يثبت "الظواهري" في كل لحظة يرسل فيها شريطه المسجل بأنه "شر البلية ما يضحك"... لكنه في نفس الوقت يدفعنا إلى أكثر من "الضحك" على الظاهرة الصوتية التي يملكها متشبثا بأنه في مركز "الكون"، فمع الأسى الذي تنشره تحديات الظواهري الهلامية هناك نوع من الشك حول طبيعة ما ينسب إليه من "مرئيات" تبثها قناة الجزيرة أولا بعد أن تصلها من "مؤسسة السحاب".

القضية مع الأشرطة المسجلة التي يرسلها الظواهري لا تتعلق باعتقاداته أن يقود معركة عبر "جيش من الظلال"، أو حتى بتقديم تقييم لعمل "الأجهزة" السياسية العربية أو العالمية، لكنها مرتبطة بطبيعة "الثقافة" التي يحملها وهي لا ترتبط به حصرا. فإذا كان الظواهري يجسد محاولات الإسلام السياسي لكسر كل تقاليد عمله، لكنه في النهاية يشترك مع الثقافة التي تنتشر اليوم سريعا بنقطتين:
  أولا أن معركته لا تحتاج لأدوات، فمن الصعب تخيل أن ما يقدمه من توجيهات لحماس أحيانا أو يهاجم فيها بعض الدول والتنظيمات مبنية على أدوات يمتلكها، ويحاول عبرها تشكيل خطابه السياسي. فالظواهري يقود معركته "الخطابية" على مساحة من القيم وليس "السياسة"، زمهما تدثنا عن "انتشار" القاعدة أو "المجاهدين" حسب تعبيره، لكنه لا يقدم لنا، أو لا نملك وثائق، توضح أنه يتحكم في مساحة تحرك هذا الانتشار. فأدوات "التطرف" كما نلمسها اليوم يخلقها "التحكم السياسي الأمريكي"، وليس رغبة "الظواهري" أو غيره من قادة التطرف. وانتشار الأفقي لـ"الإسلام السياسي" غالبا ما يأتي بعد "الدخول السياسي الأمريكي" لأي منطقة. بينما لا نلمس عمليا أي وجود للقاعدة قبل هذا الدخول.

  ثانيا أن معركة "الظواهري" لا ترى نفسها إلا في "انقلاب" ثقافي إذا صح التعبير، فهي لا تعترف بأحد سوى ذاتها حتى ولو كانت محاصرة أو غير قادرة على النفاذ إلى بـ"الصوت والصورة" التي "تتكرم" بعض الفضائيات بتقديمها لنا. وخطورة هذا الانقلاب أن يريد تجاوز الزمن محاولا عبر تغليب "القيم" أحيانا أو من خلال "التحليل السياسي" المبسط الانخراط مباشرة بنفس الزيف الإعلامي الموجود حاليا بشأن صراعات المنطقة. قهو صراع "ما قبل الدولة" أو الحداثة أو العلمانية.
يبدو "الظواهري" أكثر من صورة "زائفة" لما نعانيه، فهو مع انتهاء "شريطه" المصور ينتهي أيضا من الذاكرة، بينما تبقى "النتائج" بصراعات ما قبل الدولة تحصد مجتمعنا على وترسم "خلايا نائمة" أو "زائفة" يمكن توظيفها سياسيا وفق تقلبات السياسة الدولية.