ذكر تقرير إسرائيلي أن 50% من الضباط في جيش الاحتلال الذين يخدمون في الوحدات القتالية ينتمون الى التيار الديني الصهيوني، الذي يشكل 7% فقط من اليهود في إسرائيل. وحسب التقرير الذي أوردته صحيفة " معاريف " في عددها الصادر امس، فأن 40% من كبار الضباط ( من رتبة عقيد فما فوق )، هم من أتباع التيار الديني الصهيوني. وشدد التقرير على أنه في حال ظلت وتيرة تطوع انصار التيار الديني الصهيوني للخدمة في الوحدات القتالية على هذا النحو، فأنهم سيحكمون قبضتهم على الجيش الإسرائيلي بشكل كامل. وعلق بن كاسبيت كبير المعلقين في " معاريف " على هذه المعطيات قائلاً أن حقيقة تبوء اتباع التيار الديني الصهيوني للمواقع القيادية في الجيش بشكل يفوق بعدة اضعاف نسبتهم في المجتمع يدلل على أن الجيش الإسرائيلي " لم يعد جيش يمثل شعب، بل يمثل طبقات اجتماعية محددة ". واعتبر كاسبيت أن الأمور ستكون أكثر خطورة لأن الجنرالات المتدينين عندما يتقاعدون من الخدمة العسكرية سيحتلون الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

انقلاب في تركيبة القوى البشرية في الجيش

وتمثل هذه المعطيات انقلاباً كبيراً في تركيبة القوى البشرية للجيش الإسرائيلي، حيث أنه حتى أوائل الثمانينيات من القرن الماضي ظلت نسبة المتدينين الصهاينة في الهيئات القيادية في الجيش أقل من النسبة التي يمثلونها من حيث تعداد السكان. فحتى ذلك الوقت ظل القادمون من القرى التعاونية "الكيبوتسات" - التي تمثل قلاع العلمانية الإسرائيلية - ينفردون بالسيطرة على المواقع القيادية في الجيش، لدرجة أن الانتماء لـ (الكيبوتس) كان رديفاً للانتساب للوحدات المختارة في الجيش، مع العلم أن الانتساب لهذه الوحدات يُفتح الطريق أمام احتلال المواقع القيادية في الجيش والدولة مستقبلاً. ويرى علماء الاجتماع في اسرائيل أنه قد حدث تغيّر دراماتيكي متلاحق ولافت للنظر ادى الى تقليل نسبة خريجي)الكيبوتسات) الذين يلتحقون بالوحدات المختارة بسبب تحلّل الكثير من هؤلاء من الإيمان بـ "واجب التضحية من أجل الدولة". ويرى عالم الاجتماع الاسرائيلي سامي ساموحا أنه في المقابل حدثت عملية عكسية تماماً، حيث اصدرت المرجعيات الروحية للتيار الديني الصهيوني تعليمات لأتباعها بأن عليهم أن يتوجهوا تحديداً للانخراط في الوحدات المختارة والسريات النخبويّة في الجيش، من أجل قيادة الجيش، وبالتالي التحكم في المشروع الصهيوني. ويعتبر ساموحا أن الذي سهّل على اتباع التيار الديني الصهيوني تحقيق هدفهم وهو وجود ما يُعرف ب "يشيفوت ههسدير"، وهي معاهد دينية عسكرية – يمولها الجيش – و ينضم إليها حصراً أتباع التيار الديني الصهيوني بعد تخرجهم من المدرسة الثانوية. و يقضي هؤلاء ثمانية عشر شهراً في هذه المعاهد، يمارسون خلالها تعليمهم الديني، وفي نفس الوقت يؤدون الخدمة العسكرية، مع العلم أنه بعد تخرجهم منها يقضون ثلاثين شهراً إضافية في الخدمة العسكرية. ويبلغ عدد هذه المدارس اثنتين وأربعين مدرسة يديرها الحاخامات، و يتم التشديد فيها على أن "الخدمة العسكرية والروح القتالية هي مهمة جماعية يفرضها الدين بهدف قيادة المشروع الصهيوني". وطلاب " يشيفوت ههسدير " لا ينظرون للخدمة العسكرية على أنهم يؤدون خدمة إجبارية تنتهي بعد ثلاث سنوات، ب ل إنها بوابة واسعة لممارسة التأثير على مستقبل الدولة، وعلى عملية صنع القرار فيها. على الرغم من أن " يشيفوت ههسدير" يتم تمويلها من قبل الجيش، كذلك فإن مدراءها من الحاخامات يتلقون رواتبهم من خزانة الدولة، إلا أن نظام التعليم فيها مستقل تماماً، وتتحكم فيه المرجعيات الروحية للتيار الديني الصهيوني دون أي قدر من الرقابة على مضامين مناهج التعليم فيه، على الرغم من أن الخدمة العسكرية في إسرائيل إلزامية، إلا أن الانتساب للوحدات المختلفة داخل الجيش هو أمر اختياري وطوعي لكن بفعل التثقيف والتعبئة التي يتعرضون لها داخل "يشيفوت ههسدير"، فإن أتباع التيار الصهيوني الديني يتجهون للانتساب للوحدات المختارة، وسرايا النخبة في الجيش. شيئاً فشيئاً أصبح معظم قادة الوحدات المقاتلة من المتدينين.ومعظم القادة والمنتسبين للوحدات المختارة مثل "سرية وحدة الأركان"، و "ايجوز"، "دوفيديفان" و "يسام"، هم أيضاً من المتدينين. ليس هذا فحسب بل إن المتدينين يحتكرون الخدمة فيما يُعرف بـ "سرايا النخبة" التابعة لألوية المشاة، فمثلاً 60% من القادة والمنتسبين لسرية النخبة في لواء المشاة "جفعاتي" هم من المتدينين. تغلغل المتدينين الصهاينة في المواقع القيادية للجيش دفع الجنرال يهودا دونيدينان الذي كان مسؤولاً عن قسم "الشبيبة " في وزارة الدفاع للقول: إن أتباع التيار الديني الصهيوني أصبحوا يشكلون "العمود الفقري" للجيش. ولا يقتصر اندفاع المتدينين نحو المواقع القيادية في الجيش، بل أيضاً في الأجهزة الاستخبارية؛ فعلى الرغم من أنه لا يُعلن عن هوية الذين يخدمون في الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، إلا أن التسريبات الصحافية تؤكد أن المتدينين أصبحوا يمثلون ثقلاً متصاعداً داخل جهاز المخابرات الداخلية "الشاباك"، وهو أكثر الأجهزة الاستخبارية تأثيراً على دوائر صنع القرار في الدولة. وما ينطبق على الجيش والمخابرات ينطبق على الشرطة وحرس الحدود.