لا تزال الحكومة الاسرائيلية تلزم الصمت حيال الغارة الجوية التي نفذتها طائراتها الحربية على منطقة في شمال سوريا قبل مدة قصيرة، كما لا تزال ترفض تزويد وسائلها الاعلامية أي معلومات عنها وتحظر عليها نشر ما يمكن ان يكون توافر لديها منها. كما انها تنتقد عبر مسؤولين كبار فيها مبادرة اي زعيم سياسي اسرائيلي الى الخوض فيها سواء من باب التبجّح او من اي باب آخر كما فعل اخيراً زعيم تكتل "ليكود" بنيامين نتنياهو. لكنها في المقابل لا تقدم على حظر ما تنشره وسائل الاعلام الاجنبية ولاسيما الاميركية منها عن هذا الموضوع ولا على التعليق عليه او على الاقل تصحيحه وخصوصاً بعدما تعددت الروايات عن الغارة الشهيرة، رغم سريتها، وعن اهدافها وبعدما رافقت ذلك حديثاً معلومات جديدة عن عملية برية محدودة قامت بها قوة كومندوس اسرائيلية على الموقع نفسه الذي تعرض للاغارة وكانت نتائجها احد ابرز اسباب هذه الغارة. كما انها (اي الحكومة الاسرائيلية) تبدو متباهية، وان من دون اعلان رسمي، بما حققته العملية او الغارة ربما لان من شأنها اعادة الاعتبار إليها وإلى رئيسها ايهود اولمرت وكذلك الى جيش اسرائيل بعد "البهدلة" التي تعرضوا لها جميعهم في لبنان في حرب تموز 2006 على يد "حزب الله" مباشرة وعلى يد الجمهورية الاسلامية الايرانية وسوريا بشار الاسد مداورة.
هل من معلومات او معطيات اكثر دقة من تلك التي تنشرها وسائل الإعلام الاميركية والبريطانية عن الغارة او العملية المشار اليها اعلاه؟
تنوع المعلومات وتناقضها احياناً يدلان في رأي متابعين "عتاق" للادارة الاميركية على تنوع هويتها الحزبية بعدما كانوا لزمن طويل جزءاً منها، على ان تسريبها ونشرها قد لا يكونان عملاً اعلامياً بحتاً، بل عملاً سياسياً ايضا يفترض ان يخدم السياسات الاميركية الشرق الاوسطية في المرحلة الراهنة واهدافها ومعها ربما سياسات اسرائيل واهدافها كونها الحليف الاستراتيجي الاول للولايات المتحدة في هذه المنطقة. ويدلان في الوقت نفسه على ان اياً من وسائل الاعلام لا تملك حقيقة ما فعلته الطائرات الحربية الاسرائيلية في اجواء سوريا او على الاقل لا تملك الا قسماً منها الامر الذي يفسر تناقضها الواسع والفاضح. اذ تتحدث تارة عن غارة على مركز صناعة صواريخ بالتعاون مع كوريا الشمالية وتارة اخرى عن موقع بحثي نووي وان في مراحله البدائية وطورا عن عملية كوماندوس تم خلالها جمع الادلة على كل ذلك. اما ما يعتقده هؤلاء المتابعون "العتاق" الذين لديهم خبرة ايضاً في سوريا واوضاعها لا تقل عن خبرتهم في اميركا واداراتها فهو ان كل ما تداولته وسائل الاعلام الاميركية حتى الآن او على الاقل معظمه هو اقرب الى الشائعات منه الى الحقيقة في شكل او في آخر. ولا يعني ذلك ان خبراء عسكريين متنوعي الاختصاصات من كوريا الشمالية ليسوا موجودين في سوريا. لكنه يعني ان وجودهم ليس او على الاقل لم يكن في السنوات الاخيرة من اجل تمكين سوريا من امتلاك قدرة نووية سلمية او عسكرية او بالاحرى من انتاجها. بل كان ولا يزال على الارجح - وهذا رأي شخصي - لمساعدة الجيش السوري في كل ما يتعلق بالصواريخ البالستية المتوسطة والبعيدة المدى التي يعرف العالم كله براعة كوريا الشمالية فيها. ومهمة الخبراء العسكريين الكوريين الشماليين هؤلاء يرجح ان تكون واحدة من اثنتين. الاولى ادخال تحسينات على الصواريخ البعيدة والمتوسطة المدى التي يملكها الجيش السوري وخصوصا بعدما صار هذا السلاح اساسياً جداً في ترسانة سوريا والعرب عموماً بسبب عجزهم عن تجاوز التفوق الاسرائيلي عليهم في كل ما يتعلق بسلاح الجو. والثانية التعاون مع الخبراء السوريين للتوصل الى صنع رؤوس للصواريخ المشار اليها يمكن تزويدها متفجرات تقليدية. كما يمكن تزويدها موادّ غير تقليدية تدرج تحت بند اسلحة الدمار الشامل رغم عدم كونها نووية، وهذا النوع من المواد متوافر لدى سوريا باعتراف كثيرين من زمان من داخلها ومن خارج. طبعاً لا يمكن في هذا المجال الجزم مئة في المئة بعدم وجود سعي جدي نووي لدى سوريا وخصوصاً بعد نجاح دول مماثلة لها في اخفاء امر "نوويتها" سراً لسنوات طويلة. لكن المتوافر من المعلومات حتى الآن لا يشير الى نووية سورية ما.
ما هي النتائج العملية لكل ذلك على سوريا حالياً وخصوصاً في ظل المواجهة الشرسة التي تخوضها الى جانب ايران الاسلامية مع اسرائيل والمجتمع الدولي بزعامة اميركا وكذلك مع غالبية المجتمع العربي؟
لا يزال الحديث عن نتائج كهذه سابقاً لاوانه لان التصريحات الاميركية العلنية على الاقل ومعها الاسرائيلية لم تصل الى درجة الحسم النهائي. فرغم ازدياد وتيرة الضغوط على سوريا والعملية الاخيرة (الغارة) التي اعترفت بها سوريا اخيراً في وضوح والتي لا تفيد صدقيتها وهيبتها، لا يزال المسؤولون في واشنطن وفي اسرائيل يتحدثون عن مطالبتهم المستمرة سوريا بتغيير سلوكها. والجديد هذه المرة انهم سيستعملون لهجة ولغة فيهما الكثير من نفاد الصبر. وذلك يعني في رأي المتابعين الاميركيين "العتاق" انفسهم ان سوريا النظام ورئيسها وضعا منذ مدة تحت المجهرين الاميركي والاسرائيلي، ويعني ايضاً ان اكتشاف المجهرين او احدهما ان سوريا تتحرك في اتجاه امتلاك اسلحة نووية او انتاجها او انها تحقق تقدماً على هذا الصعيد سيعطي لاسرائيل المبرر "الشرعي" لشن حرب طاحنة على سوريا او على الاقل لتوجيه ضربة عسكرية قاصمة اليها.