لا يمكن فصل العلاقات السورية – السعودية عن كافة مشاريع السلام، فالرياض ومنذ عام 1982 قدمت "مبادرة" سلام لاقت استحسانا خلال قمة فاس من قبل بعض الأطراف العربية، لكن هذا الأمر لم يشكل أي مسافة ما بين البلدين، على الأخص ان الواقع الاستراتيجي الإقليمي لم يشهد أي تبدل طوال أكثر من عقدين من الزمن. لكن مبادرتي الرياض عام 1982 في قمة فاس وعام 2002 في قمة بيروت تشتركان في أمرين:

 الأول انهما طرحتا في ذروة الأزمة، فالمبادرة الأولى جاءت مع احتلال عاصمة عربية (بيروت)، ومع خروج المقاومة من بيروت. أما الثانية فجاءت مع تصاعد الصراع بين "الدولة العبرية" والانتفاضة الفلسطينية. وفي كلتا الحالتين فإن النتائج المباشرة كانت كارثية، ففي عام 1982 استمرت الحرب في لبنان رغم خروج المقاومة، أما في عام 2002 فتم اجتياح جنين كمقدمة للقضاء على الانتفاضة بعد أن تم سحب جزئي لشرعية استمرارها بعد أن تم طرح "مبادرة سلام عربية".

 الأمر الثاني أن المبادرتين لا يحملنا آليات، فهما بحكم ظهورهما في ذروة الأزمة يصبح من الصعب التحرك الديبلوماسي، فهما يقدما نوايا حسنة ليس إلا، وهذا الأمر تكرر في قمة الرياض الأخيرة مع تجدد الحديث عن "المبادرة العربية.

لم تكن دمشق خلال المبادرة مضطرة لأي مواجهة ديبلوماسية، فالحرب في لبنان كانت تتحرك سريعا، والمبادرة السعودية في تلك الفترة ظهرت وفق سياق إعلامي فقط، بينما عاشت سورية بعد تلك الفترة نوعا من الهدوء الديبلوماسي على الصعيد العربي، حيث ظهر أن كل الأمور تنتظر تبدلات إقليمية ودولية. فالديبلوماسية العربية كانت غارقة في حرب الخليج الأولى، وكان الصراع في أفغانستان يستهلك جهدا "غير رسمي" من الرياض.

أما المبادرة العربية الثانية فلم يكن الأمر بالنسبة لدمشق يتعلق بـ"محتواها"، بل بالظروف التي أحاطت بها، والتبدلات الحادة التي لحقتها، فشروط السلام تغيرت كليا بينما حافظت المبادرة على شكلها الأساسي. ومن جانب آخر ظهر تحرك مواز لإعطاء السلام سمة أوسع بعد أن تشتت خارطة الطريق الفلسطينية واللجنة الرباعية العربية و "الأجنبية".

عمليا فإن العنوان العريض للسلام لم يتبدل بالنسبة لسورية أو حتى للعرب بشكل عام، لكن النظام العربي يعاني من أزمة، ولم يعد السلام مرتبط فقط بالعلاقات مع "الدولة العبرية"، فهو دخل منحى جديد مرتبط إلى حد كبير بالأدوار الإقليمية أولا وأخيرا، وهذا الأمر يجعل من مبادرات السلام ومن المؤتمرات أيضا التي يتم التحضير لها مجحال تساؤل. ويجعل أيضا من محاور السلام مجال خلافات عربية لأنه يرتبط أيضا بكل مواقع الأزمات بدء من بغداد وانتهاء بغزة.

هذه الصورة تدخل اليوم في صلب العلاقات العربية – العربية وعلى الأخص السورية – السعودية لأنهما الدولتان اللتان تملكان تماسا مباشرا مع كافة التفاصيل الخاصة بـ"السلام". فالمسألة لم تعد في "الدعم" العربي لـ"دول المواجهة" بل هي أيضا في عمليات الشد والجذب في الأدوار الإقليمية بعد الاختراق الذي قامت به الولايات المتحدة عبر احتلال العراق و "الحرب على الارهاب".