بعد خرق الطائرات الحربية الإسرائيلية مؤخرا المجال الجوي السوري من الطبيعي أن يطرح السؤال ـ ما هي الفترة التي سيتسنى للجمهورية العربية السورية وإسرائيل البقاء في حالة "لا حرب ولا سلام" بينهما؟
بعد حرب أكتوبر عام 1973 تسنى لطرفي النزاع الإحجام عن تجاوز "الخطوط الحمراء" في فترات تفاقم المواجهة بينهما. وبقيت خطوط الفصل في مرتفعات الجولان أهدأ خطوط المواجهة بين البلدان العربية وإسرائيل. ولكن بظهور حركات "الإسلام" السياسي على الساحة السياسية الإقليمية تغير وجه الشرق الأوسط السياسي بصورة ملموسة. وأظهرت الحرب في لبنان والأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية أن بوسع هذه القوى حل قضايا الحرب والسلام ذاتيا.
وتعتبر استعادة مرتفعات الجولان المحتلة عاملا أساسيا بالنسبة لسورية في مواجهتها مع إسرائيل. وتنجم أهمية هذه القضية عن حسابات استراتيجية جدية لدى دمشق. ذلك أن السلطات السورية تواجه اليوم تحديين أساسيين. وهما ضرورة مواصلة تحديث البلد اقتصاديا والحد من نفوذ الحركات الإسلامية الراديكالية.
وإذا أمكن للرئيس بشار الأسد استعادة مرتفعات الجولان فسيتسنى لدمشق تطبيع علاقاتها مع الغرب بسرعة. وسيكسب تدفق الاستثمارات الغربية على الاقتصاد السوري مسيرة الإصلاحات الاقتصادية في البلد زخما ملموسا. وستخفف عودة مرتفعات الجولان من معضلة شحة المياه لدى سورية وستساعد على تطوير الزراعة السورية التي تشكل أساس أمنها الغذائي. وستتعزز بشكل ملموس مواقع الرئيس بشار الأسد أمام المعارضة الراديكالية سواء داخل البلد أو خارجه.
هكذا تود سورية حقا نتيجة ذلك استئناف حوار السلام مع إسرائيل.
وستتوفر لإسرائيل بدورها نتيجة استئناف مفاوضات السلام مع دمشق منافع معينة. ومن الصعب بدون سورية حل القضية الفلسطينية واللبنانية بالصورة التي تضمن أمن إسرائيل.
هذا وقد تغيرت خلال العقد الأخير الأهمية الاستراتيجية لمرتفعات الجولان بالنسبة لإسرائيل. فإن تل أبيب تخاف لا من هجمات وحدات الجيش السوري النظامية في حال مرابطتها في المرتفعات بقدر ما تخشى من ضربات الصواريخ السورية المتوسطة والبعيدة المدى من خارج الجولان. أما فيما يتعلق بالوصول إلى موارد المياه في مرتفعات الجولان الذي يشكل أساس قلق إسرائيل الاستراتيجي، فبوسع إنشاء عدد كاف من محطات التحلية الإضافية في المستقبل على حل هذه القضية. مع ذلك يعيش في مرتفعات الجولان الآن 20 ألف مستوطن يهودي لهم تأثير كبير على قضية توقيع السلام مع سورية. ولذلك لا تتجرأ حكومة إيهود أولمرت على اتخاذ خطوات ملموسة في اتجاه السلام مع الجمهورية العربية السورية تحسبا من رد الفعل السلبي من جانب المجتمع الإسرائيلي.
وفي محاولة للتستر على دوافعه الحقيقية يعلن أولمرت أن الرئيس السوري لا يسعى إلى السلام مع إسرائيل بقدر ما هو يرغب في استعادة العلاقات مع الولايات المتحدة. ولربما أن الأسد يسعى حقا إلى إجراء حوار سوري أمريكي على مستوى القمة. ومع ذلك أن واشنطن تتمسك بهذا الشأن انطلاقا من كل الشواهد برأي آخر. فلا يستطيع جورج بوش أبدا الصفح عن حافظ الأسد على "تعنته" بشأن المغامرة العسكرية الأمريكية في العراق وكذلك علاقات سورية مع إيران و"حزب الله" و"حماس".
وينتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي أيضا طلب دمشق بخصوص ضرورة إعلان إسرائيل رسميا استعدادها لسحب قواتها ومستوطناتها إلى حدود 4 يونيو عام 1967 قبل بدء المفاوضات. ومع ذلك أن التجربة المرة للجولات السابقة من المفاوضات السورية الإسرائيلية وحالة العلاقات السورية الأمريكية الراهنة لا تبقي للأسد خيارا آخر.
كما تواصل القيادة الإسرائيلية التخوف من أنه في حالة تغير السلطة في سورية فان أي اتفاقية مع الحكومة السورية الحالية ستكون عديمة الجدوى. وتستخف في غضون ذلك بواقعة أن الأسد يحكم البلد منذ ثماني سنوات. وقد أفلح خلال هذه الفترة في ترسيخ مواقعه وتشكيل فريقه في السلطة الذي يمكن الاعتماد عليه في إدارة شؤون الدولة.
وتشترط إسرائيل بدء المفاوضات مع سورية بوقف الدعم السوري "لحزب الله" و"حماس" كما تطالب بخفض مستوى علاقات دمشق مع طهران. ففي زمن رئاسة حافظ الأسد عندما كانت ترابط في لبنان قوات سورية تعدادها 40 ألف فرد كان بوسع دمشق السيطرة حقا على "حزب الله". ولكن اليوم حتى رغم علاقات بشار الأسد الشخصية الجيدة مع زعيم "حزب الله" حسن نصر الله تقلصت الإمكانيات السورية للسيطرة على نشاطات هذه المنظمة اللبنانية بشكل ملموس.
ولدى تحليل العلاقات السورية الإسرائيلية من الضروري مراعاة العوامل الإقليمية الواسعة. فان إحلال حتى سلام "فاتر" بين سورية وإسرائيل سيؤثر فورا على ميزان القوى الإقليمي وسيطال مصالح العديد من المشاركين في العملية السياسية في الشرق الأوسط إذ ليس كافة دول المنطقة وبالمرتبة الأولى إيران مستعدة حاليا لانعطاف الأحداث هذا.
وإن قضايا الحرب والسلام بين سورية وإسرائيل تعتبر بهذه الصورة اليوم نقاطا استراتيجية أساسية تحدد مستقبل الشرق الأوسط عموما. ويجب أن يحلها بالمرتبة الأولى السوريون والإسرائيليون أنفسهم قبل أن يقوم آخرون بذلك بدلا عنهم.