ماذا يقرأ الإسرائيليون هذه الأيام؟ فلاشك أن ما يقرأونه يحدد خريطتهم الإدراكية ويبيّن ماذا يدور في خلدهم، وما هي مخاوفهم وآمالهم. ولنبدأ بما نشرته صحيفة معاريف (18 يوليو2007) تحت عنوان "إغراق دولة إسرائيل بمهاجرين وبلاجئين وبمتنكرين بزي اللاجئين أكثرهم مسلمون" بقلم العالمة الأنثروبولوجية ياسمين هاليفي. ترى صاحبة المقال أن قانون العودة ليس بقرة مقدسة، أي أنه تجب مناقشته وربما تعديله أو إلغاؤه. ولكن لماذا تقوم هذه العالمة الأنثروبولوجية بوضع قانون العودة الصهيوني موضع تساؤل. تقول ياسمين هاليفي: "لقد أصبح قانون العودة مجال جذب للهجرة، ولكنه لا صلة بينه وبين الهجرة (الصهيونية). هذا ما نعرفه، ويعترفون به، لكن لا يوجد سياسي مستعد أن يقول: حسبنا غباءً جماعياً. إن أكثر من يأتون دولة إسرائيل، بفضل قانون العودة، ليسوا يهوداً البتة. إنهم يشعرون بأنهم غرباء في البلد الذي ليس بلدهم. إسرائيل أصبحت محطة عبور وانتقال لمهاجرين لا يكترثون بها، وكل همهم هو أن يستغلوها مالياً".

ثم تستأنف "ياسمين هاليفي" حديثها قائلة: "هذا هو الشأن أيضاً فيما يتصل بيهود الفلاشا. فكل عارف بشأن هذه الهجرة يعلم أن الحديث عن هجرتهم هو مجرد وهم. الحديث هنا ليس لمَّ شمل، وإنما عن ترتيبات لا توجد أية صلة بينها وبين الهجرة (الصهيونية) إلى إسرائيل. الحديث في واقع الأمر هو عن جماعات من السكان ليست لهم أية صلة بالمهاجرين اليهود من إثيوبيا، ولا يوجد ولم يوجد لأكثرهم أية صلة باليهودية أو بأصل يهودي. الدولة الصهيونية اعتادت أن تعمل حسب الضغوط، ولذا فإنها تجد نفسها قد أصبحت تعمل من أجل الهجرة الجماعية لمن ليسوا يهوداً". وتنهي الكاتبة مقالها بالتساؤل التالي: "لماذا يقوم البعض باستغلال قانون العودة لمصلحة الهجرة إلى إسرائيل من إثيوبيا، فهم في الكونغو أيضاً يعانون، بل ويوجد ملايين آخرون من المرشحين؟"

وقد أشارت الكاتبة إلى الفلاشاه مورا الذين يمثلون إشكاليه كبرى. وكما جاء فى "جويش تليغرافيك إجينسي" (15 يناير2007) في مقال بعنوان "طلب المساعدة لثمانية آلاف فلاشاه مورا يسبب قلقاً لأنه قد يؤدي إلى هجرة مستمرة". وقد قام مؤلف المقال بدراسة الموقف بنفسه فوجد مؤشرات كثيرة على أن هناك الآلاف ممن يعيشون في الريف، ويدعون أن لهم روابط يهودية، ولكن الحكومة الإسرائيلية لم تحسب لهؤلاء أي حساب. فقد حذر بعض القائمين على هجرة الفلاشاه من أن طوفان الإثيوبيين الذين يودون الهروب من الفقر والمجاعة وأفريقيا ويبحثون عن مأوى لهم في إسرائيل قد لاينتهي. ومن الأمور التي تثير الاهتمام هو موقف يهود الولايات المتحدة الذين يضغطون على الدولة الصهيونية لتعجل بانتهاء الهجرة الجماعية ليهود إثيوبيا، دون أن يأخذوا في الاعتبار المشاكل العديدة التي تسببها هذه الهجرة للمجتمع الإسرائيلي. أو موقف اليهود الإشكناز من هذه الهجرات الآسيوية-الإفريقية التي ستغير طابع إسرائيل وتوجهها.

أكثر من يأتون دولة إسرائيل، بفضل قانون العودة، ليسوا يهوداً البتة• إنهم غرباء في إسرائيل التي أصبحت محطة عبور وانتقال لمهاجرين كل همهم أن يستغلوها مالياً •

وتطل قضية من هو اليهودي برأسها كما هو الحال دائماً. فقد أفتت الحاخامية الرئيسية بأن الفلاشاه مورا يهود، ولكن مع هذا من الصعب التأكد من ذلك، ولذا لا يدخل الفلاشاه إسرائيل حسب قانون العودة، وإنما بمقتضي قانون الدخول (Law of Entry).

وقد أشرنا عدة مرات إلى ما نسميه "عقم الانتصار"، وهو إحساس الإسرائيليين أن انتصاراتهم العسكرية إن هي إلا انتشارات وحسب، لا تغير من الوضع و لا تحل المشاكل، وهذا ما ركز عليه البروفيسور "زكي شالوم"، المحاضر في جامعة بن غوريون في النقب والباحث في "معهد دراسات الأمن القومي"، خلال محاضرته بعنوان "إسقاطات حرب حزيران 1967". بيّنَ "شالوم" أن الانطباع الشعبي العام هو أن إسرائيل "انتصرت في كل الحروب التي خاضتها، سواء كانت حروباً اختيارية أواضطرارية"، لكن الحقيقة التي يجري التغاضي عنها على الدوام هي أن كل حرب تخلف وراءها "نسبة إعاقة معينة". ثم يضرب البروفيسور "شالوم" عدة أمثلة على ما يقول، أولها حرب 1948 (أو المسماة "حرب الاستقلال" في القاموس الإسرائيلي الرسمي): "لم تشهد هذه الحرب تضامناً على نطاق واسع لدى المستوطن الصهيوني. وكانت لدى عدد كبير من الساسة قناعة أكيدة بأن الصفة التي تم خلعها على هذه الحرب بأنها "حرب الفئة القليلة ضد الفئة الكبيرة"، هي كذبة ممجوجة. كما رُوفقت الحرب بصراعات سياسية عنيفة. وخلقت هذه الحرب مشكلة اللاجئين الفلسطينيين التي لا تزال تلاحق إسرائيل حتى أيامنا الحالية. وقد انتهت حرب 1948 بشعور أنها "فوّتت فرصة ترجمة المنجزات العسكرية إلى اتفاقات سياسية لمصلحة إسرائيل". والمثل الثاني الأكثر سوءاً هو حرب السويس في العام 1956 (والتي نطلق عليها العدوان الثلاثي). في هذه الحرب تحالفت إسرائيل مع دولتين كولونياليتين (بريطانيا وفرنسا) خاضتا حرباً وحشية ضد دولة من العالم الثالث (مصر). وكانت حرباً اختيارية كلاسيكية هدف دافيد بن جوريون من ورائها إلى إسقاط نظام جمال عبد الناصر.

أما حرب "يوم الغفران" أو حرب أكتوبر 1973 فهي أهم الأمثلة على عقم الانتصار- تمثلت الإعاقة التي خلقتها هذه الحرب في اندلاعها بصورة مفاجئة وفي حجم الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها إسرائيل، وكذلك في اتضاح حقيقة أن إسرائيل لم تكن جاهزة لحرب طويلة الأمد، وعلى خلفية ذلك تم تسيير جسر جوّي من الولايات المتحدة إلى إسرائيل. وقال إنه رغم ارتسام الحرب باعتبارها انتصاراً ساحقًا في الذاكرة الشعبية الإسرائيلية فقد اشتملت على الكثير من الإخفاقات. من هذه الإخفاقات ذكر "شالوم" ما يلي:

أولاً- اشتملت الحرب على سلسلة من الإخفاقات الاستخبارية، ومعظمها يتحمل المسؤولية عنها وزير الدفاع آنذاك، "موشيه ديان". مثلاً قدّر "ديان" أن مصر لن تهبّ لنجدة سوريا وأن مصر لن تشارك في الحرب بسبب تبعات الحرب في اليمن، وقد تبين أن تقديراته خاطئة.

ثانياً- لم يخطط رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، "ليفي أشكول"، ما عرف باسم "فترة الانتظار"، وإنما انجرّ إليها بسبب عدم قدرة القيادة السياسية على حسم أمرها.

ثالثاً- قصة انهيار رئيس هيئة الأركان العامة للجيش، إسحق رابين. وعلاوة على هذا الانهيار الذي بات معروفاً، فإن رئيس هيئة الأركان العامة لم يبثّ ذرة واحدة من الإصرار أو التصميم على أن في وسع الجيش الإسرائيلي أن يشنّ الحرب.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)