مهما كانت الغاية السياسية فإنني لن أحملك هالة الموت التي رافقتني في حلتي الطويلة، فظهورك في دمشق لن يعيد إلي اللحن الفراتي القديم، ولن يمنحني لحظة اتسرخاء على "شط العرب".. فحكايتي معك ربما لا يمكن اختصارها بجمل قصيرة، لأنها قضية من النوع الثقيل تشبه "القصف" المدفعي الذي عرفته منذ الاحتلال...

هذا القصف استفاق فجأة في داخلي فجعلني أدرك أن استخدام المصطلح يمكن أن ينتقل في المعاني فيصبح القصف عنصريا أو جنسيا أو حتى عاطفيا، فأدرك أن ما فقدناه ليس بغداد والموصل وكركوك وبالبصرة بل أيضا صورتنا كعرقيات حملن كل ألوان الحضارة ثم وضعنها في قلوبن لا تريد النزيف اليوم لأنها رغم الموت تبحث عن العشق...

وقدومك إلى دمشق اليوم يذكرني بالسنين الماضية عندما وقفت وسط الحصار، لكنني على الأقل كنت أملك الأمل فأتخيل نفسي أبحث في كل جغرافية العراق عن صورة جديدة، وأنا اليوم وجدتها... أو لنقل عرفتها في الانكسار الخاص للحياة في داخلي بعد أن تعرفت على "الشتات" بصورته العراقية...

أخاطبك كما خاطبت غيرك... وأتحدث وأنا أعرف أن الحياة أغلى من التوقف للحظات حتى أعرف إلى أين تسير السياسة، فأنا أريد البحث عن صيغ خارجة عن مألوف الحدث العراقي، بعد ان اصبح "التفخيخ" و "الجثث المجهولة الهوية" تشكل قاموسا عراقيا، ولا أريد إلغاء هذا القاموس لأن "الموت" خرج من عقاله وأعاد تركيب وجهي على شاكل دجلة في زمن "هولاكو"...

هو "عراقي" كما "عراقُك"... وهو وطني الذي أعرفه كما لا تعرفه أنت، فأنا لم إغادره إلى قبل سنوات، واختبرته في كل مساحات الغربة والحصار و"الشقاء الدولي" لذلك فأنا قادرة على وصفة وتكوينه من جديد رغم أنني تائهة اليوم، لكنه يرسم لي في كل لحظة ملامح أخرى... ملامح يمكن أن تكون عشقا جديدا بدلا من الاغتصاب أو العمل في الدعارة أو النحيب على "الجثث المجهولة الهوية"... إنها جثامين عراقيين وكفى... جثامين كامن تحلم بالعشق والفرح... ولن أتعب نفسي بالبحث عن "المسؤول فما يهمني استعادة ما بقي من الحلم كتى أعيد كتابة "تاريخ بغداد" لكنه لن يكون هذه المرة لـ"الخطيب البغداد"، بل للشتات العراقي.