بين أول قمة عقدتها منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) في الجزائر عام 1975 والثانية في كاراكاس عام 2000، 25 عاما، جرت مياه كثيرة في السوق البترولية في العالم، وخلال السنوات الخمس التي مضت على القمة الثالثة للدول التي تتحكم في نحو 40 من امدادات الطاقة العالمية والقمة الثالثة التي تستضيفها الرياض ويفتتحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله عبد العزيز مساء اليوم السبت، تغيرت بشكل شامل ملامح سوق النفط، اذ يجتمع قادة الدول الأعضاء على وقع اسعار تقترب من حاجز الـ 100 دولار ودعوات من مستهلكين كبار ابرزهم الولايات المتحدة التي تطالب المنتجين بضخ امدادات اضافية الى السوق لتهدئة الأسعار في اقتصاد عالمي يعاني ملامح ازمة مالية ومخاوف من حدوت تباطؤ اقتصادي عالمي.

وبينما عقد مساء امس وزراء خارجية ونفط ومالية الدول الاعضاء اجتماعا مسائيا يتوقع ان يكون قد صاغ ملامح البيان الختامي الذي سيصدر عن القمة التي تستغرق اعمالها يومين يكتمل وصول قادة الدول الاعضاء اليوم وسط حشد من الإعلام الدولي يتمثل في حضور نحو 400 من الصحافيين الى الرياض لتغطية وقائع الاجتماعات.

وحسب مصادر وفود وزارية فان الانطباع العام عن الاجتماعات التحضيرية حتى الآن يفيد بأنه لن تكون هناك قرارات تتعلق بالإنتاج في القمة التي تتخذ طابعا سياسيا واقتصاديا في نفس الوقت يعكس في الدرجة الاولى تضامن المنتجين كدول تشترك في في مصلحة ومسؤولية واحدة هي دورها في تأمين امدادات الطاقة العالمية، وسينعكس ذلك في البيان الختامي من زاوية تأكيد ادراك المنتجين مسؤوليتهم وشراكتهم مع المستهلكين في استقرار السوق. لذلك سيترك امر تقرير سقف الإنتاج الى الاجتماع الوزاري المقبل لوزراء نفط المنظمة بينما سيتعلق بيان القمة بالسياسات والاستراتيجيات.

وحتى الآن تبدو دول «أوبك» غير مقتنعة بدعوات زيادة كميات الصادرات في السوق الدولية 500 الف برميل اضافية باعتبارها دعوة لاتتفق مع الحقائق الحالية في السوق. وتعكس اجواء الخبراء والوفود المشاركة قلقا لدى الدول المنتجة من الزيادات الأخيرة المتسارعة في اسعار النفط والتي تقترب من مستويات قياسية فرغم ما حققته طفرات الأسعار في العامين الأخيرين فان هناك إدراكا ان مصلحة المنتجين تكمن في سوق مستقرة تستطيع ان تبني عليها توقعاتها الاقتصادية وموازناتها وليس سوق مضاربين وتقليبات شديدة في مستويات الأسعار.

وعكس ذلك رئيس اوبك ووزير نفط الامارات، محمد الهاملي، بتأكيده ان مستويات الاسعار الحالية خطرة لكن تدفعها قوى خارج سيطرة الدول الاعضاء، مشيرا الى ان قوى السوق اصبحت اقوى من اوبك.

وتجادل اوبك بانه لا يوجد نقص في المعروض من الامدادات من جانبها وبالتالي فان دعوات زيادة الانتاج ليست في محلها الآن. وحسب رأي خبراء فان ما يواجهه المنتجون والمستهلكون هو وضع لا تحدده العوامل التقليدية للعرض والطلب، ولكن سوق اشباح وقوى لا سيطرة لأحد عليها تؤثر قرارتها المدفوعة بعواملها الذاتية على مستويات الاسعار.

ويوضح خبير الطاقة العالمي روبرت مابرو لـ«الشرق الأوسط» ذلك بان ما يحدد اسعار النفط في الوقت الحاضر هي قوى السوق التي تشتري وتبيع النفط في عقود مستقبلية مدفوعة بعوامل مالية صرفة تشبه مضاربات العملات والأوراق المالية التي تجري في البورصات العالمية والتي تتتحكم فيها في احيان كثيرة عوامل المضاربات بدون اعتبار كبير للعوامل الاقتصادية الأساسية. وفي الحالة الحالية فان عوامل عدم الاستقرار في ادوات مالية اخرى مثل الانخفاض الشديد في الدولار وتقلبات الأوراق المالية الأخرى تلعب دورا رئيسيا في اتجاه مؤسسات مالية الى المضاربة في النفط في عقود مستقبلية باعتباره اداة مالية اخرى اكثر منها رغبة هذه المؤسسات في شراء نفط او طاقة.

وفي رأي مابرو فان قدرة الاقتصاد العالمي الآن على تحمل مستويات اسعار النفط المرتفعة حاليا بدون حدوث ازمة كبرى مثلما حدث في السابق يتفاوت مابين مجموعة دول وأخرى فالاقتصاديات الكبيرة اصبحت قادرة على استيعاب هذه الزيادات بينما تعاني دول ذات اقتصاديات اقل حجما.

وتعقد مقارنة بين القمة الثالثة لأوبك والقمة الاولى التي عقدت في الجزائر بين 4 و6 مارس 1975 من حيث وضع الأزمة الذي تعيشه الاسواق فالقمة الثانية جاءت بعد الطفرة الاولى لأسعار النفط والتي ادت الى حالة صدمة لدى الدول المستهلكة ولكنها امنت الى حد ما اسعارا اكثر عدالة لمنتجي النفط. لكن المقارنة تبدو في غير محلها لان المنتجين اكثر نضجا ورشدا من الطفرة الاولى التي تتسبب في الدفع نحو اسعار اعلى الى ركود ومسارعة البحث عن بدائل وخفضض الاستهلاك مما ادى الى سنوات عجاف للمنتجين في الثمانينات التي كانت سوق مشترين ويبيع فيها المنتجون الخام بأسعار وصلت في بعض الاحيان الى اقل من 10 دولارات للبرميل.

ويلاحظ انه حتى في قمة الجزائر فان صيغة البيان الختامي الذي صدر عنها شدد على التعاون الدولي والاعتماد المتبادل بين الدول في اشارة الى المنتجين والمستهلكين، وان كانت المنظمة كانت في حاجة وقتها الى تاكييد اهمية المواد الاولية باعتبارها ثروتها الاساسية وحقها في تأمين عائد عادل لشعوبها وفي القمة الثانية التي عقدت في كاراكاس بين 227 و28 سبتمبر (أيلول) عام 2000 كان البيان الختامي يعكس ايضا هذا الشعور بالمسؤولية المشتركة، وان كان احتاج وقتها الى تأكيد الأهمية الاستراتيجية للنفط الخام كمصدر للطاقة للبشرية واسهام الدول الاعضاء في تأمين رخاء العالم وكذلك اهمية الدور الذي يلعبه النفط في الاقتصاديات الوطنية للدول الاعضاء. كما اكد البيان الختامي وقتها الحاجة الى قنوات من الحوار الايجابي المشترك بين المنتجين والمستهلكين.

وتكتسب القمة الثالثة في تاريخ المنظمة اليوم اهمية خاصة لعدة اعتبارات اولها يكمن في مكان انعقادها باعتبار ان السعودية هي الزعيم المتوج لسوق النفط بحكم حجم انتاجها الذي يفوق انتاج أي دولة أخرى والاحتياطات التي تعد الأكبر في العالم والدور الذي لعبته على مدار تاريخ اوبك في الموزازنة بين احتياجات الحصول على عائد عادل لثروة استراتيجية والحفاظ على سوق مستقرة، فلفترة طويلة لعبت السعودية دور المنتج المرجح لأوبك ايام كان السوق سوق المستهلكين، بينما كانت تجاوزات الحصص هي القاعدة في السوق رغم الاتفاقات في المؤتمرات الوزارية، بينما لعبت نفس الدور من خلال زيادة الإنتاج عندما كانت السوق تمر بحالة نقص شديد في المعروض وامكانيات بقية الاعضاء لا تساعد على زايدة ضخها سواء لأسباب فنية أو اسباب سياسية، والمؤكد ان ذلك سينعكس في صيغة الرسالة التي ستوجهها القمة الى العالم من خلال بيانها الختامي.

العامل الآخر في الاهمية الاستراتيجية للقمة الثالثة هو ان سوق النفط تقف على مفترق تحولات كبيرة، مع الادراك الذي اصبح يسود العالم بان ايام الطاقة السهلة الوفيرة انتهت. ويعكس ذلك تقرير المجلس الوطني للبترول في الولايات المتحدة لعام 2007 والذي يتوقع نموا في الطلب على النفط بنسبة تصل الى 50 و60% بحلول عام 2030 نتيجة زيادة السكان ويحذر من ان هناك اخطار متراكمة امام تامين طاقة يتيسر شراؤها لتلبية احتياجات هذا النمو. ويؤكد التقرير انه لا يمكن الاستغناء عن امدادات الطاقة التقليدية مثل أفحم والبترول والغاز الطبيعي وفي حين ان موادر الطاقة لم تنضب لكن الاخطار متزايدة امام تلبية الطلب الاجمالي المتوقع على الطاقة. ولان كمية الطاقة الاحتياطية المعروفة لدى المنتجين ليس كبيرة لتأمين امدادت تصل الى 10 او 20 مليون برميل اضافية يوميا من النفط لتلبية توقعات زيادة الاستهلاك، خاصة من جانب قوى جديدة تنمو بشكل سريع مثل الصين والهند فان هناك مخاوف من شحة في الامدادت او صراع عليها بعد 10 او 20 عاما، ما لم يتم اعداد استراتيجيات مشتركة يتعاون فيها طرفا العلاقة من مستهلكين ومنتجين.

مصادر
سورية الغد (دمشق)