عكست زيارة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز اهتمام الرياض بمنتجات المجمع الصناعي ـ العسكري الروسي، وربط هذا الاهتمام بالملفات السياسية أمر طبيعي، باعتبار أن التعاون العسكري لابد وأن يعكس درجة من التقارب والثقة بين البلدين، لأنه يعني ربط أدوات حماية الأمن القومي للمشتري بتقنيات يقدمها البائع.

وقد عبرت التصريحات التي صدرت خلال زيارة ولي العهد عن اهتمام السعودية بالدبابات الروسية والمنظومات الصاروخية، ولابد من القول إن دخول المجمع الصناعي ـ العسكري الروسي إلى السوق السعودي مكسب كبير وهام، بعد أن نجحت مؤسسة «روس ابارون أكسبورت» الروسية في تنفيذ عقود توريد المعدات العسكرية لدولة الإمارات وسوريا والجزائر.

ومع بداية التسعينات انخفضت نسبة مبيعات الأسلحة الروسية في العالم إلى 4%، عندما اقترب مجمع الصناعات العسكرية الروسي من شفير الهاوية. ثم ازدادت مبيعات الأسلحة الروسية حتى أن روسيا عادت لتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في أسواق السلاح العالمية.

وتمكن مجمع الصناعات العسكرية الروسي الذي عانى من الضائقة المالية وقتذاك من البقاء على قيد الحياة بفضل الصادرات من منتجاته إلى البلدان الأجنبية. وأما الآن فإنه يواجه مشكلة أخرى تتعلق بنقص القدرات الفنية والتقنية.

إذ يؤكد الخبراء أنه إذا تلقت شركة «الماز ـ انتاي» المصنعة للأنظمة الصاروخية المضادة للطائرات «س ـ 300» طلبات إضافية الآن فإنها لن تستطيع إنجازها قبل عام 2011.

ويعتقد الخبراء أن فرص روسيا كبائع للأسلحة يمكن أن تتزايد في الأعوام القليلة المقبلة، إذ يسود اعتقاد بأن أغلبية البلدان الحريصة على استقلال سياستها الخارجية عن واشنطن ستقبل على شراء الأسلحة الروسية.

وقد تزايد حجم صادرات روسيا من الأسلحة والمعدات العسكرية خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، وهو ما كشفت عنه البيانات الرسمية الصادرة عن الهيئة الروسية للتعاون العسكري الفني، حيث بلغت قيمة مبيعات الأسلحة الروسية في عام2007 حوالي 8 مليارات دولار، بزيادة قدرها 5,1 مليار عن عام 2006. كما بلغ حجم العقود الموقعة حوالي 30 مليار دولار.

وقد أدى ازدياد الدول الراغبة في اقتناء منتجات المجمع الصناعي ـ العسكري الروسي إلى انخفاض حجم مبيعات الأسلحة والمعدات العسكرية للصين والهند ـ اللتين تتصدران قائمة مستوردي الأسلحة والتقنيات العسكرية الروسية ـ من 74% إلى 62%.

ويرى بعض الخبراء المختصين، أن حجم الصادرات الروسية من المعدات العسكرية لم يحقق زيادة ملحوظة، وإنما تعود زيادة عائدات التصدير للمنتجات العسكرية إلى ارتفاع أسعار هذه المنتجات.

فيما يؤكد فريق آخر أن عام 2007 قد شهد زيادة فعلية في حجم الصادرات العسكرية الروسية، حيث يفوق إجمالي الطلبات على النظام الصاروخي المدفعي المضاد للطائرات «بانتسير» قدرة المؤسسة الصناعية المصنعة له على الإنتاج، كما بلغت الطلبات على مقاتلات «ميغ» حوالي 8 مليارات دولار.

واعتبر قسم الأبحاث في الكونغرس الأميركي أن روسيا منافسا قويا لشغل المركز الأول في مجال العقود والاتفاقات الخاصة بتصدير الأسلحة والتقنيات العسكرية إلى البلدان النامية، بعد أن كانت تحتل المرتبة الثانية في الفترة من 1999 ـ 2004.

وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة احتلت المركز الأول في مجال تصدير الأسلحة والتقنيات العسكرية إلى البلدان النامية في العام الماضي(8 مليارات دولار)، تليها روسيا (5. 5 مليارات دولار) وبريطانيا (3. 3مليارات دولار).

وفى هذا السياق اتخذ الكرملين عدة إجراءات لتوسيع نشاط المجمع الصناعي ـ العسكري في الأسواق العالمية ولزيادة حجم صادرات روسيا من الأسلحة والمعدات العسكرية.

حيث صادق الرئيس فلاديمير بوتين على قانون يقضي بإنشاء شركة قابضة حكومية جديدة باسم «روس تكنولوجيا» تضم مؤسسة «روس أوبورون أكسبورت» التي هي وكيل الحكومة في تصدير المنتجات العسكرية الروسية إلى بلدان العالم الأخرى، ومؤسسات تابعة لها.

ويأتي هذا القرار بناء على دراسات وضعتها إدارة مؤسسة «روس ابارون أكسبورت» قبل عدة أعوام أشارت إلى ضرورة تأسيس شركة خاصة بالتقنيات العسكرية، تضم قطاع التصدير وشركة الصناعات الدفاعية «اوبورون بروم» وشركة إنتاج السيارات «افتو واز» التي تستخدم منتجاتها في العديد من جيوش البلدان النامية، إضافة لعدد من المؤسسات الصناعية الأخرى. ويعتقد أن هذا التشكيل الجديد سيزيد من حصة روسيا في سوق التقنيات الدقيقة العالمي، والتي لا تزيد اليوم على 0. 5%.

ويحظى النشاط الاقتصادي للمجمع الصناعي ـ العسكري الروسي باهتمام بوتين بشكل مباشر، حيث تبذل جهود من جانب الكرملين لتوسيع حصة روسيا في الأسواق العالمية، وبهدف زيادة عائدات الخزينة الحكومية، وقد أعلن الرئيس فلاديمير بوتين بأن روسيا لن تسمح بأن تفرض عليها قيود في مجال تصدير الأسلحة إذا كانت هذه الصادرات لا تتعارض مع قواعد القانون الدولي.

وأضاف إن صادرات روسيا من الأسلحة موجهة فقط نحو تعزيز القدرات الدفاعية للبلدان التي تستوردها، ودعم استقرار وأمن تلك البلدان، في إطار تمسك روسيا بالتزاماتها الدولية في المجال العسكري التقني، وخاصة ما يتعلق بمراقبة الصادرات في هذا المجال.

وتجري روسيا محادثات لتطوير التعاون العسكري التقني مع أكثر من 20 بلداً. كما إنها تقيم علاقات تعاون في هذا المجال مع 82 بلداً. ويعكس اهتمام الرياض والعقود الموقعة مع سوريا والجزائر ودولة الأمارات وجود تقدم إيجابي في تعاون روسيا في هذا المجال مع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ومما لاشك فيه أن التعاون العسكري التقني يلعب دورا مهما في تطور مؤسسات الصناعات الدفاعية في روسيا، ويوفر الإمكانية في مؤسسات الصناعات الدفاعية للحفاظ على طاقاتها البشرية والتكنولوجية، وتحسين أوضاعها المالية والاقتصادية، إضافة لتطوير الأبحاث العلمية والتجارب والتحديث.

إن نجاح الكرملين في زيادة الصادرات العسكرية الروسية، يرتبط بشكل مباشر بتوجهات السياسة الخارجية المتوازنة، والتي لا تسعى لتصعيد الصدام في البؤر الساخنة، وتحرص على بناء علاقات مع كافة دول العالم على أساس المنفعة المتبادلة، ما يجعل العديد من أطراف المجتمع الدولي تحرص على إقامة علاقات وثيقة مع روسيا، طالما أنها لا تفرض شروطاً، وتلعب دورا في الأزمات الدولية.

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)