سؤال مطروح منذ شهر تقريبا: هل انتهى الصيف الحار؟!! وبالطبع فإن الاختراق الجوي الإسرائيلي يمكن قراءته بأكثر من طريقة، وتحميله أيضا كما من التحليلات السياسية، لكن اللافت في أن ما حصل وجه الأنظار نحو "الدولة العبرية" وردود فعلها أكثر من كونه حادثة "تبادلية" مرتبطة بسورية أولا وأخيرا، فهي التي أعلنت عن الاعتداء، وهي أيضا التي أصدرت بيانا مقتضبا.

عمليا ليس متوقعا من سورية أن تقدم خطابا جديدا يفصح عن تفاصيل ما تحضر له، فالمسألة "عسكرية" بالدرجة الأولى، والخطاب السياسي السوري بطبيعته "متمهل" يحاول تجنب "رد الفعل المباشر"، لكن محاولة معرفة "الموقع السوري" من معادلة الحرب بقي معلقا في مساحة التصريحات السابقة، أو الوقوف عند عناوين أساسية، ربما يكون اولها تمسك سورية بالسلام، والحديث عن خيار المقاومة، وربما يكون المفقود في هذه المسألة هي التعامل مع المعطيات الواقعية لهذه العناوين، وعدم الاكتفاء بالكم الهائل من التقارير التي تتحدث عن احتمالات الحرب، ومعظمها صادر من الدولة العبرية.

والاعتداء الإسرائيلي الأخير يدفع مجددا إلى السؤال عن إمكانية اندلاع الصراع من المنظور السوري، ومن الحسابات الإقليمية عموما التي تقع سورية ضمنها، فالحديث عن "تجديد" النظام الدفاعي السوري لا يدفع إلى الاعتقاد بأنها جاهزة أو تريد فتح المعركة، وربما لا يكفي استرجاع تاريخ جبهة الجولان لتناول احتمالات اندلاع الصراع، فبالنسبة لسورية هناك أمران أساسيان:

 الأول أن الصراع وفق الحسابات التقليدية لم يعد ممكنا، فالمواجهة لن تنعكس دوليا على حسابات "قوتين" أساسيتين، واليوم فإن المعركة سيتم التعامل معها مع "قوة" وحيدة هي الولايات المتحدة.

 الثاني أن مسألة الصراع ليست فقط تحديث نظام التسلح كما تتحدث عنه الصحف الإسرائيلية بشكل شبه يومي، فسورية خلال صراعها مع "الدولة العبرية" لم تكن تبحث عن "تحديث" فقط بل أيضا "الدعم" العسكري خلال الصراع، فالحروب القائمة على أساس المعارك بين الجيوش تتطلب بالدرجة الأولى "أمدادات" دائمة وسريعة. وهذا ما حدث خلال مواجهة الصيف الماضي بالنسبة لإسرائيل. وما حدث سابقا خلال حرب 1973.

الخيار السوري وفق هذا القياس يبدو صعبا، فالخلل ليس في الميزان العسكري فقط، بل أيضا في الدعم الاستراتيجي الذي يمكن أن يُقدم خلال المعركة، وهو ما دفع البعض للاعتقاد أن سورية يمكن ان تعتمد أساليب غير تقليدية فيما لو اندلعت المعارك على سياق ما قام به "حزب الله" في لبنان. وهو احتمال يمكن أن يصبح إحدى "عوامل" المعركة، لكنه لا يسمج لدولة بالمراهنة عليه فقط.

وفق هذه الصورة فإن خيارات سورية وفق المؤشرات الأولية ربما تستند إلى أكثر من عامل في المعركة:

 إذا صحت مسألة "التحديث" العسكري الذي تتحدث عنه الصحف العبرية، فعلى الأغلب أن سورية ليست مستعدة للتفريط بعتادها عند أول بادرة، وهي ستستخدمه كاحتياط استراتيجي لاستيعاب الضربات الأولى والجدية، وليس فقط لمواجهة الاستطلاعات المفاجئة أو الاستفزازية.

 مسألة احتلال الأراضي لا تقلق سورية فثبات جبهة الجولان أو فتحا لن يغير كثيرا من معادلة الصراع، لأنها ومنذ عدوان 1967 أصبحت جبهة استاتيكية إلى حد بعيد، وفيما لوحصل تقدم إسرائيلي عليها فإن هذا الأمر لن يغير الكثير في مجرى الصراع طالما أن تمركز الجيوش لم يعد يقدم نفس الفاعلية بالنسبة للحروب الحديثة.

 تدرك إسرائيل أن أهم نقطة في أي معركة قادمة هي "الدولة" وأن ضرب الدولة هو الذي يمكن أن يغير من المعطيات الإقليمية، وهذه التجربة كانت واضحة في احتلال العراق أو في أزمة لبنان. فالمعركة رغم كل أشكالها العسكرية فإن هدفها تبديل معطيات الدولة. وسورية تعرف هذا الأمر لذلك فإن الصراع هو من منظور إقليمي أولا وأخيرا له علاقة بشكل إقليمي يتم تعميمه.

ليس غريبا أن يأتي العدوان الأخير مع معارك سياسية على المستوى الإقليمي، ومظاهر في تكوين محاور وإعادة رسم السياسة الإقليمية، فأي حرب بعد العراق لن تكون مجدية إذا لم تكسر بنية الدول، وإعادة المجتمعات إلى مراحل ما قبل السياسة... فالحرب بالنسبة لسورية متشابكة وهي في النهاية ليست مواجهة عسكرية بل أيضا استراتيجية سياسية تمنع تشتيت مفهوم الدولة عبر الحرب أو غيرها من المعارك.