يقوم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اعتباراً من اليوم الثلاثاء بأول زيارة رسمية الى الولايات المتحدة، بعد وصوله إلى “الإليزيه” في السادس عشر من أيار/مايو الماضي، ورغم انه التقى نظيره الامريكي جورج بوش مذاك مرات عدة، آخرها كانت على هامش عطلته الصيفية التي أمضاها على الساحل الامريكي الغربي (بوسطن)، فإن هذه الزيارة هي التي يجمع الخبراء والمحللون في البلدين على انها سوف تعيد رسم العلاقات وفق الصيغة التي ستستقر عليها في السنوات القادمة.

فيما كان ساركوزي يحزم حقائبه في الطريق الى واشنطن، شرعت بعض الصحف الفرنسية والامريكية تتحدث عن الاهمية الخاصة لهذه الزيارة، وتربطها بالظروف الدولية الدقيقة، وخصوصاً على صعيد الوضع في الشرق الاوسط ولبنان وايران والعراق، وتأتي الاهمية المعلقة على هذه الزيارة من جملة اعتبارات، الأول: هو قرار ساركوزي بإعطاء دفعة قوية للعلاقات الامريكية - الفرنسية، اكثر مما كانت عليه خلال الاعوام الثلاثة الأخيرة من ولاية سلفه جاك شيراك. الثاني: هو الوضع الصعب الذي تمر به الولايات المتحدة على المستوى الدولي، من جراء النكسة التي منيت بها في العراق. والثالث هو حال التوتر الكبير في المنطقة، من لبنان الى فلسطين والعراق وايران.

بالإضافة الى القضايا الثنائية والدولية المطروحة على جدول اعمال الزيارة، فإن الطرفين يطمحان الى تجديد التفاهم وتنسيق المواقف في صورة عاجلة من حول اربع ملفات اساسية، الأول: هو الوضع في لبنان. وتأتي عملية الاستحقاق الرئاسي في صدارة الأولويات، ومثلما هو معروف فإن البلدين متفقان ضمن أفق الثاني عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وهما يضغطان بكل ما توفر لهما من وسائل وامكانات، من اجل انتخاب رئيس في جلسة هذا اليوم في مجلس النواب اللبناني، إلا ان هناك نقطتين مهمتين تتطلبان حل التباينات من حولهما، ووضع استراتيجية مشتركة بصددهما. تتعلق الأولى بشخصية الرئيس اللبناني المنتخب، فبينما لا تعارض باريس التوصل الى توافق من حوله بين الموالاة والمعارضة، تتمسك واشنطن بضرورة انتخاب رئيس من فريق 14 آذار.

أما النقطة الثانية فهي تنحصر بأفق ما بعد الثاني عشر من نوفمبر/تشرين الثاني، واحتمالات حصول فراغ دستوري وانتخاب رئيس ب”النصف + واحد”.

والواضح حتى الآن ان مواقف باريس وواشنطن، بدأت تتقارب من هذا الخيار. وهذا أمر انعكس الى حد كبير في سلسلة الاجتماعات التي انعقدت مؤخرا في اسطنبول برعاية امريكية - فرنسية.

والملف الثاني العاجل هو “مؤتمر أنابوليس” الامريكي للسلام، الذي تعترضه عقبات كبيرة، على الصعيد “الإسرائيلي” - الامريكي من جهة، ومن جهة ثانية على المستوى “الإسرائيلي” - الفلسطيني.وفي الجانب الأول يضغط الامريكيون على رئيس الوزراء “الإسرائيلي” ايهود اولمرت، لكي يخطو نحو الفلسطينيين بعض الخطوات ذات الطابع الرمزي بهدف إنقاذ الموقف، إلا انه ثابت عند نقطة اساسية، وهي ان الاولوية في العملية السلمية هي لأمن “إسرائيل”.

وفي الجانب الثاني بدا أن اقصى ما يمكن ان يقدمه اولمرت في هذه الفترة للفلسطينيين هو “اتفاق مبادئ” حول القضايا الراهنة، وهو يرفض البحث في مواضيع الحل النهائي مثل القدس واللاجئين وحق العودة والمستوطنات.. إلخ. وتفيد مصادر وزارة الخارجية الفرنسية ان باريس وواشنطن ستحاولان البحث في صيغة تخرج الموقف من عنق الزجاجة، الأمر الذي يتيح لهما التحرك بقدر اقل من الحرج في اتجاه ملفي العراق وايران.

على الصعيد العراقي ينتظر الامريكيون خطوات ملموسة من فرنسا لمساعدتهم في تخفيف العبء الأمني والسياسي الكبير الواقع عليهم. وأخذوا يتحدثون بعد مؤتمر اسطنبول عن المسألة بصراحة، وراح بعضهم يقارن ساركوزي بالماريشال لافاييت الذي ساعد جورج واشنطن خلال حرب الاستقلال الامريكية. وما ينتظره الامريكيون من فرنسا على صعيد حلحلة الموقف في العراق، هو التحرك على صعيد الأمم المتحدة واوروبا، لكي تدخل المنظمة الدولية طرفاً أساسياً في عملية تخفيف الحمل عن الولايات المتحدة، وتتعهد بتغطية انسحاب القوات الامريكية من المسؤولية المباشرة عن الأمن.

وفي الختام يبقى الملف النووي الايراني يحظى بأهمية خاصة على جدول اعمال الطرفين، فبعد التسخين ولغة التهديدات بالحرب من طرف باريس وواشنطن، فإن السائد منذ فترة قريبة هو نوع من الهدوء الذي يسبق العاصفة.

والمؤكد ان الجانبين لم يتراجعا كما يوحي الجو العام، بعد فشل مساعيهما بفرض عقوبات جديدة ضد ايران، عن طريق الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي، بل انهما في اطار التفكير بخطوات جديدة، وإذ تبدو العقوبات الاقتصادية والسياسية شبه مؤكدة، فإن الخيار العسكري غير مستبعد.

زيارة ساركوزي الى واشنطن اليوم سوف تسجل في تاريخ العلاقات، وسيتوقف عليها ان ترسم الحدود بين الصداقة والتبعية، لا سيما وإن الرئيس الفرنسي متهم بأنه امريكي أكثر مما يجب.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)