بعدما بقي الدولار الأميركي في الكواليس طوال جيل، ها هو يبرز من جديد مسألة أساسية في تسعير النفط. فمنذ أزمة القروض في آب الماضي، ومع تراجع الدولار، ارتفع سعر النفط بمعدّل أكثر من خمسة مقابل واحد. ومنذ 21 آب [الماضي]، تراجع الدولار بنسبة أكثر من أربعة في المئة مقابل الأورو، في حين أن سعر نفط "وست تكساس إنترميديات" الخام، الذي هو معيار أسعار النفط العالمية، ارتفع بنسبة 25 في المئة.
لماذا يركّز تجّار السلع على الدولار؟ على غرار ألغاز محيِّرة أخرى في سوق النفط، قد يكمن الجواب في السعودية. مع الطفرة في الاقتصاد وارتفاع التضخّم، يتخوّف بعض المضاربين من أن تعمد الرياض إلى فصل عملتها عن الدولار. ويعتبرون أنّه من شأن هذه الخطوة أن تؤدّي إلى إعادة تسعير النفط بالأورو والين.
والسبب هو أنّه إذا اكتفت السعودية فقط بفصل عملتها عن الدولار من دون أن تتّخذ أي خطوات أخرى، فسوف تتراجع بسرعة قيمة اثنين من موجوداتها: احتياطي النفط بقيمة عشرين ألف مليار دولار، واحتياطي الدولار بقيمة ثمانمئة مليار دولار.
لكن إذا عمدت إلى تنويع احتياطي العملات لديها أو نظام تسعير النفط، فمن شبه المؤكّد أنّ الدولار سيضعف. نتيجةً لذلك، يجب أن ترتفع أسعار النفط بالدولار لضبط النمو في الطلب على النفط في آسيا. بالنسبة إلى المضاربين الذين يفكّرون بهذه الطريقة، النفط رخيص أياً كان سعره تقريباً، لا سيّما أن السوق تتأثر بالخفض الإضافي الذي أجراه الاحتياطي الفيديرالي في معدلات الفوائد هذا الشهر والذي يؤدّي إلى إضعاف الدولار.
المضاربون محقون في أن دورات الأعمال الأميركية والسعودية تفقد أكثر فأكثر التناغم في ما بينها، وأنه سيصبح من الأصعب على الرياض الحفاظ على تثبيت عملتها مقابل الدولار من دون أن يتفاقم التضخّم. لقد ارتفع التضخم شيئاً فشيئاً من 2.3 في المئة عام 2006 إلى نسبة مئوية سنوية تبلغ 3.8 في المئة في تموز الماضي.
لكن من السابق لأوانه الرهان على فصل الريال السعودي عن الدولار. فالتضخّم لا يزال متواضعاً مقارنة بما هو عليه في البلدان المجاورة للسعودية حيث تصل نسبته في معظم هذه البلدان إلى ما يقارب العشرة في المئة. علاوةً على ذلك، من غير المرجّح أن يخلّف تحوّل في نظام صرف العملات تأثيراً كبيراً في العنصرين اللذين يحفّزان الارتفاع في التضخّم – المأكولات والإيجارات – فالأوّل يتأثّر بالطلب العالمي على المنتجات الزراعية في حين يتأثّر الثاني بتدفّق العمّال الأجانب إلى البلاد.
وفي النهاية، لن ترغب السعودية في تعريض تدفّقات الاستثمارات الخارجية المباشرة إليها للخطر (على غرار ما حصل في الصين، فإنّ تثبيت العملة السعودية مقابل دولار ضعيف يجعل من السعودية وجهة رخيصة للاستثمار مقابل الأسواق الناشئة الأخرى التي زادت قيمة عملتها). ونتيجةً لذلك، نتوقّع أن تتمّ دراسة أيّ تغيير في تثبيت العملة بتأنٍّ وإدارته برويّة، من دون أن يكون له أيّ تأثير مهم على الدولار.
وفي حين قد يعمد السعوديون إلى فصل عملتهم عن الدولار مع لجوء الاحتياطي الفيديرالي الأميركي إلى تخفيف القيود على السياسة النقدية، من غير المرجّح أن يعيدوا تسعير النفط بالعملات الأخرى ويكسروا "تحالف الدولار" مع واشنطن.
عقب أزمة النفط عام 1973، تفاوضت الولايات المتّحدة على التحالف الأوّل مع السعوديين بهدف تدوير الأموال النفطية. ومع ارتفاع أسعار النفط هذا العقد، اعتبر خبراء اقتصاديون ونحن منهم أنّ إعادة استثمار السعودية وجيرانها لعائدات صادراتهم النفطية في الولايات المتحدة ساهم في الحفاظ على انخفاض معدّلات الفوائد وارتفاع تقويم الأسهم. والمملكة التي غالباً ما يشار إليها ب"المصرف المركزي" للنفط أثبتت في مناسبات عدّة أنّها تركّز على حماية نظرة استشرافية مستبشِرة إلى الاقتصاد العالمي، كي تضمن لنفسها شارياً وتحافظ في الوقت نفسه على تحالفها السياسي مع الولايات المتّحدة. يعني هذا عادةً تزويد السوق بكمية كافية من النفط والحفاظ على قدرة احتياطية يمكن اللجوء إليها في حال حدوث خلل ما. لكن الآن ونظراً إلى ارتفاع احتياطي الدولار وتراجع الاقتصاد الأميركي، يعني ذلك أيضاً أنّه ينبغي على السعودية أن تمتنع عن تنويع احتياطي العملة لديها أو عن القيام بأيّ شيء من شأنه أن يشنّ هجوماً على الدولار.
لكن مع تزايد المخاطر على الاقتصاد السعودي، لن تقف المملكة مكتوفة اليدين. نحن على يقين من أنّ تأثير الرياض المتزايد في واشنطن بفعل ارتفاع أسعار النفط وتراجع الدولار، سيُستعمَل على الأقل بمهارة. من الصعب أن نتخيّل بالضبط كيف سيتجلّى ذلك التأثير على واشنطن، لكن قد يشمل تزويد السعودية بأسلحة أكثر تطوراً مع حسومات أكبر في الأسعار، أو إيلاء اهتمام أكبر لمشاغل السعودية في المجالات الأخرى ولا سيّما الأمن الإقليمي. هكذا وفي حين أنّ الممكلة قد لا تستخدم أبداً تأثيرها المتزايد، من شأن إدراك المضاربين لهذا التأثير أن يؤدّي إلى ارتفاع سعر النفط.

ترجمة نسرين ناضر
(آدم روبنسون محلّل بحثي في مجال الطاقة في "لهمان بروذرز". وإدوارد مورس كبير الاقتصاديين في مجال الطاقة في الشركة نفسها)