"النبش" في الحاضر ربما يحتاج إلى أدوات تتجنب إلى "التفكير القروي" ... و "التفكير القروي" ليس شتيمة، بل توصيف لواقع يسيطر على الثقافة الاجتماعية، ويعبر عن عجز في إيجاد وسائل مدنية .. تأخذ بعين الاعتبار أن العلاقات الحياتية باتت أكثر تعقيدا من حسابات القرية و الحارة وأبناء العمومة ..

التفكير القروي هو عدم القدرة على التمييز، على سبيل المثال للحصر، بين اليهود كما ورد ذكرهم في النص ديني، وبين واقع حالهم اليوم كتواجد بشري وحركة استيطانية في فلسطين .. والتفكير القروي هو اعتبار المدينة تجمع بشري وليس مجموعة مصالح وإرادة لتحقيقها .. والتفكير القروي كمثال أخير هو اعتبار الإرادة الدولية حالة "كسر عظم" مع إرادتنا، واعتبار صراعنا معها "فرض واجب".

ضمن منطق التفكير القروي تصبح الحقوق محسوبة بنتائجها وليس بأنها ميزة إنسانية، وتتم المحاسبة على ان الأفراد هم أرقام داخل المجموع البشري، وليست حالة فريدة داخل مجتمع، وضمن التفكير القروي ننظر إلى علاقاتنا ضمن "حقوق الجار" وقانون "العيب" بدلا من ان تحكمنا ضوابط قانونية يرسمها الدستور والتشريع المدني السائد في البلد.

إذا كان التفكير القروي هو صورة سورية الغد فربما علينا أن نبحث في الماضي عن نظام العشائر، وليس في المستقبل وما يحمله من إمكانيات. ولكي لا نبسط الأمور فإن "التفكير القروي هو منظومة معرفية تحدد إلى حد بعيد قيمنا وأخلاقنا وحتى مواقفنا السياسية، وتشبك العقل بجملة من المحرمات تبدأ بالجسد وتنتهي بنظرتنا لأنفسنا والآخر.

التفكير المدني يعتبر أن حرية العقل حق ولا يحسب نتائج هذا الحق، الذي يوصل لحرية الجسد والمعتقد والإبداع، أما التفكير القروي فإن يضع المسائل في تبسيطها الاعتيادي، فعندما نواجه ضغطا امريكيا على سورية بشأن لبنان، وهو مثال سائد اليوم، نعتقد أن الدور السوري انتهى، وان الولايات المتحدة تريد الانتصار لـ"فئة على أخرى".

ربما لا نستطيع التفكير بسورية الغد والمستقبل والإصلاح والتطوير و ... دون قراءة نقدية للتفكير القروي، لأن المستقبل لم يعد صورة شاعرية لطبيعة خلابة ونبع "يتكاثر عليه الصباع لتعبئة الجرار" و "ناطور" يسهر الليالي، وحفلات سمر داخل البيوت الدمشقية.. المستقبل هو وضع اكثر تعقيدا اليوم سواء أحببنا ذلك أم كرهناه، وهو بقدر ما يبتعد عن شاعرية وعاطفية الصور "الماضية"، لكنه يفتح ممكنات سترسم جمالا جديدا .. فهل سنختار التفكير القروي .. أم المدني!!