لم تخفِ الصحف الإسرائيلية الصادرة الامس، ابتهاجها بما اعتبر إنذارًا لحرب إسرائيلية-سورية، بعد ما أعلنته دمشق من إغارة طائرات إسرائيلية على أهداف في شمال شرق سوريا. وسبب الغبطة التي حاولت الصحف الإسرائيلية كتمها دون جدوى، أنها تعطي مصداقية للكم الهائل من الأخبار والتحليلات التي نشرتها هذه الصحف على مدى الأشهر الثلاثة الماضية حول احتمالات وتوقعات الحرب مع الجارة الشمالية، والتي رجحت هذه الصحف بأنها ستقع في الصيف، الذي انقضى، ليأتي الخريف بإنذار حرب تقول دمشق وتل أبيب انهما غير راغبتين فيها.

واهتمت الصحف الإسرائيلية، بإبراز تصريحات المسؤوليين السوريين، في ظل التعتيم الإسرائيلي الرسمي حول ما جرى، وعدم التعليق على ما قالته المصادر السورية، والذي يصل حد النفي. وقالت صحيفة يديعوت احرنوت الإسرائيلية "إنه على الرغم من تصريحات المصادر السورية حول هجوم نفذته طائرات إسرائيلية، إلا انه من الصعب تأكيد أن الهجوم وقع بالفعل". وأضافت الصحيفة أن المسؤولين السوريين، لم يحددوا نوعية الطائرات التي نفذت الهجوم المفترض، أو كمية ونوعية الذخائر التي قالوا إن الطائرات الإسرائيلية أسقطتها في مناطق مفتوحة في سوريا.

وأشارت الصحيفة، تعليقًا على مسألة الذخائر، بأنه يحدث أن يتخلى الطيارون عن خزانات وقود إضافية تكون لديهم، عندما يتعرضون لنيران أرضية، من اجل أن تكون الطائرات أخف وزنًا وأسهل حركة في الجو. وقالت الصحيفة، إن ما أدلى به شهود عيان في المنطقة الحدودية السورية-التركية، عن اكتشافهم لخزانات وقود، يؤكد فرضية التخلص من خزانات الوقود الإضافية في الطائرات الإسرائيلية. ومنذ الإعلان السوري، تحركت القيادة الإسرائيلية، وخاصة وزارة الخارجية، وبذلت جهودًا دبلوماسية من خلال الاتصالات مع السفراء والدبلوماسيين، لتهدئة ما وصفتها صحيفة يديعوت احرنوت "العاصفة"، وأبلغت إسرائيل دبلوماسييها في الخارج انه ليس لديها مصلحة في العدوان على سوريا.

وعلى الرغم من أن هذا التحرك الإسرائيلي، يعني اعترافًا من قبل إسرائيل بشأن ما فعلته طائراتها، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي اولمرت، تجاهل ما حدث في خطابه أمام نشطاء حزبه أمس، ورفض الإجابة عن أسئلة حول الأمر. وقال اللواء المتقاعد عوزي ديان، إن الجيش الإسرائيلي حريص على عدم السماح للحادث بإشعال التوتر مع سوريا. واضاف ديان للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي "إسرائيل ناشطة على جبهات عديدة في الشرق الأوسط ولكن ليس لدينا أي نية لإحداث تدهور في الوضع، وهذا هو السبب في ان رد الفعل الإسرائيلي كان مقتضبًا".

ورأى ديان، انه بينما يحاول المسؤولون الإسرائيليون معالجة الأمر بسلاسة وعدم تضخميه ان كان قد حدث، فإن المسؤولين السوريين على عكس ذلك تمامًا، حيث شنوا حملة تصريحات ضد إسرائيل. وعلى الرغم من أن ما قاله ديان، وغيره من محللين، يمكن أن يفهم منه تصديقًا للرواية السورية، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين واصلوا الصمت، وقال حاييم رامون، نائب اولمرت، ووزير الخارجية تيسبي ليفني انه ليس لديهما أي علم عما حدث.وقال محللون بان عدم إدلاء اولمرت ووزرائه بتعقيبات يأتي التزامًا بما قررته الحكومة الإسرائيلية من إلزام وزرائها بعدم الحديث في الموضوعين السوري واللبناني، خاصة الشؤون العسكرية، وان إسرائيل رأت في بيان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي حول التقارير السورية، هو الجواب عليها، حيث قال الناطق العسكري الإسرائيلي "ليس من عادتنا الرد على هذه الأنواع من التقارير".

وتوقفت صحيفة هارتس عند تصريحات محسن بلال وزير الإعلام السوري لقناة الجزيرة، والتي قال فيها إن بلاده تحتفظ بحق الرد، وتساءلت الصحيفة العبرية عما يقصده بلال بالرد، وهل سيكون ردًا عسكريًا أم دبلوماسيًا. ورأت هارتس، في الحادث، مؤشرًا خطرًا لأنه يأتي بعد اشهر من التوتر الذي قالت إن الحدود السورية-الإسرائيلية تشهده، وأعربت عن خشيتها من أن يرجح ذلك المخاوف من اندلاع حرب بين تل أبيب ودمشق، رغم أن المسؤولين فيهما يؤكدان انهما لا يريدان الحرب.

ونقلت هارتس عن مصدر أمني إسرائيلي قوله، إنه يستبعد أن تخفض سوريا قواتها في الجولان بعد التوتر خلال الشهور الماضية، أما ممثل الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا فقال للصحيفة بأنه لا يرى أي سبب موجب للحرب بين إسرائيل وسوريا. وكتب المحلل يواف شتيرن في هارتس، متسائلاً إذا كان ما حدث حسب الرواية السورية، سيكون فعلاً مؤشرًا للحرب، التي قيل عنها الكثير خلال "الصيف الساخن"، خصوصًا أن ما حدث هو أول تصعيد عسكري كبير في المنطقة منذ اكثر من سنة؟.

وقال "رغم أن ما وقع ووفقًا للتقارير السورية، يبقى حادثًا معزولاً، وليس جزءًا من معركة أو حرب، إلا انه يثير مع ذلك عددًا من الأسئلة". واضاف شتيرن "قد لا يتطور ما حدث إلى شيء اكبر في الوقت الحاضر، ولكنه يرسل موجات صدمة في أنحاء المنطقة، وذلك ببساطة لأنه في الشرق الأوسط يمكن أن يكون لكل حادث عواقب غير متوقعة". وناقش شتيرن إمكانية أن يكون الرد الذي قالت دمشق أنها تحتفظ به، عمليات مقاومة في الجولان، ولكه استبعد ذلك، ورجح أن تتمسك سوريا، كما قال بعادتها وهو طلب إدانة من مجلس الأمن لإسرائيل.

وقال شتيرن إن أسئلة كثيرة ظلت من دون إجابة حول الحادث، وأين وقع؟ هل على الحدود السورية-التركية؟، كما ذكرت وكالات الأنباء، أم في منطقة القامشلي؟، التي لا تبعد كثيرًا عن الحدود العراقية، كما ذكرت فضائية العربية. واستطلعت صحيفة يديعوت احرنوت آراء بعض المختصين في الشؤون الإسرائيلية وسألتهم حول طبيعة الرد السوري المتوقع، مشيرة إلى أن التقارير السورية التي تحدثت عن خرق الطيران السوري لأجواء الجارة الشمالية، يثير القلق والتكهنات لدى المسؤولين الإسرائيليين وخبراء الأمن إذا ما كانت دمشق ستخطط للرد على الاستفزازات الإسرائيلية المفترضة.

وقال المحلل اليميني المتطرف مردخاي كيدار من جامعة بار ايلان، إن سوريا تسعى لتشويه المزاعم الإسرائيلية حول أسباب الحرب الأخيرة على لبنان، وتريد أن تثبت للعام العربي أن إسرائيل التي تقول سوريا إنها انتهكت سيادة لبنان خلال الحرب الأخيرة، فإنها مستعدة لانتهاك سيادة بلد آخر. وعبر كيدار عن اعتقاده، بان سوريا، ترغب في استرعاء انتباه العالم باتجاهها، من اجل تخفيف ما اسماه "الضغط على حليفتها إيران". وقال كيدار بان الرد السوري، سيعتمد على إسرائيل، وهو ما يفسر الصمت الإسرائيلي الرسمي، واشار إلى انه يعتقد بان في المستقبل، يمكن لسوريا أن تعتمد أساليب حزب الله، مثل تنفيذ عمليات خطف هنا، واطلاق صواريخ الكاتيوشا هنا.

أما البروفيسور ايال زيسر، من جامعة تل أبيب والمختص بالشؤون السورية فقال بان لا يتوقع أن تكون سوريا سريعة في الرد، واشار إلى انه يرى بان التصريحات السورية بعد الحادث المفترض، لا تتضمن أية رسائل جديدة، وبقيت تحمل لهجة معتدلة نسبيا. وتعليقا على التقارير الأخيرة التي تفيد بان سوريا تكدس الأسلحة بمساعدة إيران قال سيزر "هذا بالتأكيد يخلق مشكلة في المدى البعيد، فنحن أمام سباق تسلح إقليمي، لكن من المبكر التكهن بكيفية الرد السوري".

ويذكر بأن إسرائيل تحتل مرتفعات الجولان السورية منذ عام 1967، وخلال حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، تمكن الجيش السوري من تحقيق تقدم، ووصل إلى مناطق واسعة في هذه المرتفعات، إلا أن هجوما عكسيا إسرائيليا شديدا، اجبر الجيش السوري على التقهقر، وواصل الجيش السوري تقدمه، إلا أن مفاوضات لوقف الحرب أفضت إلى اتفاق لفك الاشتباك، تم خلاله إعادة مدينة القنيطرة إلى سوريا بعد أن دمرتها إسرائيل، بينما احتفظت الأخيرة بمرتفعات الجولان التي أعلنت ضمها إليها في بداية ثمانينات القرن الماضي.

ولم تفض المفاوضات التي جرت خلال السنوات الماضية بين تل أبيب ودمشق بوساطة أميركية إلى تحقيق تقدم على الصعيد السلمي بين البلدين.ويخوض سكان الجولان، ومعظمهم من الطائفة الدرزية باستثناء قرية الغجر التي يسكنها علويون، والتي تقع على الحدود اللبنانية، نضالاً سلبيًا ضد إسرائيل، ويرفضون الاعتراف بجنسيتها، وتعتقل سلطات الاحتلال الإسرائيلي عددًا من أبناء الجولان بتهمة مقاومة الاحتلال. وفي هذه الأثناء تنتقل وسائل الإعلام الإسرائيلية من الحديث عن "الصيف الساخن" الذي كانت تتوقعه بين تل أبيب ودمشق، إلى الحديث عن ما تحمله زوابع الخريف من تطورات قد تكون مفتوحة على اكثر من جهة.

مصادر
ايلاف