ليس من تردد أردت التأخر في إعادة رسم ما قاله أدونيس عن "الطاهرة القبيسية" في سورية، لكنني ربما كنت أعيد معايشة الحلم الذي رسمه من جديد داخل القلب والعقل أيضا، فنحن نحاول إزاحة القحط والصورة المكفنة بالسواد كي نبدأ من جديد.

في حلم أدونيس الذي وضعه مقابل "القبيسيات" ابتعاد ربما عن المواجهة، لأن هذه الظاهرة لا يمكن استيعابها فكريا، أو حتى بمحاكات نموذج نقيض، بل باستعادة صور العشق للأنثى، وبمحاولة تذكر بسمتها كما رسمها الحداثيون منذ اوائل القرن الماضي. فالصورة "القبيسية" كانت ضد الحلم الذي داعبنا منذ أن قررنا التحرر من التراث، أو "البوح" بما تحمله الأنثى من "رغبة".

وعندما نحلق مع الكلمات ينقلنا أدونيس لمساحة مفقودة عبثا نحاول استعادتها.. مساحة رافقت كل السنين التي خرج فيها الإبداع من أسر "القوافي" أو نمطية الخيارات، فتعلمنا أن الأنثى بالخصب وليست بالإنجاب، وبالعشق الذي يقتل كل صور الجواري والظل الأسود الذي أراده البعض أن يصبح ستارا للمدينة. والأنثى هي فرح الأرض بالتلاقي أو المعاشرة، فتتحول "السفينة إلى مرفأ" يضج بالشوق للأرض والصخب والسير على إيقاع الحياة بدلا من ادعاء الموت ودفن الرغبات.

"الظاهرة القبيسية" لا يمكن تلخيصها بنقاب يغطي أزقة المدينة لأنها في النهاية تعبير عن زمن خاص، يتوارى فيه الجميع وراء النقاب، محاولين التخفي من قدر المواجهة.. مواجه الحياة وتحدي الدخول إلى أرض العشق التي نبحث عنها، فينتهي الإبداع الذي كان يوما يكلل عقولنا ويدفعنا لأن نبقى فرحين رغم كل الهزائم لأننا على الأقل انتصرنا على الماضي.

بالعشق وريما بطيف الحب يمكننا أن نكسر الظلام الذي يسير القلوب قبل العقول، فإذا استطاع أدونيس الكتابة مجددا عن "الظاهرة القبيسية" فهو أدخلنا إلى زمن "يوميات امرأة لا مبالية" عندما أصبح العشق حالة خلق دائم يدفعنا لأن نعانق الحياة بدلا من الزهد بها، ونقبل المراهقين عوضا عن ملاحقة مشاعرهم.

"حلم" أدونيس لا بد من أن يقفز على قلوب الإناث، أو يستثير عنف الرجال ليتخلوا عن كسل زمن الجواري، ويتعلموا من جديد أن الأنثى ليست هبة الله للبشرية فقط، بل هي "خيال" يطير وعلينا الحياة فيه... وأن الذكور ليسوا مجرد "قناصين" أو "تنابل" في الجنة ينتظرون "الحواري كي تهدى لهم، بل عليهم أن يتفاعلوا مع متعة العشق.

ربما نخرج من زيف "الحواري".. أو نفكر بهذا الحلم الأنثوي الذي يختصر الحياة إلى "حورية" في الجنة... أو جارية في منزل لأننا نعشق ونحب ... ونحلم ونتخيل... ونملك رغبة في عناق يستنزف مشاعرنا فينجب موسيقى تداعب الكون في زمن القسوة.