على عكس العنوان فإن ما يمكن أن يفهم من "الموضوع الأمريكي" هو الصورة التي تتبلور حول مساحة "الولايات المتحدة" داخل العالم، فمسألة "الأمريكي القبيح" التي ظهرت خلال الحرب الباردة للتعبير عن رجال C.I.A وعملياتهم الخفية، انتقلت اليوم باتجاه آخر، فلم تعد الجنسية ضرورة للكثير من العمليات بعد أن أصبح "المرتزقة المتخصصون" يديرون العمليات العسكرية والمهام السرية.

والمشكلة أن الولايات المتحدة رسمت آفاقا مسدودة داخل السياسة العالمية من خلال اعتماد "نظام" مغلق لاستراتيجيتها، فظهرت "السجون السرية" و "الجيوش السرية" وربما "التحالفات السرية"... وهذا النظام متناقض تماما مع طبيعة "ثقافة العولمة" التي بشرت بها الولايات المتحدة مع انتهاء الحرب الباردة. فهي رسمت العالم على سياق جديد ربما يغير من طبيعتها مستقبلا كامبرطورية عالمية، أو حتى يبدل الصورة الدولية التي تم التعارف عليها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. فالمسألة بالنسبة للولايات المتحدة ليست تجاوزا لهيئة الأمم المتحدة، أو فرض قانونها على العالم، بل هي بالدرجة الأولى طبيعة "التورط" الذي أدخلت العالم به فخلقت هواجس أمنية جديدة، وتطلعات سياسية "غير اعتيادية".

الصورة القديمة للولايات المتحدة كدولة قارية بعيدة عن التأثر المباشر بأحداث العالم، انتهت مع أحداث الحادي عشر من أيلول، ومهما كانت التقديرات حول هذه الأحداث، وهل هي بالفعل من نتاج رجال يجلسون في الكهوف ثم "يديرون" شبكة عالمية، أم أنها ذروة نتاج "العولمة"، لكنها في النهاية كونت "مجالا حيويا" لتجسيد مرحلة الانتهاء من مسألة "الانعزال القاري".

المحافظون الجدد كانوا مغامرين في كل شيء، حتى بمستقبلهم السياسي وهم يرسمون بعضا من "الأحلام" الطوباوية حول المستقبل وعلى الأخص في الشرق الأوسط، وبغض النظر عن درجة نجاحهم لكنهم أدخلوا عوامل جديدة على المعادلة الدولية لا يمكن ان تزول بفعل الزمن، لأنهم لم يخوضوا حربا عسكرية فقط بل حربا ثقافية بأدوات عسكرية، هذا الأمر الذي لا يشكل سابقة على مستوى العلاقات الدولية، لكنه أنهى مرحلة "التهادن" الدولي حول مستقبل العالم وفجر كل بؤر التوتر في لحظة واحدة.

"الأمريكي المتورط" يعني في النهاية أن العزلة القارية لم تعد تشكل عاملا استراتيجيا بالنسبة للولايات المتحدة، وهذا الأمر لن يظهر بسرعة، فالولايات المتحدة حاولت أن تنهي قوانينها القديمة من أجل مزيد من العزلة، لكنها في النهاية تسربت إلى العالم كما تسرب العالم إليها في مراحل سابقة. فمسألة أمنها الداخلي التي خرقت في أحداث أيلول هي أكثر من نموذج يمكن مقاربته بأحداث بيرل هاربر التي دفعت الولايات المتحدة لدخول الحرب العالمية الثانية. فما حدث في أيلول كان يمكن أن يسببه أي حدث آخر لأن تغيرات السياسة الأمريكية موجودة بالفعل ومن الممكن أن تظهر بأي حدث وليس عبر تفجير برجي التجارة العالميين.

طبيعة "الأمريكي المتورط" هي أنه غير شكل الشرق الأوسط و "شرقي أوروبا" وأفريقيا، وهو لا يستطيع الانسحاب من هذه المناطق بشكل يسير، لأنه لم يفشل لكنه غير قادر على الاستمرار في تبديل معادلة دولية يبدو أنها تنفجر بشكل سريع، وهي تحتاج إلى أكثر من مجرد الحديث عن "استراتيجية أمريكية جديدة"!!!