كان الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون محاصر ببداية الحرب الفيتنامية، وحسب الروايات الأمريكية فإن حملته الانتخابية كانت ضد "التورط" في هذه الحرب... خلال هذه المرحلة بالذات اندلع العنف في بعض الولايات الجنوبية، وتحديدا الميسيسبي، بينما كان داعية الحقوق المدنية القس مارتن لوثر كينغ يضغط لمنح السود حق الانتخاب.

هذه التطورات دفعت ليندون جونسون وبسرعة إلى التوجه للكونغرس الأمريكي في خطاب "مؤثر" أوضح فيه أن القضية ليست مسألة جنوب أو شمال أو حتى سود وبيض لأنها "مسألة أمريكية"... كان روبرت مكنمارا (وزير الدفاع آنذاك) يدفع باتجاه الحرب، وكان جونسون يحاول إقرار قوانين بشأن الحقوق المدنية... وربما لا تذكر الأجيال من تلك الحقبة سوى "آلام الحرب"، لكن المهم أن الخطاب الأمريكي بقي في "خصوصيته"، فالرئيس جونسون الذي كان يرى خطرا في انقسام "الأمة الأمريكية" هو نفسه الذي أعاد رسم فيتنام ما بين شمال وجنوب، وهذه الخصوصية في الخطاب تظهر وكأنها استراتيجية لا تريد التفتيت، إنما تحاول الاستماع إلى طرف واحد.

وما بين حرب فيتنام والعراق الكثير من الافتراقات، لكنها في النهاية تتلاقى عند نقطة "رؤية الآخر" بالدرجة الأولى، ثم رؤيتنا لأنفسنا بالدرجة الثانية، فالرئيس جون كيندي أغرق "سايغون" بجيش من المستشارين، وكانت النهاية الوصول إلى الحرب. والإدارة الأمريكية الحالية أيضا أغرقت "المعارضة" العراقية سابقا بالاستشارات وكانت النهاية الوصول إلى الحرب. وهذه الخصوصية في الخطاب الأمريكي تقوم بحالات إلغاء قسري وسريع لأي طرف معتبرة أن التوازن الدولي يمكن إسقاطه في أي بقعة جغرافية، وفي النهاية نصل إلى مساحات من العنف الداخلي أحيانا، أو الانقسام السياسي الحاد في أحسن الحالات.

أما رؤيتنا لأنفسنا فهي الجانب الآخر للمسألة، فربما لم يشكل مجتمع ظاهرة كالتي نعيشها في القدرة على التماهي مع الخطاب الدولي، ومنذ الحرب الباردة اقتسمنا هذا الخطاب، ومع انتهاء الخطاب "المعادي للإمبرايالية" كان باستطاعة الجمهور الأوسع من المثقفين العودة إلى ما تفرضه "العولمة" و "التحول الدولي" والظهور بأشكال ليبرالية، فهل يمكن أن نعود إلى "الرواية الأمريكية" حول ليندون جونسون عندما تبدو الأزمة من ضمن الهوية وإلى داخلها؟!

إنه سؤال يظهر كنشاز وسط الحديث عن "عالم جديد"، لكن التجاوز التاريخي الذي نحاول القيام به لا يمكن أن يعفينا من التعامل مع الأسئلة الأولى، وإذا كان الدكتور عزمي بشارة يذكرنا بين الحين والآخر بشؤال الهوية، فلأننا على ما يبدو غير قادرين على التفكير بأكثر من قضية، وبشكل يوحي بأن المسائل الديمقراطية والحريات العامة والعلمانية أو حتى قضايا المرأة تلغي الهوية أو ضرورة التعامل معها كقضية قومية!!!