انضم كل من لندن وبرلين وحلف شمال الاطلسي ومراقبين غربيين الى المعارضة الروسية في انتقاد الانتخابات النيابية التي أجريت الاحد، الامر الذي لم يمنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الاشادة بالفوز الكاسح الذي حققه حزب "روسيا موحدة" الذي يتزعمه، معتبراً أنه تثبيت لزعامته.

وتجمع ما بين ثمانية آلاف وعشرة آلاف ناشط في حركة "ناشي" الشبابية القريبة من الكرملين في وسط موسكو للاحتفال بفوز الحزب الرئاسي في الانتخابات ومنع "الخونة" من "الاستيلاء على السلطة".

وأظهرت نتائج جزئية نشرت صباح أمس تشمل نحو 98 في المئة منها، أن حزب "روسيا موحدة" حصل على 64,1 في المئة من الاصوات، وهو ما يمكنه من احتلال 315 من المقاعد الـ450 لمجلس دوما الدولة.

وبذلك، حقق الحزب الرئاسي قفزة كبيرة مقارنة بالانتخابات النيابية التي أجريت عام 2003 والتي حصل فيها "روسيا موحدة" على 37,5 في المئة من الاصوات.

والحزب المعارض الوحيد الذي سيتمثل في الدوما هو الحزب الشيوعي الذي حل في المرتبة الثانية مع 11,6 في المئة (57 مقعدا)، وإن يكن واصل تراجعه المستمر منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق.

وفي المجموع، تمكنت أربعة أحزاب من بلوغ عتبة السبعة في المئة من الاصوات الضرورية لدخول البرلمان، وهي "روسيا موحدة" والحزب الشيوعي والحزب الديموقراطي الليبرالي الوطني الموالي للكرملين بزعامة فلاديمير جيرينوفسكي وحزب روسيا العادلة اليساري الموالي للرئاسة أيضاً.

وعزز القوميون المتشددون بزعامة جيرينوفسكي قاعدتهم الانتخابية بحصولهم على 8,2 في المئة (40 مقعدا) من الاصوات يليهم حزب روسيا العادلة بزعامة رئيس مجلس الاتحاد سيرغي ميرونوف الذي حصل على 7,8 في المئة من الاصوات (38 مقعدا).

ويشار الى أن العميل السابق لدى جهاز الاستخبارات السوفياتي السابق "كي جي بي" أندريه لوغوفوي المشتبه فيه الرئيسي في قضية تسميم المعارض الكسندر ليتفينينكو في بريطانيا، فاز بمقعد في الدوما عن الحزب الديموقراطي الليبرالي الوطني.

وفي مجلس الدوما المنتهية ولايته، كان "روسيا موحدة" يشغل 297 مقعدا، والشيوعيون 47 والقوميون 29 وروسيا العادلة 33 مقعدا.

وبذلك سيتولى الموالون للكرملين أكثر من ثمانين في المئة من مقاعد مجلس النواب.

وللمرة الاولى في تاريخ روسيا، شارك الرئيس في الانتخابات على رأس لائحة "روسيا موحدة" مما حول الاقتراع استفتاء على شعبية بوتين.

وبالنتائج التي حققها، صار في امكان بوتين الاحتفاظ بسلطة عبر التأثير على البرلمان والحكومة بعد انتهاء ولايته الرئاسية في أيار 2008. وأشاد بوتين وحلفاؤه بالتصويت، معتبرين أنه دعم كاسح لسياساته وقيادته.

بوتين: انه نصر

وقال بوتين أمام الصحافيين خلال زيارة لمركز الاابحاث والانتاج الفضائي "ان بي او لافوتشكين" في خيمكي بضاحية موسكو: "في ما يتعلق بروسيا موحدة، انه ولا شك نجاح، انه نصر". واضاف أن "شرعية البرلمان الروسي زادت من دون أدنى شك... من الواضح أن الروس لن يتركوا بلدهم يسلك طريقا تدميرية كما حصل في بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق".

وصرح رئيس اللجنة الانتخابية المركزية الروسية فلاديمير تشوروف بان اللجنة لم ترصد اي انتهاك يمكن أن يؤثر على صدقية الانتخابات.

انتقادات

لكن الشيوعيين والليبراليين ومراقبين أجانب انتقدوا العملية الانتخابية وشككوا في نزاهتها.

ووصف زعيم حركة "روسيا الاخرى" المعارضة بطل العالم السابق في الشطرنج غاري كاسباروف الانتخابات بأنها "الاكثر قذارة في تاريخ روسيا الحديث".

وقال في مؤتمر صحافي: "لا أعتقد أن هناك من يشك في أن هذه الانتخابات كانت الاكثر قذارة في تاريخ روسيا الحديث والاكثر افتقارا الى النزاهة".

ولاحظ رئيس بعثة مراقبة الانتخابات التابعة للجمعية البرلمانية لمنظمة الامن والتعاون في اوروبا غوران لينماركر ان "هذه الانتخابات لم تلب عدداً كبيراً من التعهدات والمعايير التي نعتمدها في المنظمة ومجلس اوروبا"، لافتاً الى أن "الاندماج بين الدولة وحزب سياسي يشكل استغلالاً للسلطة وانتهاكا واضحا للمعايير الدولية".

كذلك، انتقد نائب رئيس الجمعية البرلمانية للمنظمة كيمو كيليونن في حديث الى إذاعة "صدى موسكو" الانتخابات. وقال ان "السلطة التنفيذية نظمت هذه الانتخابات على نحو سمح لها بانتخاب هذا البرلمان تقريبا". ورأى أن "انخراط قوى الدولة في الاحزاب مشكلة، وان يكون الرئيس على رأس لائحة حزب ولا يدخل البرلمان في نهاية الامر مشكلة، والامر ينطبق على حكام المناطق" المدرجين على لائحة حزب "روسيا موحدة" والذين لم يدخلوا البرلمان.

اي مستقبل

ورأت الصحف الروسية ان فوز "روسيا موحدة" لا يكشف شيئا عن مستقبل بوتين ومستقبل روسيا.

وكتبت صحيفة "روسيسكايا غازيتا" الموالية جدا للحكومة أن هذا الفوز "لا يقول شيئا" عن مستقبل الرئيس ولا عن خليفته المحتمل في الكرملين". وقالت "هذه الحملة ليست سوى عمل انجز نصفه وكل معناه يكمن في المرحلة الثانية... التي ستنبثق من المرحلة الاولى اي الحملة الرئاسية". واضافت ان زعماء "روسيا موحدة" "تجنبوا بحذر كبير الحديث عمن سيتولى رئاسة مجلس الدوما"، المنصب الذي يمكن بوتين من الاحتفاظ بتأثيره بعد (او حتى قبل) رحيله من الكرملين السنة المقبلة.

اما صحيفة "روسكي نيوزويك" الاسبوعية فكتبت ان انتصار الكرملين تم "في ظروف من الهستيريا المفتعلة"، موضحة انها "لم تفهم كيف سيقود بوتين بصفته زعيما وطنيا (البلاد) بعد الانتخابات الرئاسية".

وتحدثت صحف عدة عن عمليات تزوير. وقالت "نوفايا غازيتا" التي تصدر مرتين في الاسبوع وخصصت عنوانها الرئيسي لهذا الموضوع ان صحافييها تمكنوا من التصويت "مرتين" في موسكو. وادعت الصحيفة القريبة من المعارضة ان حزب "روسيا موحدة"، "حصل فعلاً على 40 في المئة من الاصوات وليس على اكثر من 60 في المئة" كما اعلن رسميا، معتبرة ان هذه النتيجة تشكل "فشلا".

ردود دولية

وفي الردود الدولية على الانتخابات الروسية، جاء في بيان للكرملين ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي "هنأ بحرارة" نظيره الروسي بفوز حزبه في الانتخابات.

وقال ان الرئيسين "تبادلا الاراء في التطورات الحالية للعلاقات الفرنسية - الروسية في مكالمة (هاتفية) هنأ خلالها ساركوزي بحرارة بوتين بفوزه في الانتخابات".

وصرح ناطق باسم حلف شمال الاطلسي بأن الامين العام للحلف ياب دي هوب شيفر أبدى "قلقه" من سير الانتخابات الروسية، وخصوصاً على صعيد "حريتي التعبير والتجمع". لكنه قال إن الحلف "يرغب في مواصلة التعامل مع روسيا، ونحن في حاجة بعضنا الى البعض".

وفي لندن، ابدت وزارة الخارجية البريطانية "قلقها" من المعلومات التي تحدثت عن مخالفات في الانتخابات الروسية، قائلة انها "اذا تأكدت" فأن ذلك يعني ان "الانتخابات لم تكن حرة ولا نزيهة".

وفي برلين، صرح ناطق باسم الحكومة الالمانية بان هذه الانتخابات لم تكن "حرة ونزيهة وديموقراطية".

وفي بروكسيل، احتفظت المفوضية الاوروبية برأيها في الانتخابات من اجل "تحليل المعلومات الواردة من مختلف المصادر". وصرح الناطق باسمها يوهانس لايتنبرغر: "اننا في صدد تحليل المعلومات الواردة من مختلف المصادر، مع الرئاسة (البرتغالية للاتحاد الاوروبي) والممثل الاعلى (للسياسة الخارجية والامن المشترك للاتحاد الاوروبي) خافيير سولانا... سنعطي ردنا عندما تكتمل لدينا كل التفاصيل، وتصير لدينا صورة متكاملة" عن الوضع. ولفت الى انه لا يمكن الحكم على انتخابات استناداً فقط "الى قاعدة ما يحصل يوم الانتخاب" وانما ايضا الى قياس سير الحملة برمتها. واضاف: "اننا بالتأكيد على علم بالاتهامات بحصول مخالفات... ستقوّمها من الهيئات المختصة في روسيا، وسنتابع ذلك عن كثب".