إحدى الصور الأولى لـ"المرحلة" كانت بداية تشكل الظاهرة الإعلامية، فعام ألفين شهد ظهور أول صحيفة مستقلة منذ أكثر من ثلاثة عقود، ونالت صحيفة الدومري اهتماما واسعا رغم انها لم تكن خبرية، فهذه الصحيفة التي شكلت التجربة الأولى للاحتكاك ما بين المستقل والرسمي جاءت "ناقدة" او "ساخرة"، وربما اعادت للإذهان صورا لصحافة الخمسينات عبر أشكال "الإبهار" في نوعية ما أوردته.

وبغض النظر عن أي تقييم لهذه الصحيفة التي صدرت عام 2000 لكن تجربتها تكررت مع عدد من الصحف الأخرى، فمسألة إغلاق الصحف كشف عن فقر البنية الإعلامية، وأثار "ظاهرة" إعلامية جديدة نتيجة ظهور صحف مستقلة اختبرت من جديد التعامل مع قانون مطبوعات الذي لم يلبي احتياجات المرحلة المليئة بالأحداث.
عمليا فإن الإعلام استفاد من عمليات الإصلاح الاقتصادي وتحديث البنية الخاصة بالاتصالات، وربما كانت الفجوات في قانون المطبوعات عاملا مساعدا لتطور "الإعلام الإلكتروني" السوري، الذي ظهر معاكسا لأي حالة أخرى في العالم، لأنه أسس لنفسه بشكل مستقل، وفي الوقت التي كانت الإجراءات الرسمية تدفع الإعلام المطبوع للحذر، فإن الإعلام الإلكتروني كان يتحرر بشكل سريع.

ورغم مضي سبع سنوات على صدور أول مطبوعة مستقلة لكن التجربة كشفت عن أن الفعل الإعلامي تراكمي ولا يمكن التعامل معه بإجراءات مسبقة. وهذا ما نقلته الأحداث بعد اغتيال الحريري، فالإعلام اللبناني الذي يعتبر مصدرا أساسيا للخبر والتحليل في سورية خاض حملة لم تستطع كل الصحف الخاصة السورية من التصدي له، رغم أن الإحساس العام في المجتمع كان قويا تجاه ما حدث.

ومع نهاية سبع سنوات ظهرت أول صحيفة سياسية، وما بين التاريخيين فإن الظاهرة الإعلامية كشفت أن مسألة الإعلام:
  لا يمكن معالجتها بشكل منفرد، فمنح تراخيص لصحف يحتاج أيضا لآليات من أجل التعامل معها، لأن الإعلام إذا لم يدعم بمصادر إخبارية رسمية يبقى عاجزا عن التحرك والتغطية في مواجهة تدفق إعلامي كثيف إقليمي ودولي.
  ومسألة الإعلام الخاص لا تنفصل عن الإعلام الرسمي، فما عاناه الإعلام الخاص على مستوى الخبر والمقال والتغطية المكثفة، هي نفس المسائل والمواضيع التي عانى منها الإعلام الرسمي.
  ومسألة الإعلام خاضعة للتجربة قبل أي قوانين ناظمة، فقانون المطبوعات لم يمنع ظهور إعلام إلكتروني لا تحكمه ضوابط، ومنح تراخيص لصحف في مجال معين (اقتصادي) على سبيل المثال بقي شأنا إجرائيا طالما أن مواضيع الحياة لا تملك فصلا كاملا ما بين السياسة والاقتصاد والاجتماع.
  رغم تفاعل الظاهرة الإعلامية ومحاولات تسأسيس تجمعات للإعلام المستقل لكن "البنية الرديفة" لم تتبدل، فاتحاد الصحفيين على سبيل المثال لم يحاول أن يتقدم باتجاه دعم الظاهرة الإعلامية، ولم يحاول على سبيل المثال وضع "ميثاق شرف صحفي"، وفي المقابل لم تجد المؤسسات التشريعية صيغا إضافية مثل "المجلس الأعلى للصحافة" كما هو موجود في الكثير من دول العالم.

"الظاهرة الإعلامية" كانت مليئة بالإجراءات التي أدت لظهور محطات إذاعة وتلفزيون وجرائد ومجلات، وتمت محاولات مكثفة لتحسين أداء الإعلام الرسمي، لكن هل أصبحت الصحافة "سلطة رابعة"؟!! هذا السؤال يكشف عن عجز في وضع الإعلام ضمن الخارطة العامة للبلاد، فطالما ان الدولة منحته مجال العمل فإنه أصبح واقعا، مهما كانت الإجراءات المتبعة، لكن التجربة تحتاج إلى جدية اكبر عند التفكير بما يتطلبه هذا الإعلام من اقتصاديات جديدة، وترابطه أيضا مع حركة السوق والإعلان التي تشكل عصب حركته.
فالمسألة في "الظاهرة الإعلامية" متشعبة بدأت في افتراض أن "قانون المطبوعات" يمكن أن يتيح ظهورها والتعامل معها بشكل "منظم"، وانتهت في البحث عن "السوق" الإعلامي الذي ظهر في النهاية كمجال لا يتيح لوسائل الإعلام سوى التعامل مع "الميزانيات الضخمة".