منذ حرب تموز 2006 ظهرت الخارطة الإقليمية على غير المألوف، فهي أول معركة يتم فيها التصريح علنا وبشكل مباشر بـ"عدم" ضرورة الحرب، ويتم تحميل طرف عربي المسؤولية بدلا من إسرائيل، وهي أيضا أول حرب تشكل تناقضا في المواقف من "الاعتداء"، وبشكل يوضح أن التناقض الإسراتيجية أصبح علنيا.

وربما شكلت قمة الرياض صورة أكثر وضوحا لهذا التناقض، عندما تجاوزت كل الاعتبارات السياسية التي حدثت منذ إطلاق المبادرة العربية في بيروت، وعادت إلى بنود تلك المبادرة، وبغض النظر عن طبيعة التسويات التي حدثت في الرياض لكنها كشفت عن مساحة خلل استراتيجي، وعند محاولة استبدال الأدوار. فما يظهر اليوم على سطح "الإعلام" من خلاف سوري – سعودي ربما يتجاوز "التصريحات" وعمليات الوساطة والمصالحة، لأنه ينقل المعادلة الإقليمية إلى موقع جديد.

فالحديث عن هذا "الخلاف" لم يكن مرتبطا فقط بتصريحات نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، بل أيضا بتحركات سياسية مكثفة لـ"الرباعية العربية" من جهة، وبجولات رايس إضافة للجدل حول مؤتمر السلام في إيلول والخلافات التي ظهرت بشأنه، فالأجواء السياسية منذ شهر تقريبا توضح أن "الحرب السياسية" مقدمة لا بد منها لاختبار "المعادلة الجديدة" في المنطقة. وهذه المعادلة التي كانت واضحة في التصريحات الأمريكية منذ غزو العراق، أصبحت اليوم "الخيار" الأساسي إعادة تشكيل المنطقة عموما.

والفارق الأساسي أن تقسيم العالم وفق الإدارة الأمريكية إلى قوى الشر، في مقابل قوى الخير والاعتدال أصبح ضمن سجال السياسي الشرق أوسطي قبيل "مؤتمر السلام"، وبات واضحا أن هذا المؤتمر لا يمكن أن ينعقد قبل حسم الخلاف بشأن "الحضور"، وهو ما يستدعي "التصعيد" السياسي لجعل "جبهة" المعتدلين هي الفريق الوحيد الموجود. فالحديث اليوم عن "تراشق" إعلامي بين دمشق والرياض هو في النهاية "صورة إقليمية" سيتم البناء عليها لاحقا داخل مؤتمر السلام، أو ضمن التريبات التي يمكن أن تسبقه أو تليه، وهي أيضا خارجة عن "نظاق" الحركة السياسية الطبيعية داخل الشرق الأوسط، وتم "بناؤها" إعلاميا بشكل دقيق سبق تصريحات الشرع.

ربما من المهم اليوم البحث في ضيغة المعادلة الإقليمية التي تتحرك سريعا بدلا من الحديث عن جبهات "إعلامية" تظهر وتغيب وفق إيقاع ارتداد السياسة الأمريكية في العراق. فما يحدث ربما ينقلنا دون سابق إنذا إلى سياسة محاور تعيد إلى الأذهان ما حدث في خمسينيات القرن الماضي بعد "حلف بغداد".