وراء عنوان "لحمايتهن من الاغتصاب ..عائلات تستئصل أرحام بناتها"، يمكننا ان نختفي أو نخفي كل نظام القيم الاجتماعي الذي يشكل الصورة الذهنية عن الأنثى، فهو مجرد نص يمكن ان ننقله بأمانة إلى كل القراء، لكنه في المقابل يدفعنا لطرح الكثير من الأسئلة حول المساحة الضيقة في تفكيرنا الاجتماعي أو حتى في التشريعات التي تحكم تفاصيل حياتنا، فمسألة المعاقين لم تعد حالة عابرة، فهي تدخل في صلب المواطنة التي يطالب بها الجميع.
في موقع "عمان نت نقتبس هذه المقالة التي نسترجعها مع "كم" الفضائح التي تواجهنا اليوم حول التعامل مع المعاقين، وعلى الأخص ما صدر في العراق الذي يصور جانب متطرفا، لكنه يدفعنا نحو إعادة النظر والتفكير مرة الأخرى بهذه الظاهرة... والمسألة لا تحتاج لحوار كغيرها من قضايانا المؤجلة، لأنه تمس حياة الناس والصورة "الحضارية"، وتعبر في النهاية عن "ثقافتنا"... فمن مساحة أنثى إلى الجميع ندع "النص" يتكلم:

((محمد شما من عمان: تحاول أم مصطفى تغليب عاطفتها أمام الآخرين والاحتماء بالصبر، ومساعدة حفيدتها لقضاء حاجاتها اليومية..
ورغم كبر سنها وعدم مقدرتها على متابعة حفيدتها بالشكل الذي يجب، إلا أنها تقاوم ما أسمته "مجتمع لا يرحم" لأن حفيدتها فداء "متخلفة عقلياً".
وتريد أن تكون فداء كما كل البنات، "فتاة من حقها أن تكون مثلهن"..
وأم مصطفى "فكرت" وبعد جهود كبيرة من العائلة والجيران "بإزالة رحم فداء"..وما تسمعه دوما "أزيليه من جسدها..ارتاحي وريحيها"....ولكن!!
أم مصطفى سألت "شيوخ" وأكدوا لها "بأحقية أن تبقى فداء هكذا كما هي، حتى لو أنها عانت من الدورة الشهرية وعدم ضبطها لذلك وبعض الآثار المصاحبة لها"..
ولكن! طبيب وجار أم مصطفى حاول مرارا إقناعها..بأن الفتاة "لن تتأثر كثيرا من إزالته، ولن تشعر فيه أصلا" والراحة ستكون متوفرة عند أم مصطفى وفداء.. لسببين "أولاً لخلاص الفتاة من آثار الدورة الشهرية وبالتالي راحتها وراحة جدتها.. ثانيا لأن أم مصطفى مسنة ولا يوجد من يرعى فداء من بعدها"..وهذه أحاديث دائما تسمعها أم مصطفى.
أما خالد فشعوره الدائم بالخوف على ابنته "المتخلفة عقليا" من أن تتعرض في يوم من الأيام من اغتصاب..ويلازمه الخوف من اتخاذ القرار المصيري "بأن أخذها إلى الطبيب وأخذ موافقته ونقوم بالعملية لها"..
ويقول: "حاولت أن أحبسها في البيت، ولكن الخوف المستمر لا مبرر له طالما أننا فكرنا جديا بإزالة رحمها"..
وإزالة الرحم..ما هي إلا عملية سهلة لا تأخذ إلا وقت قليل، وبعدها ستكون الراحة عنوان الفتاة "المعاقة عقليا" وكذلك أهلها.
إذا كانت أم مصطفى تدرس وضع حفيدتها، وخالد اتخذ القرار..فإن والدة يسر قامت بالعملية لابنتها، وانتهت من هاجس "أن يقترب منها أحد ويعتدي عليها"..وارتاحت من ما تخلفه الدورة الشهرية لها..تقول:"تعبت معها كثيرا، فهذه العملية جاءت منصفة لي ولها".
يسر لديها تخلف عقلي كبير..حيث قامت أمها وبعد إصرار "من محيطها" بكشفها على طبيب واستشاري أعصاب وطبيب نفسي "حتى أقروا بحالتها، وعدم أهليتها"..وهكذا تمت العملية..
إجراء وقائي ليس أكثر
طبيا، ترى الطبيبة النسائية بوران طه أن إزالة رحم الفتاة يكون "بإثبات تخلفها العقلي" وبمجرد بلوغ الفتاة "يطلب الأهل استئصال رحمها، "وتكون حالة الفتاة المتخلفة عقليا واضحة جداً، وعليه يقرر طبيبها استئصال رحمها"..وتستذكر "حينما كنت أعمل في مستشفى البشير كان يأتينا الأهل وبموافقة الطبيب نقوم بالعملية"..
وتشدد طه أن هذه الحالات تطبق فقط على الفتيات اللواتي ثبت أنهن قاصرات عقليا وبالغات، "ولا يمكن أن نجري عملية على فتاة غير بالغة"..نافية "وجود إحصائية لعدد العائلات التي يزيلن أرحام بناتهم"..
أما بدافع "الإنسانية" تتم عمليات استئصال الرحم، وتقول الطبيبة بوران أن "الفتاة لا تصلح لأن تكون أماً، ولن تتزوج بطريقة سليمة..كما خوف الأسر من مشاكل قد تحصل معها.. كاغتصابها مثلا وبالتالي تنجب طفلا معاق عقليا "والشيء الأهم كيف لها أن تعتني به"..
مهما كانت درجة التخلف عند الفتاة، "هو مخالف للقانون" وفقا للطبيب النفسي جمال الخطيب "بدءا من المتخلف عقليا وصولا بالذي تصف حالته بأعلى نسب التخلف فلا يوجد نص صريح في القانون يسمح لأي أسرة أن تزيل رحم ابنتها"..
وإذا وضعنا الجدل القانوني جانبا، فكيف لنا أن نوصف حال فتاة تعاني كثيرا من تابعات الدورة الشهرية ولا تضبط نفسها، وإذا ما نحينا جانبا أيضا خوف الأهل من اعتداء قد تتعرض له الفتاة..فكيف يمكن الحديث طبيا عن حالة هكذا فتاة؟
لا مبرر لرحم المعاقة
يقول رئيس القسم النسائي في مستشفى البشير، د. عصام الشريدة، أنه "لا مبرر للمحافظة على رحم المتخلفة عقليا.. وحين استقبل فتاة متخلفة عقليا سأزيل رحمها..مع تأكيدي على أني أستلم من أهلها تقريرا طبيا موسعا مؤكدا حالتها من طبيب نفسي وأعصاب"..
ومستشفى البشير واحدة من المستشفيات الحكومية الكبرى التي تستقبل يوميا أعداد ضخمة من المرضى والمراجعين، يقول مديرها العام د. محمد الروابدة أن أعداد العائلات التي تأتي وتطلب إزالة رحم بناتهم "قليلة" وتكاد لا تذكر..وإن حصلت "فلا بد من توفر على الأقل اثنان من الاستشاريين الطبيين..وانطلاقا من هذه التقارير نباشر بالعملية".
حالات "قليلة" وأعمار "صغيرة"
فيما يقول شريدة أنهم يستقبلون سنويا من 3-4 عائلات تطلب إزالة رحم بناتهم في (البشير) فقط ويروي أحوال العائلات التي يستقبلها: "تأتي عائلات وتقول لنا..أن بنتاهم المتخلفات عقليا لا يضبطن أنفسهن خلال الدورة الشهرية، وتقوم مثلا بحركات مخجلة أمام الناس كأن تخلع ملابسها أمامهم وتريهم الدم وهي لا تدرك بالتأكيد ما هذا".."وحينما نستأصل الرحم..فالدورة الشهرية تذهب وكذلك القدرة على الحمل"..
ورئيس جمعية المستشفيات الخاصة، فوزي الحموري يقول إنهم لم يقوموا بإحصائية في المستشفيات الخاصة لأعداد الفتيات المعاقات وتمت لهن العملية.."هناك أعداد كبيرة من النساء اللواتي يزلن أرحامهن، ولكنهن في الغالب يتجاوزن سن الأربعين ولا تكون إلا أسباب لها علاقة بالعمر ومن يتبعه من إفرازات تؤثر عليها".
أما رئيس جمعية النسائية والتوليد، الدكتور عبد المالك عبد المالك يقول إن الحالات التي تأتيه "قليلة" وتكون مقتصرة "على بنات لا يتجاوز تتفاوت أعمارهن 15-17 عاما، وتكون أوضاعهن صعبة من ناحية الخلل الهرموني".
إذا ما روقبت الفتاة 24 ساعة فمن الممكن أن تخرج من البيت وهنا ستكون معرضة للاستغلال من قبل أناس نفوسهم ضعيفة، وهو ما ينتج عنه حمل غير مرغوب..والفتاة غير قادرة على التمييز.."هذا جزء من ما تقوله العائلات لنا، والذين يطلبون استئصال الرحم فقط، أما المبايض لا نستئصلها، وبالتالي الهرمونات تبقى موجودة عند الفتاة"..وفقا للطبيب شريدة.
ويقول: "وحال حدوث حمل لهذه الفتاة فنسبة وراثة الطفل ستكون عالية لأن الكروموزمات تكون مشوهة...مع التأكيد أن هناك تشوه مكتسب وآخر خلقي والأخير ناتج عن خلل في الكروموزمات وبالتالي تتم وراثته".
فيما يقول الطبيب النفسي جمال الخطيب أن إمكانية إنجاب "المتخلفة عقليا" لطفل مشوه "ضئيلة جداً" وغير موجودة طالما أن تخلفها لم يكن وراثيا، إنما لحالة طارئة حصلت مع أمها خلال حملها كنقص الأوكسجين أو إصابة بالسحايا "عندها لا تكون جيناتها مشوه"..مؤكدا أيضا "أن العامل الوراثي متباين بين وراثي سائد ووراثي متنحي"..
والتالي "لا مبرر لإزالة عضو (صالح) لإنسان مهما كانت درجة التخلف لديه"..وفق الخطيب...
ولا يقوم الطبيب شريدة بإجراء العملية إلا بعد.."قرار موافقة من الأهل الفتاة وقاضي شرعي وطبيب استشاري"...
بدائل الاستئصال؟
إزالة رحم الفتاة يجب أن تكون الموافقة عليه "مقتصرة" على موافقة والديها ولكن القرار النهائي يجب أن يكون صادرا عن لجنة مكونة من أطباء أعصاب ونفسيين وجسديين"..وفقا لـ مسؤولة معهد العناية بصحة الأسرة في مؤسسة نور الحسين، د. منال التهتموني.
ويؤكد الدكتور عبد المالك أن اللجنة "يجب أن تكون مكونة كل من طبيب نفسي وأعصاب ونسائي وباطني ومختص في علم الوراثة".
ولكن إذا كانت هناك "بدائل" غير الاستئصال لماذا لا يتم العمل عليها؟
تقول التهتموني: "نعم، هناك إبر مثبطة للدورة الشهرية.. ولا يجوز التدخل الجراحي إلا إذا كانت هناك أسباب طبية..والأسباب الطبية تكون مؤكدة ومناقشة"..
التكلفة المالية لإجراء العملية "مرتفعة"، ولكن يرى الطبيب شريدة أنها لا تتجاوز 80 ديناراً، قائلا أن الطرق الأخرى غير عملية "ومكلفة كثيرا" وتأثيرها محدد بفترة زمنية مؤقتة، "ونسبة الفشل للعلاجات التحفظية عالية، مثلا عملية كي بطانة الرحم لا نضمن عدم قدوم الدورة الشهرية لها"..
ويشير إلى أن العلاجات التحفظية "ما هي إلا للمحافظة على الرحم" متسائلا. لماذا أحافظ على الرحم إذا كانت الإعاقة العقلية موجودة لدى الفتاة؟
أما الدكتورة التهموني وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة، ترى أنه وإذا كانت هناك إفرازات "غير طبيعية" عند الفتاة تكون هناك فرصة "لإجراء العملية" أما عائلة جاءت وتريد استئصال الرحم "خوفا من أن يعتدي عليها أحد" فهذا غير مقنع طبيا..وإلا فيمكن أن تتشابه هذه الحالة بالإجهاض..
أما شريدة فيرى أن إزالة الرحم هو خيار سليم، "لأنها معاقة وتشكل عبءً على أسرتها ومن حولها، وهذا حل لكثير من المشاكل في مجتمعنا"..
ويضيف أنه "لا يتم خصي الشباب المتخلفين عقليا كما البنات..لأن المبادر دائما لفعل الخطأ هو الرجل..وإذا تعرضت فتاة صحيحة لاعتداء من متخلف عقليا بإمكانها أن تصده بينما إذا تعرضت فتاة متخلفة من رجل صحيح لا تستطيع أن تصده"..
تكريس مجتمعي
من جانبه، يرى محمد حياصات، رئيس الجمعية الأردنية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة أن ما تقوم به عائلات الفتيات.."يؤكد النظرة الدونية للمرأة، فما بالنا بفتاة معاقة"..معارضا إزالة الرحم..
وإزالة الرحم "ما هي إلا انتزاع صفة من صفات الأنوثة عند الفتاة بغض النظر عن أهليتها، وهذا لا يختلف كثيرا عن بيع الأعضاء البشرية". بالتالي "يكون وضعها أشبه بمقولة "ما يطلبه الجمهور"..
ويوافقه الرأي الطبيب الخطيب، ويتساءل.."عندها سنرى عائلات تزيل كلى ورئات بناتها وتقوم ببيعها، لذلك لا فرق بين الرحم وأي عضو آخر يمكن استئصاله"..ووصاية الأهل على بنتهم المتخلفة "مكفول قانونيا" ولكن لا تشمل إزالة جزء من الجسد ولكن "الرعاية فقط"..وإزالة الرحم "تكون لوجود سرطان فيه، أو لإفرازات هرمونية زائدة ناتجة عن خلل ما"..
فيما يرى الدكتور فوزي الحموري إن هذه العملية تجرى "إنسانيا" للفتاة غير الطبيعية، "هي لا تستطيع أن تدبر أمورها إذا ما حملت، ولا أن تكون قادرة على رعاية طفلها بالشكل الذي يجب، ناهيك عن إمكانية حدوث الوراثة للطفل".
قانونيا..
وفقا لقانون المسائلة الطبية..فإن الإنسان القاصر أو "المعاق عقلياً" وغير قادر على السيطرة على نفسه والقيام بمهامه من تلقاء نفسه، فإن ولي أمره (أمه، أبوه، أو أحدا من أفراد عائلته أو وصي عليه ) هو صاحب الولاية عليه، لأنه لا يملك الخيار بنفسه..بمقابل ذلك ينص قانون صادر عن الأمم المتحدة حول حقوق المعاقين..أن الجميع عليه صيانة كرامة وحقوق المعاق وعدم الإهدار بها.
ويشير رئيس الجمعية النسائية عبد المالك، إلى أن القانون يشترط "موافقة العليل" وإذا كان العليل غير قادر على اتخاذ القرار فالوصي عليه هو المسؤول عنها".
المجتمع ووعيه
وترى د. منال التهتموني أن وعي المجتمع "اللاعب الأساسي".. والكثير من العائلات لديها معاق أو معاقة يشعرون بوصمة العار..وهذا ما نحاول في مؤسساتنا الاجتماعية أن نثقفهم بضرورة أن لا يتأثروا من أبنائهم وبناتهم المعاقين..والحل "عبر دمجهم في المجتمع"..

وتوضح "إن المتخلفين عقليا من أكثر الفئات تعرضا لحالات العنف الأسري..لذلك جاءت قوانين من دول العالم تمنع خصي الشباب المتخلفين وكذلك إزالة أرحام البنات"..
اعتداء بدون رحم لا مشكلة!
وتؤكد التهتموني أن للفتاة حقوق "بغض النظر عن عدم أهليتها"..واستئصال رحمها "خوفا من الاعتداء عليها..غير مقنعة طبيا..لأن الغرض من العملية عدم وجود حمل للفتاة فإن المشكلة ستظل قائمة.. "لأن حادثة تعرضها مثلا للاغتصاب ستكون متوفرة وبالتالي فإن الاعتداء موجود"..
"وبذلك فالمشكلة غير منتهية بعد إزالة رحمها..لأنها مثل الشاب المتخلف قد يتعرض لاعتداء ولا فرق عندها بينهما..وهنا نسمح للفتاة بأن يتم الاعتداء عليها لكن المهم أن لا تحمل!".