قبل شهرين تقريباً صدر كتاب جديد في الولايات المتحدة يتناول المملكة العربية السعودية ومواطنيها، بعنوان «لو كان بمستطاع شارع العليا أن يتكلم - السعودية: أرض النفط والإسلام»، والمفارقة ان مؤلفه ابتعد عن المبالغة «المشوهة» الدارجة في كتابات بعض الغربيين، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بطبيعة الحياة السعودية وطريقة تفكير أهلها.

فخلال السنوات الأخيرة، وتحديداً بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، راجت صورة «سوداء» في الذهنية الغربية عن المجتمع السعودي، رُبطت بـ «الارهاب» والإسلام «الأصولي»، خصوصاً بعد مشاركة 15 سعودياً من مجمل المنفذين الـ19 في «غزوتي واشنطن ونيويورك».

يلجأ بعض الكتاب الغربيين «قصداً» إلى تشويه الصورة السعودية، من دون معرفة «حقيقية» بطبيعة مجتمعها ذي العاطفة «الجياشة» و «الحساسة»، مثلما حاول بعض كتّاب عرب ومسلمين تشويه صورة الغرب الذي أحسن إليهم واحتضنهم في «منفاهم». وهناك من حاول تصوير الشعب السعودي على أنه مجموعة من الإرهابيين والمتخلفين، مثل الفيلم الكارتوني الذي أنتجته قناة «فوكس الأميركية»، بعنوان «أب أميركي»، وهو يحكي قصة أسرة أميركية (عائلة ستان)، عُوقبت بإرسالها للإقامة في السعودية، لأن رب العائلة أفسد حفلة خاصة بمرؤوسيه، إذ يعطي الفيلم انطباعاً «قاسياً» بل «كاذباً» عن السعودية والسعوديين، ويظهر المجتمع السعودي على أنه شعب متخلّف همّه الأول «الجنس»، وهو خليط من «القتلة والإرهابيين».

في المقابل، هناك غربيون «صادقون» يتحرون الأمانة في ما يكتبون، ومنهم الأميركي جون بول جونز الذي ألف كتاب «لو كان بمستطاع شارع العليا أن يتكلم»، إذ يحاول من خلاله وضع حد لـ «الصورة المشوشة والمشوهة»، التي تطارد المملكة ومواطنيها في العقلية الشعبية الأميركية.

تواصلتُ مع مؤلف الكتاب خلال الأسبوعين الماضيين عبر البريد الالكتروني، وأرسل إليّ كتابه أيضاً بـ «البريد المسجل»، على رغم اطلاعي «الإلكتروني» المسبق على ما حواه الكتاب من نقل «تعبيري» لمشاهد سعودية وصور «فوتوغرافية»، طرح من خلالها اسئلة «منطقية» على ابناء جلدته من الأميركيين، الذين لا يعرفون عن «بلاد النفط» سوى ما قرأوه وشاهدوه في وسائل الإعلام الغربية.

وجدتُ جون جونز «محباً» للسعوديين و «متحمساً» لبلادهم، لكنه لم يتخلَ عن الموضوعية عند كتابته عن بلد عمل فيه لأكثر من عشرين عاماً. ويمكن الاطلاع على بعض ما ورد في الكتاب عبر موقع www.tazapress.com.

حشد المؤلف عدداً كبيراً من الصور لأماكن ومدن سعودية زارها وشخصيات سعودية التقاها، من بينها بطلا مسلسل «طاش ما طاش»، وزملاء لمهنته.

في الكتاب يتساءل جونز: «ماذا نعرف عن الســعودية؟ ماذا يعرف العامة في أميركا عن المملكة خلاف ما نستوعبه مما يرد في أجهزة الاعلام وهوليوود؟ هل تعلمنا شيئاًَ جوهرياً؟ هل هنالك أي معرفة ايجابية؟ هل هناك شيء سوى «تنميط» الآخر والنظر إليه من خلال الأيديولوجية المهيمنة؟».

يعرب جونز عن أمله بأن يكون كتابه «خطوة باتجاه تغيير المفاهيم الأميركية حيال السعودية خصوصاً، والعرب عموماً»، مؤكداً أنه لم يكن ينوي الكتابة عن تجاربه في السعودية، إلا أن الأمر أضحى بالنسبة إليه أمراً حتمياً، للإسهام في وضع حد لأيديولوجيا «كراهية» ضد السعودية والعرب.

كتاب «شارع العليا» لا يؤرخ للتطور السعودي سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً أو اجتماعياً، لكنه يروي تجربة المؤلف داخل المملكة، والمدن التي زارها، مُرفقاً ذلك بصور عن مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض الذي شارك في تأسيسه، وأخرى «فوتوغرافية» التقطها برفقة زوجته لتقريب الصورة السعودية الى القارئ.

انتقد المؤلف صحافيين أميركيين، منهم المعلق في «نيويورك تايمز» توماس فريدمان، الذي يتهمه بأنه يكتب عن السعودية «بناء على قناعات مسبقة»، والكاتبة مورين دود التي تكتب عن النساء السعوديات من دون ان تفهم طبيعة حياتهن اليومية.

الأكيد ان التطور السعودي «مستمر» في مجالات متعددة، ولم تؤثر فيه آراء المتطرفين والإرهابيين والمؤدلجين، وغالبية السعوديين ينشدون «الوسطية» والابتعاد عن الغلو «المنفّر» والانفلات «المدمر».

أعتقد أن ما قدمه جونز يؤكد أن ليس كل الأميركيين يعملون ويتآمرون ضدنا ويكتبون ضد ما نفعل، بل يمنح مساحة لصورة الإنسان ليؤكد أن الغرب ليس «بعبعاً» مثلما نحن لسنا بـ «بعبع».

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)