شباب من كل الاعمار حملوا معهم هموم وطنهم وناءت ظهورهم بمعاناة الغربة , اؤلئك هم شباب عراقي تفرقت بهم المنافي والملاجيء بين قريب وبعيد وبين شرق وغرب , " سورية الغد " التقت بمجموعة من هؤلاء الشباب في بلدهم الثاني سورية ففتحوا قلوبهم لنا مبينين معاناتهم ومشاكلهم :

آلام الغربة والحنين الى الوطن

اول من التقينا به الشاب عبد الله العزاوي الذي تحدث قائلا : " كنت اسمع عن معاناة الغربة وآلام الحنين الى الوطن , لكني حين خرجت من بلدي لمست ذلك لمس اليد وعلمت ان للغربة يدا قاتلة تطعن القلب بخنجر مسموم , فانا استيقظ في بعض الليالي ابكي حين يمر بي طيف امي او حين اتذكر أهلي وعائلتي الذين تركنهم خلفي في العراق " .

الشاب حسام الاطرقجي قال :" رغم اننا في سورية بلدنا الثاني الذي يفتح ذراعيه لجميع ضيوفه وللعرب منهم خاصة ورغم اننا نعيش بين اهلنا واخوتنا , الا ان الانسان يظل يحن الى بلده ووطنه الذي شهد مسقط رأسه وسنوات طفولته وصباه, فانا كلما ذكر اسم بلدي وكلما تذكرت بغداد ودجلتها وشوارعها تتحرك في قلبي أوتار المشاعر وأنذكر تلك اللحظات الجميلة التي عشتها وأتمنى أن تطوى الأيام والمراحل لتنتهي هذه الغربة الاجبارية ونعود جميعا الى وطننا وديارنا".

هموم الوطن والقلق غلى الأهل في الديار

من الأمور التي تقض مضاجع الشباب العراقي في الغربة هو قلقهم من الاخبار المفجعة والمأساوية التي تأتيهم عن العراق سواء عبر وسائل الاعلام أو عبر اتصالاتهم الخاصة, حيث اخبار الموت والدمار والسيارات المفخخة والعنف المجنون والقتل على الهوية هي جل ما تسمعه عن العراق هذه الأيام , علي الحلي شاب عراقي يبلغ من العمر 25 سنة شجعه أهله على المجيء الى سورية حفاظا على حياته من التصفيات الطائفية التي انتشرت في منطقته يقول: "كلما سمعت خبرا عن سيارة مفخخة تنفجر أو عن جثث مجهولة يعثر عليها , يعتصر القلق والألم قلبي وأسارع الى الانصال بعائلتي هاتفيا ولايهدأ لي بال حتى اطمئن عليهم ".

فرات محمد طبيب عراقي يعمل في احد الدول العربية يقول :" قتل أخي الصغير لأن عائلتي كانت تسكن في المنطقة الخطأ طائفيا , ومنذ ذلك الوقت طلبت من جميع افراد عائلتي أن يخرجوا من العراق وقمت بتأجير شقة لهم في احدى ضواحي دمشق ليكون بوسعي الاطمئنان غلى سلامتهم مهما كلفني ذلك من المال , فالمال من الممكن ان التعويض عنه , اما الانسان فلا يمكن التعويض عنه فكيف به اذا كان حبيبا قريبا , ان كنوز الدنيا كلها لن تعوضني عن أخي الذي اختطفته والتهمت شبابه ماكنة العنف العبثي المجنون ".

ضياء عباس صحفي شاب كان يعمل مراسلا لاحدى الصحف العربية الكبيرة في بغداد اضطر الى ترك عمله ومغادرة العراق بعد تلقيه تهديدا من احدى الميليشيات يقول "اضطررت الى ترك بلدي والسفر الى سورية للحفاظ على حياتي وان حالة العراق وما يجري على شعبه من مآس تحز في نفسي وأتألم له كل يوم ".

مستقبل مجهول وبطالة عن العمل

مجموعة من الشباب العراقي التقيناهم في احد المقاهي وهم يلعبون النرد والورق , المهندس علي البابلي يقول :" نحن مجموعة من الشباب نعيش بمفردنا في سورية بسبب الأوضاع الأمنية السيئة في العراق ونضطر بسبب الفراغ الى قضاء أوقاتنا في لعب النرد والورق وغيرها من الألعاب لتزجية الوقت وقتل الفراغ ولم نجد أفضل من هذه الوسيلة لملأ الفراغ الهائل الذي نشعر به ".

ليث عبد الرزاق مهندس يقول :" فرص العمل المفتوحة أمام الشباب العراقي في سورية ضئيلة للغاية , والمواطن السوري نفسه يعاني من مشكلة البطالة , كما أن قوانين الاقامة لاتسمح لنا بالعمل وان وجد مثل هذا العمل فبأجور متدنية جدا وأقل مما يقبل به المواطن السوري أو أي مواطن آخر ".

المهندس أصيل الداهري أضاف قائلا :" نحن نعتب على الدول العربية وبخاصة الخليجية منها فهي قد أقفلت أبوابها في وجه المواطن العراقي وقد أصبح من العسير جدا بل يكاد يكون من المستحيل على المواطن العراقي الحصول على فيزا الى احد الاقطار العربية , أما كان الأولى بهذه االدول أن تقف الى جانب الشعب العراقي في محنته , نحن لانطلب منهم صدقة ولامعونة ولكن اليس المواطن العربي أولى بالعمل في الدول العربية من المواطن الآسيوي مثلا , بينما نجد بعض الدول العربية تفتح أبوابها للجنسيات الاسيوية والاجنبية وتسدها امام المواطن العراقي".

أيد عاملة رخيصة و عمالة الأطفال

تحسين صبي في الرابعة عشر من عمره أراه في بعض الاحيان يحمل الحاجيات الى شقتنا والشقق القريبة منها ,سألته عن عمله وأوضاعه فقال :" بعد أن جئت مع عائلتي المكونة من والديّ وثلاث احوة يصغرونني سنا أضطررت الى الان الانقطاع عن الدراسة والعمل مع صاحب محل للمواد الغذائية في ايصال الحاجيات الى الزبائن مقابل اجر اسبوعي قدره خمسمئة ليرة وأنا مضطر الى هذا العمل رغم مشقته وقلة اجره لمساعدة عائلتي في تسديد ايجار الشقة وفي توفير متطلبات الحياة ".

وسام 17 سنة يعمل مع بائع ماء يقول :" أعمل من الصباح الى المساء في عمل بدني شاق يقتضي مني حمل صفائح الماء والصعود بها الى الشقق في الطوابق العليا مقابل اجر اسبوعي قدره الف ليرة سورية , وانا مضطر للاستمرار في هذا العمل , فرغم اني اعيش لوحدي الا ان ما لدي من مال قد نفد وقد بقيت لعدة ايام بغير طعام لاني لا املك من المال ما اشتري به الطعام لأسد به رمقي , لذلك انا مضطر لهذا العمل رغم زهادة الاجور ومشقة العمل ".

جاسم العزي مواطن عراقي يعيش في سورية يقول :" ان بعض اصحاب الاعمال في سورية يستغلون حاجة اللاجئين العراقيين ويقومون بتشغيلهم بأجور زهيدة لاتتناسب مع ما يقومون به من جهد , كما انتشرت ظاهرة عمالة الاطفال دون السن القانونية وهؤلاء الاطفال يضطرون الى ترك مقاعد الدراسة والعمل في مثل هذه الاعمال مما يعرضهم للضياع والانحراف ".

صعوبة الحصول على مقعد جامعي

تشكل الشهادة الجامعية مفتاحا للحصول على مستقبل جيد ( او على الاقل هذا ما ينبغي ان تكون) لذلك فان الحصول على شهادة جامعية هو الحلم الذي يداعب مخيلة معظم الشباب , ورغم ان الحكومة السورية قد سمحت مشكورة للطلبة العراقيين باكمال دراستهم الاولية في المدارس السورية مجانا الا ان الوضع مختلف بالنسبة للدراسة الجامعية حيث ينبغي على الطلبة الذين حصلوا على شهادتهم الاعدادية في العراق اكمال دراستهم الجامعية في الجامعات الخاصة التي افتتح منها عدة جامعات في السنين الماضية يشكل الطلبة العراقيون النسبة الاكبر من طلابها , التقينا مع مجموعة من الطلبة في احدى هذه الجامعات واستمعنا الى همومهم :

الطالب سعد الحمداني يدرس الهندسة في احدى الجامعات السورية الخاصة يقول : "ان اجور هذه الجامعات اجور خيالية تصل الى عدة آلاف من الدولارات كما ان الاجور تتضاعف بالنسبة للطلبة الاجانب , بالنسبة لي أنا انحدر من عائلة متمكنة ماديا ولامشكلة أمامي في دفع مثل هذه الاجور ولكن ماذا عن الطلبة الآخرين الذين لاتسمح لهم اوضاعهم المادية بدفع مثل هذه المبالغ الهائلة ".

الطالبة سها العبيدي طالبة في كلية الصيدلة جامعة بغداد تقول :" جئت للتسجيل في احدى الجامعات السورية الخاصة لاكمال دراستي بعد أن منعني أهلي من الدوام في كلية الصيدلة في بغداد لانها تقع في منطقة مضطربة تحصل فيها دوما معارك بين مجموعات مسلحة مختلفة بالاضافة الى الخوف من الاختطاف ولكنني فوجئت بالمبالغ الخيالية التي تطلبها هذه الجامعات بعد أن كنت ادرس مجانا في بغداد , كما ان هناك مشكلة في معادلة سنوات الدراسة فانا الآن في المرحلة الرابعة ولكن ينبغي علي ان اكمل من السنة الثانية وهذا يعني ضياع سنتين من عمري ".

مجموعة من الطلبة العراقيين الذين يرومون التسجيل في الجامعات الخاصة طالبوا الحكومة العراقية بتخصيص منح دراسية للاجئين البعراقيين وأن لايقتصر منح الزمالات الدراسية للاقارب والمحسوبين والمنسوبين كما طالبوا الدول العربية والاجنبية والمنظمات الدولية بتخصيص زمالات ومنح دراسية للاجئين العراقيين ".

وللشابات همومهن

نهى خليل شابة عراقية تعمل بائعة في احد المتاجر التقينا بها فحدثتنا عن همومها قائلة :"لم نعد كشابات نهتم بلبس اجمل الملابس او الظهور باجمل المظاهر بل وحتى لم يعد يهمنا حلم الدخول الى القفص الذهبي ونكوين اسرة ذالك الحلم الذي يداعب مخيلة كل فتلة , وحتى شبح العنوسة المخيف لم يعد يرعبنا , فجل همنا الآن هو كيفية الحصول على لقمة العيش والحصول على فرصة عمل لمساعدة عوائلنا في هذه الظروف الصعبة ".

فاطمة حسين تقول :" أنا أقترب الآن من الثلاثين من عمري فمتى ستتاح لي فرصة الزواج

, ومن الذي سيتزوجني اذا كان معظم الشباب حائرون بهمومهم فهم ما بين لاجيء هارب من بلده وبين من بقي فيه خائفا يترقب ".

صفية ياسين تقول " ان ما يحز في النفس ان قلة من النسوة ممن سقطن في مستنقع الرذيلة يشوهن الصورة الناصعة للمرأة العراقيةالتي كافحت وناضلت الى جانب أخيها وزوجها وعائلتها والتي سطرت ملاحم رائعة في مقاومة المحتل, قد يكون البعض من هؤلاء النسوة سقطن نتيجة حاجة او ظروف صعبة ولكن أية ظروف لاتبرر السقوط والانحراف ".

غيض من فيض

هذا نزر قليل من الهموم التي يعاني منها الشباب العراقي في الغربة نطرحه امام انظار الراي العام ونوجهه رسالة تحذير وتنبيه الى الحكومة العراقية والى المنظمات الدولية التي تشدقت كثيرا بقضية اللاجئين العراقيين , عسى ان تتحرك احدى هذه الجهات لانقاذ جيل باكمله مهدد بالضياع بعد سقوط بلده في براثن الاحتلال والعنف الطائفي .

مصادر
سورية الغد (دمشق)