قبل بضعة عقود، كان ثلث القوة العاملة الأميركية ينتمي إلى النقابات العمّالية. أما الآن فتراجعت النسبة إلى عشرة في المئة. ولوسائل الإعلام الإخبارية دور أساسي في هذا الانحدار.
بينما تذوي النقابات، لدى الصحافة أسبابها لتخصيص حبر أقل ووقت أقل على الهواء لها. ومع انحسار التغطية الإعلامية، لا يجد الكثير من الأميركيين سبباً وجيهاً للاعتقاد بأنّ النقابات مهمّة في حياتهم العملية.
لكن المشكلة الإعلامية مع العمل تذهب أبعد بكثير من اضمحلال أخبار النقابات من الصحافة المكتوبة والتلفزيون والراديو. فوسائل الإعلام لا تخصّص حيّزاً محدوداً للعمل المنظَّم وحسب بل يمتدّ التجاهل ليشمل أيضاً العمل غير المنظّم.
في معظم الأحيان، عندما تتطرّق نشرات الأخبار إلى المسائل المتعلّقة بأماكن العمل وكسب الأرزاق، تطرحها من منظار أنها مشكلات يعاني منها ربّ العمل. التركيز المتكرّر هو على آفاق الشركات التي ينبغي عليها أن تتنافس والمخاطر التي تواجهها.
حسناً، بالتأكيد، يجب أن تتنافس الشركات. ويجب أن يتمكّن العمّال من تأمين المأكل والملبس والمسكن لأنفسهم ولعائلاتهم. كما أنهم يأملون الإفادة من رعاية طبية مناسبة.
مسألة التأمين الصحي قضية سياسية يتحدّث بها العديد من المرشّحين في هذه الأيام. لكن في هذه الأثناء، غالباً ما يجد العمّال النقابيون أنفسهم في موقف ضعيف عندما يحاولون الحفاظ على التغطية الطبية التي يملكونها. أما العمال غير النقابيين فمعظمهم لا يملك سوى تغطية محدودة أو لا يملك أي تغطية على الإطلاق.
ومع النقاش الإعلامي عن الصعوبات المالية للشركات، غالباً ما يضيع العنصر البشري في المعمعة. في الأخبار الاقتصادية اليومية والتقارير العامة، تتحوّل حياة الأشخاص الذين هم على المحك فكرة تجريدية، أو لا يأتون على ذكرها بكل بساطة.
يحظى موضوع العراق بتغطية واسعة النطاق في الإعلام. لا يمكنني قول الكثير عن نوعية تلك التغطية، لكنهم يردّدون على الأقل أن حرباً عسكرية تحصل في الخارج. لكن ماذا عن الحرب الاقتصادية التي تحصل في الداخل؟
لقد تعاملت وسائل الإعلام الإخبارية الأميركية بازدراء مع عبارات مثل "حرب الطبقات" – فقد نُعِتت بالقوية جداً والقتالية جداً والبلاغية جداً. لكن أياً كانت التسمية التي تطلقونها عليه، صدام المصالح الاقتصادية يلازمنا باستمرار.
حرب الطبقات التي تُشنّ من الأعلى إلى الأسفل نشاط رابح – وجزء من النجاح قائم على تأطير بعض الحقائق غير السارّة وتفاديها من خلال وسائل الإعلام المملوكة من الشركات. لا داعي لأن تكون عالِم صواريخ أو عالماً اجتماعياً لتدرك أنّ الشركات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات لن تسعى إلى امتلاك مؤسّسات إعلامية تتحدّى نفوذ هذه الشركات، ولا إلى نشر إعلانات فيها.
كان أحد التحوّلات الطاغية في المشهد الإعلامي في العقدَين الماضيين، إنما الذي لم يجرِ التوقّف عنده كثيراً، الزيادة الكبيرة في كمية الأخبار الاقتصادية التي تُذاع كأخبار عامة. والنتيجة هي أنّ عشرات ملايين الأشخاص ذوي الدخل المنخفض يشاهدون باستمرار أخباراً عن التحدّيات التي يواجهها المستثمرون الأثرياء والفرص المتاحة أمامهم.
والعكس ليس صحيحاً بالتأكيد. فمن النادر جداً أن يقع فاحشو الثراء في مجتمعنا في الصحف أو نشرات الأخبار المسائية على مجموعة من الأخبار والتعليقات عن الضيق الشديد الذي يعيشه فقراء أميركا، ومعنى أن تكون واحداً منهم. ومن النادر أكثر أيضاً أن نقع على تغطية تعرض كيف أصبح عدد قليل من الأشخاص فاحشي الثراء كنتيجة مباشرة لغرق عدد كبير آخر في مزيد من الفقر.
"حرب الطبقات"؟ رؤساء التحرير الأكثر نفوذاً في البلاد يرتعدون لسماع العبارة. لكن كل يوم، يعي ملايين الأميركيين بألم أن حرب الطبقات - أياً كان الاسم الذي يُطلَق عليها - جارية، وأنهم يخسرون.

* ناقد أميركي متخصّص في وسائل الإعلام الأميركية

مصادر
النهار (لبنان)