تهيمن التوترات بين سوريا واسرائيل على الاستعدادات للمؤتمر المتعدد الاطراف بشأن السلام في الشرق الاوسط الذي تنوي الولايات المتحدة عقده في نوفمبر المقبل.

دعونا نسترجع للذاكرة احداث الاسابيع القليلة الماضية فبعد لمس اتفاق ضمني بعدم العدوان لاكثر من 20 سنة شنت اسرائيل غارة جوية على سوريا وهددت دمشق بالثأر وان لم يكن بالضرورة من خلال عمل عسكري مباشر. في نفس الوقت فان النقاش يدور حول ما اذا كانت سوريا سوف تحضر الاجتماع في واشنطن ام لا.

لا يعني كثيرا لماذا هاجم الاسرائيليون سوريا او ما الذي حققوه. ففي سياق التطورات الجارية في المنطقة (فوضى سياسية في لبنان وخلافات بشأن ايران وانقسام فلسطيني ومستقبل غامض في العراق) فان ذلك يكون اكثر اهمية في فهم لماذا قامت اسرائيل بغارتها هذه الان.

باتت العلاقات السورية ـ الاسرائيلية في الاونة الاخيرة لغزا محيرا. فقد تصاعدت التوترات على الحدود بين البلدين بشكل متسارع عقب الحرب في لبنان في 2006، وخلال هذه الحرب كان الاسرائيليون يخشون من ان سوريا يمكن ان تفتح جبهة ثانية وشعروا بارتياح كبير عندما لم تقم سوريا بذلك. لكن بعد الحرب مباشرة بدأ الاسرائيليون في القيام بمناورات قرب الحدود السورية. ويمكن تفهم ذلك لان الحرب القصيرة اثبتت ان اسرائيل لم تكن مستعدة للحرب مع حزب الله.

من الناحية العملية في ذلك الوقت شرعت وسائل الاعلام الاسرائيلية في مناقشة الحاجة الى محادثات سلام مع دمشق وهو الامر الذي لم يتم اثارته منذ عام 2000 واشار بعض المحللين الى ان النجاح على الجبهة السورية من شأنه ان يسمح للحكومة الاسرائيلية بتبرير فشلها في لبنان وفلسطين. وحسب ما نشر في هذه الفترة فان محادثات غير رسمية كانت تجري بالفعل. وبدورهم شرع الزعماء السياسيون في ارسال اشارات لكل منهم للاخر بشأن الاتصالات المحتملة على الرغم من انهم كانوا يظهرون ان ذلك ليس سوى كلام في الهواء.

وتعد مشاركة صحفية سورية في ندوة للامم المتحدة عن الشرق الاوسط في طوكيو في يونيو الماضي بمثابة مؤشر واضح في ذلك. فمن اجل المشاركة في الندوة كان عليها ان تحصل على تصريح رسمي من حكومتها. وبحصولها عليه اشتركت في مناقشات مباشرة وقوية مع نظرائها الاسرائيليين في الندوة.

أود التأكيد على انه في الوقت الذي يوجد فيه وضوح في المعالم في الاتصالات بين الفلسطينيين والاسرائيليين على اغلب المستويات المختلفة والتي لا جديد فيها فان حوارا اسرائيليا ـ سوريا ليس له سوابق كثيرة. وكي يصبح ذلك ممكنا فان تغييرا رسميا للسياسة كان يجب ان يحدث على الاقل في دمشق.

فخلال اقل من نصف عام فان نشر الشائعات بشأن محادثات سورية - اسرائيلية كانت قد نضبت. هل يعني ذلك انه لم تكن هناك محادثات ام انها فشلت؟ ام انها لم تكن ضرورية بشكل واضح؟

في هذه الفترة صارت عملية السلام الفلسطينية ـ الاسرائيلية اكثر نشاطا ووضعت الولايات المتحدة واسرائيل رهاناتهم على المحادثات مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس وتجاهلوا تماما حماس التي سيطرت على قطاع غزة. واعلن الرئيس الاميركي جورج بوش عن نيته عقد مؤتمر سلام عن الشرق الاوسط. وتم الاعلان ان القضية الفلسطينية لها الاولوية ومن المفترض ان تحضره كثير من البلدان العربية ويناقش امكانية تسوية عربية ـ اسرائيلية شاملة. ومع ذلك فلم تتم دعوة سوريا بشكل مبدئي. وفي هذه الاثناء تتجه الازمة السياسية في لبنان من سيئ لأسوأ مما يفرض على واشنطن وباريس تكثيف ضغوطهم على دمشق.

غير انه في نفس الوقت فان بلدانا عربية وعددا من اعضاء الاتحاد الاوروبي وروسيا اوضحوا ان المحادثات بشأن تسوية شاملة في الشرق الاوسط غير ممكنة دون مشاركة سوريا بل انها يمكن ان تصعب كثيرا حل القضية الفلسطينية. ومع بعض التحفظات وافقت واشنطن على مشاركة سوريا في الفعالية التي تتحول تدريجيا من مؤتمر الى اجتماع. ومع ذلك تعلن دمشق انها لم تحصل بعد على دعوة من الاميركيين.

وحتى لو حدث ذلك فان المشاركة السورية غير مؤكدة بشكل كبير. حيث اعلن الرئيس السوري بشار الاسد لمحطة «بي بي سي» مطلع هذا الشهر ان سوريا لن تشارك في المؤتمر الا اذا تم ادراج مرتفعات الجولان المحتلة على جدول اعماله. واضاف بان سوريا يمكن ان ترحب بشكل متحمس بالاجتماع اذا ركز على تحقيق سلام شامل. والا فانه لا معنى للمشاركة السورية.

لن تتم مناقشة مرتفعات الجولان في المؤتمر على الرغم من ان جدول اعماله لا يزال غير واضح والقيادة السورية تعرف ذلك.

ومع ذلك فان موقفها منطقي تماما حيث لا يمكن تحقيق تسوية شاملة دون ان تتفق الاطراف على وضع مرتفعات الجولان وتسوية كل نقاط الخلاف بين اسرائيل وسوريا فضلا عن لبنان. والدول العربية التي ليست لها حدود او نزاعات اخرى مع اسرائيل تجد ان التحدث عن السلام اسهل من التحدث عن سوريا. ولهذا السبب تحتاج دمشق لضمانات بان المشاكل السورية لن يتم استبعادها من اطار تسوية شرق اوسطية. ونفس الامر ينطبق على القضية الفلسطينية. فلماذا يجب على سوريا ان تساوم من اجل تسهيل تسوية فلسطينية ـ اسرائيلية اذا كانت خاضعة لضغط خارجي في عدد كبير من القضايا الاخرى؟

غير انه يبدو ان الظروف التي تواجهها سوريا تشجع على رد فعل قوي وليس تسوية او مساومة. ويكفي استحضار مشهد الاعلان عن الغارة الجوية الاسرائيلية.

لكن اليس ذلك يمكن ان يدفع السوريين للمجيء الى الولايات المتحدة ـ اذا تلقوا دعواتهم ـ حتى اذا لم يكن لديهم شيء واضح يمكن ان يحصلوا عليه؟ مثل هذه الخطوة يمكن ان تدهش خصوم دمشق ويمكن ان تحمل دمشق على الاقل على الانخراط بشكل رسمي في عملية التسوية. على اية حال فان ذلك يمكن ان يكون افضل من التصعيد الحالي للتوترات في المنطقة.

مصادر
الوطن (قطر)