بدأ الاستيطان البشري في الجولان، منذ عشرات الآلاف من السنين، وعرف مختلف مراحل التطور في العصور القديمة، فقد كشفت عمليات التنقيب عن العديد من المواقع التي تعود إلى العصر الباليوليتي (الحجري القديم)، بمراحله الثلاث: الأولى والوسيطة والعليا، إضافة إلى مواقع العصر الحجري الحديث، التي عثر فيها على مركز الحضارة اليرموكية في جنوب الجولان، حيث انتشرت في مناطق متعددة في بلاد الشام.

وتواصل الوجود البشري في الجولان، في العصر الحجري - النحاسي (الكالكوليت)، والذي يغطي الفترة من 4500 إلى 3200 قبل الميلاد. واستمر في العصرين البرونزي (من 3200 إلى 1200 قبل الميلاد) والحديدي (من 1200 إلى 550 قبل الميلاد) وفي العصور الكلاسيكية، إلى يومنا هذا.

وبدأت المدن والقلاع تظهر في الجولان ابتداءً من العصر الحديدي، كمدينة بيت صيدا الآرامية، وبانياس، وسوسيا (هيبوس)، وفيق وقلعة السنام وغير ذلك.

وشهدت المنطقة قيام ممالك وإمارات آرامية وعربية، منها جيشور، وإيطورية ، والغساسنة وخضعت للإغريق والرومان، وبقيت ضمن أملاك الإمبراطورية البيزنطية، حتى الفتح الإسلامي في عام (636 م ).

وقد احتفظت منطقة الجولان بطابعها المسيحي حتى نهاية الخلافة الأموية، حيث تضافر الزلزال المدمر عام 749 ميلادي، مع النزعة الانتقامية لدى العباسيين، في القضاء على آخر مواقع الحضارة في المنطقة، والتي بقيت أطلالها شاهدة على مجدها الأثيل.

واحتلت منطقة الجولان أهمية استثنائية خلال سنوات الحروب الصليبية، حيث كانت ساحة تجاذب وموقعاً لبعض المعارك المهمة، وثغراً من ثغور المجابهة.

وبعد تراجع الوجود الصليبي، خصوصاً في عهد الظاهر بيبرس ومن بعده قلاوون وأبنائه وأحفاده، شهدت منطقة الجولان ازدهاراً غير مسبوق، تشهد عليه كتب الدواوين المملوكية التي تتحدث عن مئتي قرية مأهولة تتبع لبانياس، ومئة وستين قرية تتبع لنعران.

وعبد الجولانيون القدماء الإله حدد، فقد عثر في بيت صيدا، في سهل البطيحة، على تمثال بازلتي لهذا الإله له رأس ثور و جسم إنسان، وعلى رأسه قرنان على شكل هلال الألوهية يتوسطه قرص الشمس، يتزنر سيفاً قصيراً، ويعود إلى العصر الحديدي.

كما شكل حرمون مركز استقطاب خاص، في العصر الوثني، فقد حظي باهتمام كبير في هذا العصر، حتى إن الحثيين والمصريين القدماء قدسوه، وأشهدوا هذا الجبل، مع الآلهة وجبل لبنان على معاهدة السلام والتحالف، التي وقعها كل من الإمبراطورين الحثي حاتو شيلي الثالث والمصري رعمسيس الثاني، في عام 1272 ق.م، وقد ورد حرمون في هذه الوثيقة بالاسم ووصف بأنه جبل سورية، في دلالة واضحة على قدم هذا الاسم.

وقد عبد الكنعانيون، والآراميون، والإغريق، والرومان هذا الجبل، واحتل المرتبة الأولى بعدد المعابد الموجودة فيه، مقارنة مع المناطق الأخرى في الإمبراطورية الرومانية الشرقية، ولعل من أهم هذه المعابد معبد قمة حرمون، ومعبد الإله بان في بانياس الجولان، وهو إله الرعاة والغابات ويرمز بجلاء إلى ثقافة ما قبل الميلاد في الجولان.

لقد لعب حرمون دوراً كبيراً في ثقافة العصور الوثنية، وفي بلورة مضامين هذه الثقافة وفلسفتها، ولا يزال هذا الجبل الشامخ مقياسا للتنبؤ الجوي حتى اليوم، لدى شريحة واسعة من أبناء المنطقة.

وعثر في الجولان، على رأس أسد من الطراز الحثي، صنع من البازلت القاسي، ويعود تاريخه إلى القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد، كما عثر على حجريات بديعة، منها صخرة جميلة تعود إلى معبد وثني، تحمل نقشا للآلهة فينوس، وأبولو، وجوبيتير صاحب اللحية، وأبي الآلهة ومنها تمثال إنسان، يحمل ترسا دائرياً، عليه نقش رأس ميدوزا، ووجدت في هذه المنطقة عاجيات رائعة، منها علبة خاصة بالمجوهرات، تحمل لوحات تمثل الآلهة أفروديت، وفينوس وكيوبيد إضافة إلى ربات البحار. وعموماً شكلت منطقة الجولان بحكم موقعها الجغرافي، وخصائصها الفريدة، نقطة تلاقي مختلف الحضارات، والثقافات التي شهدتها الدائرة الحضارية، وساهم هذا التفاعل بدور كبير في مسألتي الإبداع والتطور.

إن وجود لقيات، تجسد التأثير الإقليمي في هذه المنطقة؛ الرافدي، والحثي، والمصري القديم، هو أكبر دليل مادي حسي على التفاعل الحضاري. لقد أوضحت دراسة آثار الجولان اهتماماً مبكراً، لإنسان هذه المنطقة بفلسفة الحياة وجوهر الوجود، ومسألة المعرفة عموماً، وأكدت رهافة الحس الفني لهذا الإنسان، وقدرته الكبيرة على التعبير عن المشاعر وتجسيدها، بدلالة الأعمال الفنية الرائعة، التي أبدعها أبناء هذه المنطقة خلال مختلف العصور، من المجسمات الحجرية، والمعدنية، والعاجية، إلى الزخارف، والنقوش على الصخور، والأبنية، ولا سيما دور العبادة، والتي استمد الفنان معظم رموزها، من البيئة المحلية، ومن العالمين النباتي والحيواني.