منذ فترة ليست بالقليلة تتكرر في الصحافة العربية أخطاء اذا ما جمعت وتراكمت تحولت الى شأن تربوي خطير وضار يجعل منها خطيئة يصعب تداركها مستقبليا، هذه الاخطاء ليست ناتجة عن صحة الخبر بل عن اهميته وطريقة عرضه التي تؤدي الى ردة فعل معاكسة تربويا لما نريده نحن لأنفسنا.

بين يدي خبر ليس مهما ولكن اختياره للنشر تجعل منه مهما ومؤثرا ….. المانشيت يقول : منع تلاميذ عرب من دخول مكان أثري في ايطاليا …. لنتصور رد الفعل ؟؟!!! أطفال عرب ابرياء ذهبوا الى ايطاليا ومنعهم الطليان من دخول مكان اثري .. هكذا يقرأ اي عاقل هذا المانشيت.

في متن الخبر نصل الى معلومات تهويلية صادمة فنقرأ ( أثارت حادثة تمييز ضد اطفال من "اصول" "أفريقية "في ايطاليا اهتمام وسائل الاعلام " والرأي العام " بشكل كبير " يا للهول !!!!

اذا الاطفال ليسوا عربا أولا ومع هذا الحدث أثار السخط ثانيا . ولكن لنكمل ولنتساءل ما هي المسألة ؟

المسألة ببساطة أن القانون الايطالي منح فرصة دخول الاماكن الاثرية للأطفال الايطاليين ومن ثم لأطفال دول الاتحاد الاوربي بالمجان، وقرر احد الموظفين البيروقراطيين عدم ادخال الاطفال مختلفي لون البشرة لشكه في جنسيتهم و لعدم تمكن المرافقين من اثبات جنسية هؤلاء الاطفال … وماذا حصل بعد ذلك؟

احتج المرافقون وانسحبوا من المكان احتجاجا واعتذر المسؤول عن الآثار من التلاميذ ورجاهم ان يعتبروا الموضوع بيروقراطية غير مرنة، واهتمت الصحف وحاسبت كسلطة رابعة بحيث لا يمكن العودة الى هذا تصرف مرة أخرى خصوصا أن الرأي العام الذي اثير يرفض أن يكون عنصريا أو أن يشكك بلا عنصريته … وماذا بعد ؟؟؟

لا شيء سوى مرارة واحساس بالغبن والعداوة عندما يقرأ هذا الخبر بالعربية … انهم يضطهدوننا……!! مع تناسي الخبر المنشور بالعربية ان هؤلاء الاطفال هم طليان او اوربيون اي مواطنين اوربييين من اصول افريقية … حيث محى الخبر المنشور باللغة العربية فكرة المواطنة واعتبرت أن الله لا يغيير شيئا في الناس حتى لو غيروا شيئا في انفسهم .

مرة أخرى حتى لا نقع في العنصرية ونعتبر الآخر أي آخر عدو لنا كتحصيل حاصل ، وحتى لا تكون الصحافة جزء من عراضة التهييج، وحتى ندفع عن انفسنا نحن، ولأجلنا نحن شبهة العنصرية، فالمطلوب ليس أن لا نكذب صحفيا فقط، ولكن أن نختار الفاظنا وجملنا وحتى افكارنا بطريقة تدعم الجانب الخير للثقافة البشرية التي ننتمي اليها نحن ايضا، وأن لا نغامر بتأجيج العداء اللاعقلاني تربويا …

والنتيجة .. ومن الخبر ذاته أن الخبر لم يكن دقيقا ولا صادقا ولم يبقى منه الا المرارة والضغينة في نفس القارئ. في الحقيقة لم يمنع تلاميذ عرب من دخول اماكن اثرية بل تلاميذ طليان (المواطنة)، وفي الحقيقة لم يكونوا من اصول عربية فقط وانما افريقية، وفي الحقيقة أن الصحافة والرأي العام رفضا هذا التصرف البيروقراطي وبشدة وبمحاسبة لأنه (قد) يؤدي الى (شبه) عنصرية. وفي الحقيقة أن المسؤول اعتذر من الاطفال كي لا يصاب هو الاخر بشبهة العنصرية … فلماذا نركض اليها نحن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟