طرحت خطة تحرك المبعوث الفرنسي المكلف بمتابعة الأزمة اللبنانية جان كلود كوسران أمس، حالة من التجاذب الإعلامي والسياسي. وفي الوقت الذي أكدت فيه صحف لبنانية امس، حصول تغيير طرأ على برنامج تنقلاته الدبلوماسية يقوده على نحو غير متوقع الى دمشق، رفضت الناطقة باسم وزراة الخارجية الفرنسية باسكال اندرياني التعليق على هذه المعلومات، والتزمت التحفظ الشديد، لكنها لم تنف أو تؤكد الأمر في مؤتمرها نصف الاسبوعي. واكتفت بالقول “ان كوسران سيكون قريبا جدا في بيروت، ومن المحتمل أن يصل إليها قبل نهاية الاسبوع الحالي، من اجل التحضير لزيارة وزير الخارجية بيرنار كوشنير في 28 الشهر الحالي”.

طرح السؤال حول زيارة كوسران الى دمشق مرات، قبل عقد لقاء “سان كلو” بين اللبنانيين، وكان ينطلق دائما من البحث في الأسباب التي تدفع كوسران الى استثناء العاصمة السورية، من برنامج زياراته عواصم اقليمية ودولية عديدة ذات صلة بالوضع اللبناني. وكانت الردود الرسمية الفرنسية تتراوح بين القول: إن الوقت لم يحن لإجراء اتصالات مع دمشق على مستوى عال، والتهرب من إعطاء اجابة واضحة. ولكن الأمر في الحقيقة لا يحتاج الى تنجيم في الغيب، واسبابه واضحة، ويمكن حصرها في ثلاثة: الأول، هو أن باريس لم تغير سياستها بمقاطعة دمشق منذ اغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري. الثاني، ان فرنسا ترفض الاعتراف بدور سوري في لبنان. والثالث، أن فرنسا تحاول أن تحل اشكالية التأثير السوري في لبنان من خلال القناتين العربية والايرانية، وهي تعتمد على جامعة الدول العربية والسعودية وقطر وايران، من اجل الحصول على ضمانات من سوريا بعدم التدخل في لبنان.

أعطت هذه السياسة بعض الثمار، ولاحظ العالم أن هناك امكانية لعقد لقاء اللبنانيين في “سان كلو”، من دون أن تتدخل سوريا في مجرياته، لا سلبا ولا إيجابا، وعلى الرغم من أن صحيفة “تشرين” السورية حاولت الغمز من قناة اللقاء، إلا أن الاعلام السوري التزم الصمت في صورة عامة، وهذا علامة واضحة على التهدئة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو انه إذا كانت الجهود العربية والايرانية أفلحت في تحييد سوريا، فلماذا تقرر باريس أن توفد كوسران الى دمشق بعد “سان كلو” وليس قبله؟ يجب البحث عن الإجابة الفعلية عن هذا السؤال في المباحثات التي دارت في لقاء “سان كلو”، فالمؤكد أن الفكرة جاءت من هناك، لذا لم يستبعدها كوشنير في المؤتمر الصحافي، الذي عقده لاعلان “الخلاصات” التي تم التوصل اليها.

مع ذلك يمكن الاشارة الى ثلاث نقاط مهمة: الأولى، أن زيارة كوسران الى دمشق بعد “سان كلو” اكثر اهمية منها لو تمت قبله، ولكي لا يبقى المعنى في بطن الشاعر، فإن الزيارة تأتي بناء على إدراك فرنسا من خلال مجريات اللقاء نفسه استحالة تجاهل التأثير السوري، او استمرار التأثير فيه عن بعد، ولطالما دخلت باريس بكل ثقلها فعليها أن تذهب بعيدا من دون خوف. والثانية هي، ان زيارة كوسران تعبير عن جدية المحاولة الفرنسية، التي لن تترك بابا من دون أن تدق عليه. أما الثالثة فهي، إن زيارة كوشنير المقبلة الى بيروت على غاية من الاهمية، لانها سوف تضع الاسس للقاء لبناني - لبناني آخر، يعقد في نهاية الشهر المقبل للخروج باتفاق على حل شامل للأزمة.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)