية مثل هذا العمل التطوعي بالقول: «لا يمكن فصل السياسة عن قضايا المجتمع». وأضاف: «جذبني الحزب الليبرالي تدريجياً لأنه حزب الوسط ويسعى الى الحصول على التوازن بين الازدهار الاقتصادي والمسؤولية الاجتماعية». وبعد التطوع في الحزب الليبرالي والتعرف على مبادئه، قرر الغبرة الانخراط بالحزب رسمياً بداية عام 2003. ولم يفكر الغبرة في خوض المعارك السياسية أو جعل السياسة عمله الرئيسي. الا ان الاحداث مجدداً دفعته الى تغيير مساره اذ في خريف 2005 عندما اعلن النائب عن منطقة «مسيساغا ـ ارينديل»، حيث تزدهر جالية من اصول عربية، عدم رغبته في خوض الانتخابات التشريعية، مما جعل الحزب «الليبرالي» يبحث عن مرشح جديد ـ وبدأت جهات عدة تطلب من الغبرة خوض الانتخابات. وقال الغبرة: «عندما اقترح اصدقائي هذا الامر رفضت في الاول وكنت اتصور انهم يمزحون، الا ان القضية اثيرت مرات عدة وأكدوا لي جديتهم».

وأضاف انه تمسك برفضه هذا المقترح، ولكنه اتخذ قرار خوض الانتخابات عندما «الح علي صديق كان يتحدث دوماً بسلبية عن الاوضاع السياسية وعن سيطرة نخبة من الاشخاص المحدودين على العالم، وقال لي انه من الواجب علي اخذ هذه الفرصة بعد كل كلامي السابق عن ضرورة العمل الفعال واتخاذ الخطوات الايجابية بدلاً من التحلي بالسلبية». وعندها قرر الغبرة خوض الانتخابات ليحصل على دعم الناخبين ويصبح عضواً في المعارضة الرسمية بعدما فاز حزب «المحافظين» على غالبية الاصوات وشكل الحكومة الجديدة. وعين رئيس الحزب «الليبرالي» ستيفان ديون الغبرة وزيراً في حكومة الظل لشؤون تعدد الثقافات ليشرف على اعمال وزير الحكومة جيسون كيني ويتابع شؤون الهجرة في بلد يعتمد على المهاجرين الجدد لبناء مستقبله.

وعن اندماج المهاجرين الجدد والنقاش حول الهوية الكندية، قال الغبرة: «الكنديون تخطوا هذا النقاش وخاصة في منطقتي (حيث اكثر من 50 في المائة من السكان ولدوا خارج كندا)، فتنوع الخلفيات نورت المجتمعات وجعلت المجتمعات اكثر تواضعاً، خاصة بعدما اثبت المهاجرون من دول مختلفة غنى خلفياتهم». ولكنه لفت الى ان «هناك بالطبع جهات متعصبة تثير قضايا التطرف وعدم التسامح ولكن لا اجعل هذه الامور تسيطر علي على الرغم من الانتباه اليها ومحاولة معالجتها». وعن المصاعب التي تواجه العرب في كندا، قال الغبرة: «العرب يواجهون النزاعات التقليدية التي تواجه اي مهاجر، انها ليست خاصة بالعرب ولكن قضية الهوية التي تمس الجميع». واضاف: «يواجه المهاجر، بغض النظر من اين اتى والى اين هاجر، صراعا اوليا لتحديد الهوية ولكن عندما يتقبل بأن الهويات المتعددة منسجمة وتضيف الواحدة الى الاخرى، يبدأ يشعر بالتأقلم»، مؤكداً: «هذه النظرية تنجح بالذات في بلد مثل كندا الذي يشجع الهجرة وتعدد الهويات». وتابع «المبادئ الكندية تعلمنا احترام جميع المبادئ الانسانية في اطار حكم القانون، وهذا اساس التعايش». ولفت الغبرة الى ان «الكثير من المهاجرين يركزون على حقوقهم في بلدهم الجديد ولكن احياناً لا يتذكرون المسؤوليات التي تأتي مع هذه الحقوق». واعتبر الغبرة ان من بين المسؤوليات على عاتق العرب في كندا هو اظهار مبادئهم وارائهم للاخرين، موضحاً: «هناك تنافس مستمر على الافكار والمبادئ التي تحكم المجتمع، ولذلك على العرب تحمل المسؤولية والمساهمة في المجتمع وتطوره وإلا فالآخرون سيسيطرون على النقاش وستطغى افكارهم على المجتمع، وحينها سيكون الصوت العربي غائباً».