دعا الرئيس إسماعيل هنية إلى «حل سياسي» في مخيم نهر البارد، قائلا إنه كفى الشعب الفلسطيني تشريداً وقهراً. ولنا بعض الملاحظات، من أجل فلسطين، ومن أجل لبنان، وخصوصاً خصوصاً خصوصاً بسبب عذابات ومآسي ومقاهر الشعب الفلسطيني، الموزع منذ 60 عاماً على مخيمات العالم العربي ومتاهات العالم أجمع.

كلام هنية يوحي وكأن معركة نهر البارد هي بين الجيش اللبناني والفلسطينيين، أو كأن الجيش هو الذي بدأها، أو كأن الجيش هو الذي غدر بجماعة «فتح الإسلام» وذبح رجالهم وفجر المسألة. في حين أن الحقيقة أن الجيش اللبناني يقيم منذ 3 عقود على أبواب المخيمات ولا يدخل إليها حتى بحثاً عن مطلوب للعدالة. فهو يعرف، والإدارة السياسية تعرف، أن أهل المخيمات أناس مغلوبون على أمورهم وعلى فقرهم وعلى الصراعات العربية.

أما «الحل السياسي» فهو أمر بديهي مطلوب في كل مكان. ولم يعد في إمكان الفلسطينيين ولا اللبنانيين، تحمل المزيد من التشرد والهجرة والجثث والذل، خصوصاً الذل. على أن أولوية «الحل السياسي» ليست في «نهر البارد» بل في غزة. إن الجيش اللبناني لا يخرق اتفاقاً وقعه في مكة ولا يتجاوز قََسَماً أداه في رحابها. هو يخوض معركة مع فصيل مجهول رفضت أي قيادة فلسطينية تبنيه أو الاعتراف به. فإذا شاء السيد هنية أن يغير هذا الواقع وأن يتبنى «فتح الإسلام» وما فعلت حتى الآن بالفلسطينيين والجيش ولبنان فإن «الحل السياسي» يصبح عندها حكما لا يرد. أما أن يُطالب جيش «بحل سياسي» مع قاتليه وذابحي جنوده ورتبائه، فمهلا سيدي الرئيس: الجنازات العسكرية تملأ لبنان والسفاح في «نهر البارد».

كيف يمكن أن نخلط، ولماذا، ومن أجل من، بين ارتكابات «فتح الإسلام» وعذابات الشعب الفلسطيني؟ وإذا كان «الحل السياسي» ممكناً وبهذه البساطة، فلماذا هذا التمادي في التنكيل بالشعب الفلسطيني في دياره؟ وهل يستطيع الرئيس هنية، بصفته الرسمية وصفته المواطنية، أن يقول لنا ما هو عدد الذين شردهم القتال الفلسطيني حتى الآن؟

الجروح لا هوية لها. والملح أثره واحد. وقد اختار هنية، دون سبب أو تبرير، أن يفرغ أكياساً من الملح على جراح الجيش اللبناني الذي فقد مائة شهيد على الأقل وتعرض لعشرات الإصابات، دون أن يشرح أحد لنا، لماذا؟ ما هي المناسبة؟ ولماذا أعلنت «فتح الإسلام» الجيش «عدواً» والحكومة «نظاماً ظالماً» ومضت تذبح الجنود؟ لا بد أن يكون لديها سبب يحملها على السطو على البنوك وخزن الأسلحة وتكديس المدافع؟ ربما لأنها تسعى إلى «حل سياسي».

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)