دعت وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس، أمس، مجلس النواب الأميركي إلى الموافقة على اعتماد بقيمة 770 مليون دولار، هي مساعدات اقتصادية ومالية وعسكرية تعهدت واشنطن بتقديمها إلى لبنان الذي يقف «على الجبهة الأمامية للصراع بين التطرف والدول المسؤولة»، مشددة على أن واشنطن القلقة من «سياسة إيران، التي تشكل ربما اكبر تحد لمصالح الولايات المتحدة الأمنية في الشرق الأوسط والعالم»، ستقضي على أنشطة طهران «الخبيثة» في العراق وسلوكها الذي يزعزع الاستقرار في المنطقة.
وحثت رايس، في إفادة أدلت بها أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الاميركي حول «سياسة أميركا في الشرق الأوسط»، المجلس على الموافقة على ما تعهدت واشنطن بتقديمه إلى لبنان خلال مؤتمر «باريس ـ 3»، وذلك بهدف التصدي «للضغط الضخم الآتي بمعظمه من سوريا».
وقالت رايس إن الولايات المتحدة «تعرف من هم حلفاؤها في لبنان،
ونحن على اتصــــال وثيق معهم في ما يتعلق بما هو مقــــبول بالنسبة لهم وما هــو غير مقبول».
وفي إشارة غير مباشرة إلى احتمال عقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية النصف زائدا واحدا، قالت رايس إن واشنطن تعمل على قاعدة انه «يجب الا تكون هناك جهود لجعل لبنان يتجاوز الدستور في عملية انتخاب رئيس الجمهورية، قد تؤدي إلى رئيس تعتبره الولايات المتحدة غير شرعي». وأضافت أن الإدارة ستواصل تشاورها «الفاعل» مع فريق الرابع عشر من آذار، مذكرة بلقاء الرئيس الاميركي جورج بوش بالنائب سعد الحريري قبل أسبوعين ولقاء النائب وليد جنبلاط برئيس مجلس الأمن القومي ستيفن هادلي قبل أيام.
وردا على سؤال عن استراتيجية الإدارة في التصدي «للخطر الإيراني»، في المنطقة قالت رايس إن الهدف الرئيسي للإدارة هو «تجفيف المياه التي تلعب فيها إيران» وذلك عبر التعاون مع «الدول السنــية» التي تخشى نفوذ طهران. وأعطت رايس مثلا على ذلك تعاون واشنطن بشأن لبنان مع فرنسا والسعودية «صاحبة المصلحة في لبنان مستقل».
وعن سلاح حزب الله، وجه النائب اليوت انغل، صاحب قانون «محاسبة سوريا» الذي أقر في الكونغرس قبل سنوات، سؤالا إلى رايس عن «استمرار إيران في تسليح حزب الله». فأجابت رايس انه «لا شك في ان حكومة (فؤاد) السنيورة هي حليفنا الأفضل في هذا المجال، لكن مشاغلهم كثيرة هذه الأيام»، مشـــــيرة إلى «إنهم يحاولون أن يبدوا حزما في وجه حزب الله»، ولكن «عليــــنا أن نحكم كيف نتعامل معــهم في ما يتعلق بطلب أشياء معينة منهم».
وسمعت رايس في شهادتها، الثالثة من نوعها هذا العام، أمام اللجنة، تحذيرا من النائب عن نيويورك غاري اكرمان المهتم بشؤون لبنان، الذي اعتبر ان «خسارة غزة كانت كارثة، ولكن فلننتظر ونر ماذا تعني خسارة لبنان».
ونصح اكرمان إدارة بوش بضرورة بعث «رسالة واضحة إلى دمشق وطهران والشرق الأوسط كله بأن الولايات المتحدة لن تقبل استعادة الهيمنة الخارجية على لبنان، وأننا نعتبر الاغتيالات التي تطال السياسيين اللبنانيين اعتداء (على الأمن) دوليا، وأننا لن نضحي بالمحكمة الدولية (لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري) لصالح أي دولة أخرى».
من أجل تحقيق هذا الهدف اقترح اكرمان تشكيل لجنة اتصال دولية مهمتها «الحفاظ على استقلال لبنان»، بالإضافة إلى تعيين مسؤول في الإدارة الاميركية يكون الملف اللبناني اختصاصه الوحيد.
وأكدت رايس، ردا على الاقتراحات، أن الإدارة تدرس بعض هذه الأفكار «عن كثب»، وأن الدبلوماسية الاميركية حاليا تبذل «أقصى نشاطها»، لأن هذه الإدارة تعتقد أن لبنان «واحد من العناصر الرئيسية التي تروج للاعتدال في المنطقة».
إيران
وقالت رايس إنّ إيران تعرض أمن ورخاء جيرانها للخطر، من خلال دعم قوى متطرفة في أنحاء المنطقة، مشيرة إلى أنّ طهران «تدعم متشددين شيعة بعينهم في العراق، يقتلون مدنيين عراقيين أبرياء وأفراد أمن عراقيين وقوات التحالف».
وبرغم الجو المشحون الذي رافق دخولها إلى القاعة، حظيت رايس بقدر كبير من التقدير من جانب أعضاء اللجنة، وأولهم رئيس اللجنة توم لانتوس المعروف بانتقاداته الشديدة لإدارة بوش، خصوصا في ما يتعلق بالتعامل مع إيران.
وأوضحت رايس، التي تزور تركيا وإسرائيل والأراضي الفلسطينية من 1 إلى 6 تشرين الثاني المقبل، «أننا عازمون على القضاء على أنشطة إيران الخبيثة في العراق، من خلال اعتقال والتخلص من أعضاء قوة القدس وغيرهم ممن يعرضون للخطر الحياة البشرية والاستقرار الوطني عموما... سندافع عن أنفسنا وندافع عن العراقيين ضد تدخل طهران».
وإذ اتهمت رايس طهران بتقديم الدعم إلى حزب الله وحركة حماس وحركة طالبان في أفغانستان، أكدت أنّ واشنطن ستعمل «بنشاط لمواجهة أنشطة إيران التي تزعزع الاستقرار في أنحاء المنطقة»، موضحة «أننا قلقون للغاية حيـــال سياسة إيران التي تشكل ربما اكـــبر تحد للمصالح الامنية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وفي العالم».
وقالت رايس «إننا نواصل مع شركائنا الدوليين مقاربة على مسارين للملف النووي» الايراني، مشيرة إلى أنّه بموازاة المفاوضات التي يجريها الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، فإن واشنطن وشركاءها الأوروبيين يعملون على تشديد العقوبات، معتبرة أنّ جمع إيران بين الإرهاب وسياستها الداخلية وسعيها لامتلاك أسلحة نووية «مزيج خطير للغاية».
وأضافت «كان الرئيس (جورج بوش) واضحا جدا في أنه بينما لن يسقط أي بديل من على الطاولة، إلا أنه ملتزم بنهج دبلوماسي في التعامل مع إيران»، مشيرة إلى انه من غير الواضح ماذا يعني استبدال الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي مسؤول الملف النووي الإيراني علي لاريجاني بسعيد جليلي.
وتابعت «أحد التدابير الأفضل لدينا، وهو اقتراح بسيط حقا، يقضي بوجوب ألا تكون إيران قادرة على استخدام النظام المالي الدولي لنقل مكاسبها الشريرة من الانتشار النووي أو الإرهاب في أنحاء العالم»، موضحة «نعمل بسرعة لجعل بعض هذه التدابير جاهزة». واقترحت ما سمته «الدبلوماسية ذات الأسنان» للتعامل مع طهران.
وردا على سؤال عن صفقة الأسلحة التي تنوي إدارة بوش عقدها مع مصر والأردن والسعودية، نفت رايس ان يكون الهدف من الصفقة ايجاد سباق للتسلح بين دول المنطقة، مؤكدة ان الصفقة تأخذ بالاعتبار ضرورة الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري في المنطـــقة، وأن الادارة «لن تسمح بإيجاد مناخ امني تكون لإيران فيه اليد الطولى».
وقاطع لانتوس رايس لينتقد عدم قبول الإدارة الاميركية إجراء حوار مباشر مع طــــهران، لكنه أكد انه حاول شخصيا الحصول على تأشيرة دخول الى ايران للتحاور مع المســـؤولين الايرانيين مباشرة، وأنه توســــط لدى الامين العـــام الســـابق للامم المتحدة كوفي انـــان والحالي بان كي مون من دون نتيجة.
مؤتمر بوش
ودافعت رايس عن فكرة المؤتمر الذي دعا إليه بوش في الخريف الحالي، لكنّها أقرت ضمناً بوجود صعوبات في إقناع بعض حلفائها العرب بالمشاركة فيه، برغم توقعها انعقاده «قبل نهاية العام» الحالي. وأشارت إلى أن «حل إقامة دولتين» فلسطينية وإسرائيلية مهدد بسبب مجموعة من الأحـــــداث، بينها جهود إيران لتأمين الدعم لحماس، مضيفة أنّه لهذا السبب قررت الإدارة الأميركية الدعوة إلى الاجتماع.
وسئلت رايس عما إذا كان من المناسب عقد المؤتمر في الوقت الذي تبدو فيه القيادتان الإسرائيلية والفلسطينية ضعيفتين، فأجابت انّ القصد من الاجتماع هو تعزيز موقع المعتدلين من العرب في مواجهة تصاعد نفوذ «المتطرفين» المعارضين لأي تسوية مع إسرائيل، لافتة إلى أنّ «الجدول الزمني ناتج عن ضرورة إعطاء دفع لقوى الاعتدال وإحباط قوى التطرف».
وأقرت رايس ضمنا بأن الرياض تبدي بعض التحفظات، مشيرة إلى أنّه «لن يكون في وسع أي زعيم فلسطيني تقديم التنازلات المهمة الضرورية من دون دعم هؤلاء الحلفاء العرب. اعتقد انه ما زال يتحتم علينا بذل الكثير من الجهود».
وقالت رايس، لدى سؤالها عما إذا كانت السعودية ستحضر، «يتعين على الدول العربية أن تكون في هذا الموضوع من بدايته لنهايته. وحاولنا أن نجعلهم يحضرون من البداية للنهاية». وأضافت «أعتقد أنه ما زال يتحتم علينا العمل في هذا الأمر. لم نصدر أي دعوات، ولذلك لا أتوقع قبول الدعوات قبل إصدارها بالفعل». وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تعتزم قريبا إرسال وفد أميركي لمساعدة المصريين والإسرائيليين والفلسطينيين على التعامل مع تهريب السلاح.
احتجاجات
وشهدت الجلسة احتجاجات من قبل مناهضي الحرب، حيث لوحت محتجة بيديها الملطختين بلون الدم في وجه رايس، وصاحت قائلة «مجرمة حرب» ولكنها أبعدت واحتجزتها الشرطة، فيما لم يبد التأثر على وجه الوزيرة الأميركية.
وطلب رئيس اللجنة الديموقراطي توم لانتوس بتفريق عدد من المحتجين المنتمين لمنظمة «كود بيـــنك» المناهضة للحرب التي كثيرا ما عطلت جلسات في الكونغرس، فيما أشـــارت الشرطة إلى أنّه تمّ اعتـــقال خمسة منهم. وهتف المحـــتجون، فيما كانت الشرطة تقــــتادهم بالقـــوة بعــــيدا، «ماذا تفـــعلون... مـاذا تفعلون».

مصادر
السفير (لبنان)