هو واحد من أهم انجازات الديمقراطية، هكذا اعتبرت الولايات المتحدة البرلمان العراقي الذي تشكل بعد انتخابات 2005 ولطالما تباهى الرئيس بوش وإدارته بهذه الانجازات وكأن العراق يعرف يوما أسس الدولة ومعنى السياسة والحكم وان فضله لا يمكن ان ينساه العراقيون فلولاه وجيشه العرمرم لما كتب للعراقيين ان يروا نعمة الديمقراطية الأميركية ومؤسساتها المهمة والذي كان أشهرها البرلمان العراقي.
في عام 2005 جرت الانتخابات العراقية وهي واحدة من ثلاث خطوات لإنشاء الدولة العراقية الديمقراطية الحرة المستقلة الراعية المرعية أميركيا.
فالخطوات كانت انتخابات عامة ينبثق عنها برلمان منتخب يختار رئيسا للوزراء ليشكل حكومة بعد ان يجري الاستفتاء العام على الدستور الدائم.. وفعلا تمت الانتخابات وسط أجواء خيم عليها التوتر والعنف والتهديد وانسحاب كتل أساسية وتحالف كتل أخرى بشكل طائفي مخيف وظهور شخصيات لم تكن معروفة من قبل مقابل اختفاء وضمور شخصيات مهمة كان لها تاريخها وثقلها.
المهم وفي وسط تفاصيل كثيرة حسمت الانتخابات لصالح كتلة الائتلاف العراقي الموحد وهي الكتلة التي ضمت الكتل والأحزاب الشيعية الأساسية.. والتي ائتلفت بدورها مع الكتلة الكردية لتستطيع ان تشكل الحكومة..
النسب المتقاربة بين الكتل الثلاث الكبرى وعدم وجود أساس متفق عليه مسبقا لتشكيل الحكومة العراقية أدى إلى أن تتشكل حكومة هشة غير متفق عليها كان الهدف هو إنهاء أزمة تشكيل الحكومة التي صارت تتعقد دون حل وبعد مخاض دام أكثر من 6 أشهر شكل أول انتهاك للدستور الذي يمنع ان تتجاوز مدة التشكيل ال 30 يوما وبعدها ولدت حكومة مصابة بعيب خلقي خطير هو عدم التوافق والانسجام بين أعضائها.
هذا الداء سرعان ما انتقل إلى الكتل النيابية الممثلة في البرلمان مما أدى إلى أن يصير البرلمان ساحة لطرح التناقضات والمعارضة والنقض وعلى كل المسائل والقضايا بسيطة كانت أم جوهرية الانشقاق صار عنوان هذا البرلمان من يومه الاول وحتى ساعتنا هذه.
التناقضات والمعارضات كثيرا ما تطورت إلى مناوشات بالأيدي والألسن بين من يوصفون بقادة الكتل النيابية وتطاول لم يسلم منه حتى رئاسة البرلمان بقلة خبرتها وحداثة درايتها بأصول وقوانين إدارة السلطة التشريعية ساهمت أيضاً بزيادة حدة الانشقاق والخلاف داخل البرلمان.
ثم تعرض مجلس النواب العراقي إلى هزات عميقة ومزلزلة وفقد البرلمان بعض ذلك الامل وكثيرا من المصداقية التي امل العراقيون بها انفسهم بان يكون لهم ممثلون حقيقيون ونواب برلمانيون يلبون طموحاتهم وليس طموحات كتل واحزاب بحثت دائما عن نفوذ واهم وقوة موهومة وشعارات كاذبة وطموحات سوداوية مدمرة.
الا ان مهزلة الدستور تلتها مهازل كثيرة منها تعرض رئيس البرلمان لمحاولة اغتيال اتهم بتدبيرها اعضاء من داخل البرلمان. ثم تعرض مبنى البرلمان إلى انفجار عبوة ناسفة قتل على اثرها احد النواب واصابة نواب آخرين، ثم محاولة إقالة رئيس البرلمان محمود المشهداني وسحب ثقة الاعضاء منه... الخ من المشاكل التي صارت ساحة البرلمان ساحة لها بدل ان تكون الساحة الآمنة لمناقشة وحل مشاكل العراقيين.
الانشقاق والخلاف صار أساسيا بين كتل البرلمان كلما اثيرت قضايا مثل قانون النفط وقانون اجتثاث البعث وقانون المحافظات فهذه القضايا بالذات تحظى بموافقة كتلة دون أخرى بل وهي تمثل جوانب حيوية لكتل دون أخرى وبالتالي فان الصراع يحتدم إلى حد التهديد والوعيد بالقتل والاقصاء متى ما تم نقاش هذه القضايا بعرقلتها أو تمريرها وهذا الجدل والتناقض قائم منذ اشهر حول هذه القوانين الامر الذي صارت الكتل النيابية تنسحب بالتدريج كتلة اثر أخرى أفراداً وجماعات.
مؤخرا أعضاء برلمانيون بدأوا يطالبون الحكومة بحل البرلمان وتزعم هذا التيار بهاء الاعرجي القيادي في الكتلة الصدرية ورئيس اللجنة القانونية في البرلمان وهو من المقربين من رئيس الوزراء نوري المالكي، الأعرجي دعا الحكومة العراقية إلى حل البرلمان العراقي.
وقال ما نصه «أطالب رئيس الجمهورية واعضاء المجلس بتعديل قانون الانتخابات واعتماد القوائم المفتوحة والمنفردة ثم حل المجلس واجراء انتخابات وفقا لهذه الآليات».
وأضاف «هذا المجلس اصبح في بعض الاحيان مصدر قلق للشعب العراقي الصراعات الطائفية بين شخصياته يدفع ثمنها الشعب». وأضاف «أصبح المجلس مؤسسة تابعة للحكومة بينما العكس هو الصحيح أي ان الكثير من القوانين تأخذها الحكومة لأنها تتضارب مع مصلحتها» مضيفا «أنا القي اللوم على الحكومة لكن هذا بسبب ضعف المجلس».
وتابع «هناك آليات قد اختيرت في المجلس أدت إلى تعقيد الأمور وكذلك لا تمثل طموحات الشعب» ويعد قانون النفط والغاز من القوانين المثيرة للجدل بين الكتل السياسية وقد واجه معارضة شديدة من جبهة التوافق العراقية، ولم يتم عرضه على البرلمان منذ المصادقة عليه قبل اشهر في مجلس الوزراء..
اياد جمال الدين القيادي في القائمة العراقية ونديم الجابري القيادي في حزب الفضيلة المنشق عن الائتلاف الشيعي طالبا بحل البرلمان على اعتبار انه عجز عن حل أزمة الحكومة العراقية التي صارت جثة هامدة لا تقوى على الحراك. المطالبة بحل البرلمان العراقي هي بداية النهاية لمسيرة متعثرة لبرلمان لم يعرف نوابه للتوافق مدخلا وللاتفاق بدا فصار الاختلاف هواية أو ضرورة لم تنأ اي من الأطراف عنها..
النواب العراقيون برعوا في دور الاشقاء الاعداء وتمسكوا للرمق الاخير بانتماءاتهم الطائفية واعلنوا بايديهم وأصواتهم انهم لا يمثلون العراق لانهم لايعرفونه وليسوا ممثلين الا لشخوصهم ومصالحهم ولم يستطيعوا يوما ان يثبتوا لملايين المهجرين في داخل العراق أو خارجه بأنهم عراقيون بل فشل هؤلاء المغلقون في قوائمهم ومقراتهم داخل المنطقة الخضراء أو خارج لعراق.
حتى في ان يكونوا قادرين على تمثيل طوائفهم التي يدعون تمثيلها بالرغم من كون لعبة الطائفية بالنسبة لهم تعد الخيط الوحيد الذي يحميهم مؤقتا من السقوط بسرعة بايدي العراقيين تباعا مثل اوراق التوت.